2025-03-24 04:51 م

لماذا تأخر ردّ المقاومة على استئناف الاحتلال للحرب في غزة؟

2025-03-22

يواصل الاحتلال الإسرائيلي غاراته على قطاع غزة، شمال ووسط وجنوب، بالتزامن مع عملية برية وصفها بالمحدودة سيطر من خلالها على محور نتساريم، فيما انتشرت بعض عناصر جيشه على الشريط الحدودي في محور فيلادلفيا في رفح، بينما توعد وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الفلسطينيين في القطاع بمزيد من الإبادة، معتبرًا أن “القادم أصعب بكثير”.

وأسفرت تلك العمليات التي اندلعت فجر الثلاثاء 18 آذار/مارس الجاري، عن ارتقاء 710 شهيدًا وأكثر من 900 جريح، 70% منهم من الأطفال والنساء، معظم إصابتهم خطيرة، بحسب باسم وزارة الصحة في قطاع غزة خليل الدقران، فيما تعاني المنظومة الصحية في القطاع من أوضاع مأساوية جراء القصف ونقص المستلزمات وخروج معظمها عن الخدمة لعدم توفر الوقود في ظل غلق المعابر وفرص حصار مطبق جديد على غزة.

وتُعد الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة خرقًا رسميًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين حماس وحكومة الاحتلال ودخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، فيما اكتفت المقاومة بتحميل جيش الاحتلال وقيادته السياسية المسؤولية الكاملة عن تداعيات تلك العمليات التي تعرض الأسرى الإسرائيليين في غزة لمصير مجهول، داعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لانعقاد عاجل لأخذ قرار يلزم إسرائيل بوقف عدوانها.

ومع دخول الحرب -بعد استئنافها مجددًا- يومها الثالث، وما خلفته من أرقام مُفزعة في عدد الشهداء، وبدء العملية البرية لجيش الاحتلال عقب استدعاءه 400 ألف جندي من الاحتياط، جاء رد كتائب القسام التي أعلنت قصفها لتل أبيب، ظهر اليوم الخميس 20 أذار/ مارس الجاري، برشقة صاروخية، للمرة الأولى منذ أشهر، لتدوي صافرات الإنذار في الداخل الإسرائيلي، مضيفة في بيان مقتضب، أن ذلك جاء “رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين”.. ليبقى السؤال : لماذا تأخر ردّ المقاومة على تلك الانتهاكات الوحشية حتى اليوم الثالث من استئناف الاحتلال للحرب؟

مسألة إرادة في المقام الأول
ترى المقاومة أن مسألة العودة للحرب مرة أخرى من عدمه مسألة إرادة في المقام الأول، تخضع لحسابات ومقاربات حماس ورفيقاتها في درب النضال، وأن الأمر لا علاقة له على الإطلاق بالقدرات التسليحية والتنظيمية للفصائل، وفق ما ذكر القيادي بحماس، سهيل الهندي الذي قال إن الحركة تحتفظ بحق الرد وفي التوقيت الذي تراه.

الهندي في مداخلة متلفزة له مع “التلفزيون العربي” أرجع قرار الرد إلى الميدان، قائلًا إن “كيفية الرد تُترك لمن هم على الأرض، إنهم يعرفون ويدركون كيفية الرد على الاحتلال”، مؤكدًا أن المقاومة لن تٌعطي الدنية في فلسطين، وأضاف أنه  تضرر قدرات الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة بسبب الحرب، لكنه في الوقت ذاته لديهم “القدرة والرغبة في القتال”.

وتشير الكثير من التقارير، العربية والأجنبية والعبرية، إلى قدرة حماس والفصائل على المقاومة والصمود، وأن ما يثار بشأن القضاء على قدراتها العسكرية خلال أيام الحرب الـ 470 كان محض خيال لا علاقة له بالواقع، وهو ما كشفته مشهديات تسليم الأسرى واستعراض القوى الذي قدمته الفصائل في رسالة كانت واضحة ومفهومة بالنسبة للجانب الإسرائيلي.

وفي رسالة وجهها سبعة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي، ذكروا أنهم علموا مؤخرًا أن حماس والجهاد الإسلامي، لا يزال لديهما أكثر من 25,000 و5,000 مقاتل على التوالي داخل القطاع، وأن قدراتهم التسليحية في تصاعد، وأنهما على مدار الشهرين الماضيين، عملا على إعادة تنظيم صفوفهما منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار، حيث قاما بجمع القنابل غير المنفجرة في أنحاء غزة وأعادت استخدامها كعبوات ناسفة بدائية، وفق ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”.

ومنذ التاسع عشر من كانون الثاني/يناير الماضي وسعت حماس من حراكها بشأن تجنيد أكبر عدد ممكن من الأعضاء والعناصر القتالية، كما دعمت قدراتها التسليحية كذلك، وأجرت بعض الترتيبات في البيت الداخلي، حيث استبدلت القادة الذين قتلوا وعينت أخرين بدلا منهم، وفق ما نقلت الصحيفة الأمريكية عن أحد أعضاء كتائب القسام، رفض الكشف عن هويته.

