2025-03-30 04:30 ص

تهجير الفلسطينيين من غزة.. أولوية إسرائيلية على طريق "حسم الصراع"

2025-03-24

في ظل عودة حرب الإبادة على قطاع غزة، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، عبر بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء، المصادقة على إنشاء وكالة خاصة تُعنى بـ”المغادرة الطوعية” للفلسطينيين، على أن يشرف عليها ضابط متقاعد من جيش الاحتلال صاحب سجل إجرامي حافل في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين.

يمثل هذا القرار حلقة جديدة في سلسلة إجراءات إسرائيلية متسارعة تستهدف تفريغ قطاع غزة من سكانه، تحت غطاء “الطوعية”، في حين أن الواقع يُظهر أنها نتيجة مباشرة لسياسات التهجير القسري، وللحصار والدمار الذي خلّفته الحرب.

فبعد أن دمّرت إسرائيل القطاع بشكل شبه كامل، سعيًا لتحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة، تسابق الزمن لاقتناص “الفرصة الذهبية” التي منحها لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خلال تبنيه خطة إخلاء قطاع غزة وتحويله إلى مشروع استثماري أمريكي، تحت ذريعة أن إعادة الإعمار غير ممكنة بوجود السكان على الأرض.

إدارة رسمية لتهجير الفلسطينيين
في خطوة تُعدُّ الأولى من نوعها، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي موافقتها على إنشاء إدارة رسمية تُعنى بتنسيق ما تسميه “المغادرة الطوعية” للفلسطينيين من قطاع غزة، في إطار خطة متكاملة تهدف إلى تسهيل تهجير السكان نحو دول ثالثة. وجاء القرار عقب اجتماع المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، الذي ناقش مواصلة الضغط العسكري على القطاع.

المقترح، الذي قدّمه وزير الحرب يسرائيل كاتس، ينص على إنشاء إدارة خاصة داخل وزارة الحرب، تتولى تنسيق استعدادات الوزارات المختلفة، إلى جانب الجيش وجهاز “الشاباك” والشرطة، لتنفيذ الخطة الميدانية للتهجير. وستعمل هذه الإدارة بتفويض مباشر من القيادة السياسية، وبإشراف وزير الحرب، وبتنسيق محتمل مع منظمات دولية وهيئات خارجية.

ووفق البيان الإسرائيلي، ستُعنى الإدارة الجديدة بتأمين مرور “منضبط وآمن” للفلسطينيين نحو دول المقصد، عبر معابر برية وبحرية وجوية يتم تجهيزها لهذا الغرض، إلى جانب الإشراف على البنية التحتية اللازمة وتأمين عمليات التفتيش والتنقل.

وقال كاتس في تصريحه: “نعمل بكل الوسائل لتنفيذ رؤية ترامب، وسنسمح لأي مقيم في غزة يرغب في المغادرة الطوعية إلى دولة ثالثة أن يفعل ذلك”. وأشار البيان الرسمي إلى أن الوزراء تلقوا إحاطة حول الأبعاد الدولية للخطة وآليات تنفيذها.

في سياق متصل، كشف وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، عن بدء الاستعدادات لإنشاء إدارة هجرة كبيرة داخل وزارة الحرب الإسرائيلية، بهدف تنفيذ ما سماه “خطة الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة”، استنادًا إلى رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. جاء ذلك خلال مؤتمر نظّمته “لجنة أرض إسرائيل” في الكنيست، خُصص لمناقشة خطة التهجير.

وقال سموتريتش، بحسب صحيفة “يسرائيل هيوم”: “نحن نقيم إدارة للهجرة بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع، والميزانية لن تكون عائقًا”.

وأضاف أن الفكرة تلقى دعمًا من بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية الذين وصفوا وجود مليوني فلسطيني في غزة بـ”الخطر الداهم”، وعبّروا عن قلقهم من “وجود مجتمع يحمل كراهية عميقة لإسرائيل على مسافة قريبة من حدودها”.

وأوضح الوزير الإسرائيلي تعقيدات العملية: “إذا استطعنا ترحيل 5,000 شخص يوميًا، فسنحتاج إلى عام كامل. هناك حاجة إلى ترتيبات لوجستية معقدة لمعرفة من سيغادر وإلى أي دولة”، مؤكدًا أن “إسرائيل” تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتحديد الدول المستعدة لاستقبال الفلسطينيين المُهجّرين من القطاع.

واعتبر سموتريتش أن هذه الخطة تُشكّل “فرصة تاريخية لتغيير الواقع”، فحسب قوله: “لا يجب أن تتحول تكلفة الحرب والدمار إلى جولة أخرى من القتال. نحن أمام لحظة مصيرية يجب أن نستغلها”. وختم بالتأكيد أن “كل شيكل يُستثمر الآن في تشجيع الهجرة، أقل كلفة من استمرار القتال”.

في السياق ذاته، اعتبر مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، أن فكرة ترحيل الفلسطينيين من غزة – التي كان ترامب قد طرحها سابقًا – “عملية وقابلة للتطبيق”، في إشارة إلى التناغم المتزايد بين واشنطن وتل أبيب حول مستقبل القطاع وسكانه.

عودة الحرب كغطاء لخطة التهجير
في تطور يُسلّط الضوء على أبعاد الحرب الجارية على قطاع غزة، كشفت القناة الإسرائيلية i24NEWS أن الجيش الإسرائيلي يعتزم استخدام العملية البرية المرتقبة كأداة مزدوجة، ليس فقط للقضاء على البنية العسكرية والإدارية لحركة حماس، بل أيضًا لدفع خطة “الهجرة الطوعية” التي روّج لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتسعى حكومة الاحتلال إلى تنفيذها ميدانيًا.

وبحسب التقرير، فإن الأمور لا تزال “قيد التجهيز”، وسط غموض بشأن مدة بقاء القوات الإسرائيلية داخل القطاع، إلا أن مصادر سياسية وعسكرية تشير إلى وجود خطط بعيدة المدى تتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة، وتتقاطع مع مشروع التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة.

في السياق ذاته، أفادت عائلات الأسرى من حملة الجنسية الأمريكية بأنهم تلقوا مؤخرًا إشارات من مسؤولين في إدارة ترامب تُفيد بتوقف المفاوضات بشكل كامل، وأن الرئيس الأمريكي لا يعتزم ممارسة أي ضغط على نتنياهو لإنجاز صفقة تبادل، بل على العكس، يبدو مستعدًا لمنح غطاء سياسي لأي عملية عسكرية واسعة النطاق.

وتزامنا مع ذلك تتواصل الاستعدادات لتنفيذ خطة رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، التي تقوم على شن هجوم بري واسع عبر تعبئة عدد من الفرق العسكرية. ووفق مصادر إعلامية، أبلغ زامير وزراء الحكومة بأن هذه العملية ستكون حاسمة وستحقق “الهدف النهائي” بالقضاء على حكم حماس في القطاع.

ورغم التعتيم الإعلامي الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على تفاصيل الخطة، إلا أن بيانًا صدر عن وزير الحرب يسرائيل كاتس قبل أيام، كشف عن التوجه نحو الاستيلاء على أراضٍ إضافية داخل قطاع غزة، مع إخلاء سكانها وتوسيع ما يسمى بـ”المناطق الأمنية” لحماية المستوطنات والجنود، في خطوة تُظهر بوضوح أن الاحتلال يتجه نحو سياسة جديدة تقوم على الضم التدريجي لأجزاء من غزة.

وقال كاتس في بيانه: “كلما واصلت حماس رفضها للإفراج عن الرهائن، ستخسر مزيدًا من الأراضي التي ستُضم إلى إسرائيل”، في تهديد مباشر يعكس نوايا استراتيجية لإعادة رسم الخارطة الجغرافية للقطاع بالقوة.

خطوات متراكمة ومخططات مبيّتة
لم يكن الإعلان الإسرائيلي الأخير عن إنشاء إدارة رسمية للهجرة “الطوعية” من قطاع غزة خطوة منفصلة أو معزولة، بل جاءت تتويجًا لسلسلة من التحضيرات المتراكمة منذ الأيام الأولى بعد عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكشفت القناة 14 العبرية أن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، برئاسة الوزيرة السابقة جيلا جامليل، أعدّت وثيقة سرّية بعد أقل من أسبوع على الهجوم، تتضمن خطة كاملة لإجلاء سكان قطاع غزة، تحت عنوان “الهجرة الطوعية”، وقُدّمت هذه الوثيقة إلى الحكومة الإسرائيلية للنظر فيها.

وتقوم الوثيقة على ثلاثة مبادئ رئيسية: أولها إبعاد المدنيين من مناطق القتال بواسطة الجيش، وثانيها تسهيل إخراجهم من القطاع إلى الخارج، باعتبار ذلك خطوة نحو “القضاء على حماس”، أما المبدأ الثالث فيتمثل في تنفيذ الإجلاء عبر إنشاء مدن خيام مؤقتة في سيناء، ثم نقل السكان إلى دول أجنبية عبر “ممر إنساني”.

وطرحت الوثيقة، ضمن خيارات مستقبل القطاع، ثلاث سيناريوهات: استمرار وجود السكان تحت إدارة السلطة الفلسطينية، أو تشكيل إدارة عربية بديلة لحماس، أو تنفيذ مخطط التهجير الطوعي وتوزيع السكان على دول غربية وعربية.

وفي فبراير الماضي، أعلن وزير الحرب يسرائيل كاتس أن الوكالة الخاصة التي أُقرّ إنشاؤها لإدارة “المغادرة الطوعية” تعكس التزام الحكومة الإسرائيلية بخطة أمريكية تهدف للسيطرة على قطاع غزة وتفريغه من سكانه.