أسباب لوجستية
في قراءته للمشهد أرجع الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي عدم رد فصائل المقاومة على استئناف الكيان المحتل للحرب مرة أخرى في قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين، رغم أعداد الضحايا المرتفع، إلى 5 أسباب لوجستية على رأسها حرص حماس على عدم الكشف مبكرًا عن الإمكانيات والقدرات والترتيبات الدفاعية لها داخل قطاع غزة، خصوصا في ظل وجود كثير من المسيّرات التي ترصد كامل المنطقة.

علاوة على رغبتها في اقتصاد الجهد والإمكانيات والموارد المحدودة التي لا تزال تمتلكها، وعدم هدرها ، وإرجاء استخدامها لحين تصاعد الأمور بالشكل الذي لا يمكن الصمت إزاءه، خاصة في ظل الحصار المطبق الذي أعاد المحتل فرضه على القطاع والذي يتطلب التريث قبل الإقدام على أي خطوة ودراستها بشكل جيد.

كما يرى الفلاحي أن محور نتساريم الذي أعاد جيش الاحتلال السيطرة عليه لن يحقق أي تقدم ميداني للمحتل، فالمنطقة المحيطة به باتت مكشوفة وخالية ولا تصلح للدفاع، وبالتالي فإن عملية التوغل إليها لا تعني شيئَا، إذ استطاع جيش الاحتلال طوال 471 يوما من القتال بناء منشآت على محور نتساريم وتوسيعه شمالا وجنوبا قبل انسحابه.

وبالمنطق ذاته يعتبر أن الوصول إلى شارع صلاح الدين وحتى إلى شارع الرشيد (البحر) ليس هدفا استراتيجيا للعمليات العسكرية الإسرائيلية، ولن يحقق سوى فصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وهو ما تحقق سابقًا ولن يضيف جديدًا، ولن يغير قواعد المعركة إذا ما عاودت المقاومة استئناف عملياتها مرة أخرى.

إبقاء الاتفاق على أجهزة التنفس
تعلم حماس جيدًا أن العمليات الإسرائيلية الأخيرة رغم وحشيتها تأت في سياق الضغط عليها لتقديم المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات، وأنها في حال انجرارها للرد المبكر فإن الأمور ستزداد تعقيدًا وتعطي بذلك الذريعة للإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو بمزيد من التصعيد ونسف اتفاق التهدئة رسميًا، بما يعمق من مأساة الغزيين، ويفتح صفحة جديدة من صفحات المعاناة التي تشكل ضغطًا كبيرًا على الحركة.

وعليه حاولت حماس وبقية الفصائل ضبط النفس  في اليومين الماضيين لأقصى درجة ممكنة، بما يٌبقي اتفاق وقف إطلاق النار على أجهزة التنفس قدر الإمكان، وعرقلة أي محاولة لنزعه من عليها بما يٌنهيه بالكلية، وهو ما تترجمه جهودها الدبلوماسية المبذولة على مدار الساعة منذ استئناف الغارات الإسرائيلية فجر الثلاثاء، حيث استمرار الجولات المكوكية لوفد الفصائل ما بين القاهرة والدوحة من أجل التوصل إلى اتفاق أو صيغة تعيد التهدئة للقطاع مرة أخرى.

وكان الناطق باسم حماس عبد اللطيف القانوع، قد أكد في تصريحات صحفية له أن المحادثات مستمرة مع الوسطاء بشأن وقف العدوان عن الشعب الفلسطيني في غزة، والعمل على إلزام الاحتلال بالاتفاق وإجباره بالتراجع عن مخططه، مشددًا على تمسك الحركة باتفاق وقف إطلاق النار والعمل مع الوسطاء على تجنيب الغزيين الحرب بشكل دائم وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة.

وتقدم حماس مرونة سياسية غير مسبوقة في التعاطي مع كافة المقترحات المقدمة لإعادة اتفاق التهدئة للحياة مرة أخرى، غير أن ذلك لا يعني التخلي عن الثوابت والمرتكزات، خاصة بعد افتضاح النوايا الخبيثة لبعض الخطط المقدمة، على رأسها مقترح مبعوث ترامب للمنطقة، ستيف ويتكوف، الرامي إلى تجريدها من ورقة الأسرى، السلاح الأبرز حاليًا في يد المقاومة.

الاحتفاظ بورقة الأسرى
في حالة دخول حماس اليوم على خط الحرب مرة أخرى، فإن حياة الأسرى المحتجزين لديها ستكون في خطر، وهي الورقة الأهم بحوزتها في الوقت الراهن، ومن ثم تحاول قدر الإمكان ابتلاع كل تلك الاستفزازت التي تمارسها دولة الاحتلال من أجل الإبقاء على تلك الورقة بما يمكن توظيفها كسلاح رادع لنتنياهو وحكومته لوقف الحرب في ظل الضغوط الداخلية التي تمارسها عائلات الأسرى ضد قرار استئناف العمليات في القطاع.