وسبق لكاتس أن أصدر تعليمات للجيش لإعداد خطة تسهّل هجرة سكان غزة، مؤكدًا أن خطة ترامب “توفر فرصًا واسعة للراغبين في المغادرة، وتفتح الطريق لإعادة إعمار غزة منزوعة السلاح وخالية من التهديدات”.

وأشار كاتس إلى إعداد خطة أولية تتضمن “حزمة مساعدات شاملة” لسكان غزة الذين يوافقون على الهجرة، تشمل ترتيبات خروج عبر البر والبحر والجو، مع ضمانات وإغراءات مادية.

ومع استئناف العدوان الإسرائيلي على القطاع مؤخرًا، نشر كاتس رسالة مصورة وجّهها إلى سكان غزة، أعلن فيها قرب بدء “إجلاء السكان”، داعيًا إياهم إلى “التخلص من حماس”، في محاولة لتحميل الحركة المسؤولية، وتبرير المخطط الإسرائيلي الهادف لتفريغ القطاع من سكانه الأصليين.

أحد جنرالات الإبادة يتولّى تنفيذ الخطة
كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن حكومة الاحتلال كلّفت رسميًا الجنرال المتقاعد عوفر وينتر بإدارة ما تسميه “المغادرة الطوعية” للفلسطينيين من قطاع غزة.

ويعد ينتر، المعروف بتوجهاته الدينية المتطرفة وعلاقاته الوثيقة بقيادات الصهيونية الدينية وحركات الاستيطان، من أبرز الضباط الذين تركوا بصماتهم الدموية في الحروب التي شنّتها إسرائيل على الفلسطينيين خلال العقدين الأخيرين.

وينتر، الذي تقاعد من الخدمة العسكرية عام 2024، تولّى خلال مسيرته قيادة العديد من الوحدات القتالية، من بينها وحدة “دوفديفان”، ولواء “جفعاتي”، والفرقة 98 للمظليين، كما شغل منصب السكرتير العسكري لوزير الحرب، ورئيس أركان القيادة المركزية.

وكان له دور مباشر في عمليات كبرى ضد قطاع غزة، أبرزها “الرصاص المصبوب” (2008–2009) و”الجرف الصامد” (2014)، حيث عُرف بخطابه التعبوي الذي خلط بين العقيدة العسكرية والتوراة، ووصف فيه الهجوم على غزة بأنه “حرب مقدسة ضد عدو يجدف على اسم الرب”.

أثار وينتر جدلًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية بسبب إقحامه للخطاب الديني في الجيش، وكان أحد أبرز وجوه “العسكرة المتدينة” التي تغلغلت في وحدات النخبة.

وبعد مشاركته في صد هجوم المقاومة على كيبوتس بئيري يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمبادرة شخصية، أصبح مرشحًا مفضلًا في أوساط اليمين لتولّي أدوار سياسية وعسكرية جديدة.

وبعد إنهاء خدمته رسميًا في مايو/أيار 2024، عاد وينتر عبر بوابة سياسية–أمنية جديدة، مع منحه تفويضًا رسميًا لإدارة إجراءات تهجير سكان قطاع غزة، بغطاء من الحكومة الإسرائيلية.

ولا يعتبر تعيينه في هذا المنصب عن طبيعة المشروع فقط، بل يُدلل على أن خطة “المغادرة الطوعية” ليست إلا امتدادًا لسياسات القمع والإبادة، لكنها هذه المرة بصيغة لوجستية وإدارية، يقودها جنرال يعرف القطاع جيدًا، ويملك سجلًا حافلًا في تدمير بنيته المجتمعية والعمرانية.

التهجير أولوية عليا.. لاستكمال “حسم الصراع”
تعكس الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة، والدعم الأميركي اللامحدود، أن مشروع تهجير سكان قطاع غزة لا يزال يتصدّر أولويات الحكومة الإسرائيلية، ويُشكّل محورًا رئيسيًا في استراتيجية اليمين المتطرف الحاكم.

وتأتي عودة الحرب العدوانية على القطاع، عقب رفض نتنياهو الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة التهدئة وتبادل الأسرى، بوصفها خطوة متعمَّدة لتهيئة الأرض سياسيًا وميدانيًا لتنفيذ المخطط التهجيري.

تؤكد كل المؤشرات أن حكومة الاحتلال تنسق بشكل وثيق مع إدارة ترامب بهدف استعادة الأسرى الإسرائيليين، باعتبار ذلك العقبة الأخيرة أمام توسيع الحرب واستئناف الإبادة التي ستضع الفلسطينيين في هذه المرحلة أمام مفترق طرق قسري: إما الموت في مناطقهم المدمرة، أو مغادرتها نحو المجهول، في خطوة تهدف لتصفية الوجود الفلسطيني بشكل نهائي من قطاع غزة.

المصدر: نون بوست

آراء ومقالات

Statcounter