وطالما كان الأسرى لدى حماس بخير كلما زاد قلق الداخل الإسرائيلي والأمريكي معًا، إذ سيشكل ذلك تصعيدًا في مسارات الضغط على حكومتي نتنياهو وترامب، وهو ما بدا بالفعل حيث التظاهرات الحاشدة التي أغلقت شوارع تل أبيب وكبريات المدن الفلسطينية المحتلة، والتي وصلت إلى حد الاشتباك مع قوات الأمن واعتقال عدد من المحتجين.

ضبط النفس الذي تلتزم به المقاومة حاليًا إزاء ورقة الأسرى، يضع الرهائن وكأنهم في طائرة مختطفة، ملاحقة بالضربات والاستهدافات من كل جانب، وتحاول حماس بقيادتها لتلك الطائرة الوصول بهم إلى بر الأمان، وحمايتهم من مغامرة نتنياهو الرامية بطبيعة الحال إلى إنهاء تلك الورقة وتجريد المقاومة منها بأي طريقة كانت، وهذا هو مبعث القلق بالنسبة لعائلات الأسرى الذي بات في يقينهم أن المقاومة أحرص على حياة ذويهم من حكومة نتنياهو.

إجهاض مخطط التهجير
تعلم حماس وبقية الفصائل أن دخولها الحرب مرة أخرى وبنفس الوتيرة السابقة قبل الهدنة المنقلب عليها، سيمنح المحتل الفرصة للإجهاز على ما تبقى من مقومات حياة داخل القطاع، خاصة في ظل الدعم غير المسبوق الذي يتلقاه من إدارة ترامب وإنعاش القدرات التسليحية لجيش الاحتلال خلال الآونة الأخيرة بالأنواع المتقدمة من السلاح والتي كانت تتحفظ إدارة جو بايدن على إرسالها لتل أبيب سابقًا، والتي من بينها القنابل ذات القدرات التفجيرية الهائلة.

وبذا سيُمنح مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة زخمًا أكبر وحضورًا أكثر، هذا المقترح الذي يستند على فرضية أن القطاع ما عاد مؤهلا للحياة، وأن سبل البقاء فيه باتت معدومة أو على الأقل ضئيلة، وعليه لابد من إخراج سكانه لدول أخرى مجاورة ومنح الفرصة أمام جرافات الإعمار لتحويل القطاع إلى “ريفيرا الشرق الأوسط” على حد وصفه.

ورغم تفنيد المقترح المصري العربي لتلك الفرضية، بالتشديد على ضرورة إبقاء الغزيين داخل القطاع، ورفض تهجيرهم، قسريًا كان أو طواعية، بالاستناد إلى بعض الدراسات الفنية التي تؤكد إمكانية الإعمار مع بقاء الفلسطينيين، وفق خطة مدروسة بعناية للقيام بهذا الأمر، فإن معاودة الحرب مرة أخرى وبذات الشراسة قد تطيح بالمقاربة المصرية بشأن مقترح ترامب.

من هنا تجنبت حماس قدر استطاعتها منح مخطط التهجير العنصري قبلة الحياة بالرد المبكر على الاستفزازت الإسرائيلية والدخول في الحرب مرة أخرى بما يترتب عليه من قضاء على ما تبقى من مقومات الحياة في القطاع، وتحويله بشكل عملي إلى أرض محروقة، لا مكان فيها للعيش ولا للبقاء، بما يفسد أي خطط مستقبلية للإعمار تستند على بقاء الفلسطينيين داخل القطاع.

وفي الأخير يبقى الأمر مرهونا بتقييم حماس للمشهد بصورة إجمالية، وفق مقارباتها الأمنية والسياسية، وبحسب ما لديها من قدرات وإمكانيات، خاصة بعد الخسائر التي تعرضت لها طيلة أشهر الحرب الـ 15 والتي بطبيعة الحال تدفعها نحو إعادة قراءة الساحة بشكل أكثر دقة وعمقًا، وبما يجنب الغزيين فصلًا جديدًا من المعاناة، وعليه حين ارتأت المقاومة ضرورة الرد على الانتهاكات الإسرائيلية كرسالة تحذير مباشرة بأنها قادرة على استئناف المعركة، جاء الرد في التوقيت وبالطريقة المناسبة وفق ما تراه.

وهذا ما ذهب إليه الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، مايكل ميلشتاين، المتخصص في الشؤون الفلسطينية، الذي قال إن حماس ربما تحاول أولًا تقييم ما إذا كانت “إسرائيل” تخطط لشن هجوم طويل الأمد أو مجرد ضربة محدودة قبل أن ترد، مضيفًا في حديثه لـ”نيويورك تايمز”: “يريدون معرفة الاتجاه الذي ستسير فيه الأمور، إذا كان كل شيء سينتهي خلال ساعتين، فلن يرغبوا في إهدار ما تبقى لديهم من ذخيرة، ولكن إذا استمر الأمر لفترة طويلة، فسوف يردون. وهو ما حدث رأيناه يحدث بالفعل، حيث أعلنت القسام، ظهر الخميس، أنها قصفت تل أبيب برشقة صاروخية “ردًا على المجازر الصهيونية في حق المدنيين”.


المصدر: نون بوست | عماد عنان

آراء ومقالات