2025-03-26 01:52 م

عودة الحرب في غزة: مفاوضات التهدئة في مهب الريح؟

2025-03-22

برَّرت حكومة الاحتلال استئناف الحرب وهجماتها على قطاع غزة بأنها ردٌّ على رفض حركة حماس مقترحات تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، واستكمال تبادل الأسرى، مع تمسكها بمقترح ستيف ويتكوف.

وقد شهدت الأيام التي أعقبت انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة تحولات تفاوضية متسارعة، تخلَّلها تحرك أمريكي على مستويات عدة، بلغ ذروته في لقاء مباشر مع حركة حماس، ما أثار غضب الجانب الإسرائيلي، وأفضى إلى إقصاء المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون الأسرى من المشهد.

في المقابل، تصاعد التوتر مع ويتكوف، الذي رفع سقف مطالبه في مقترحه الأول، ليُشكل بذلك انقلابًا على اتفاق التهدئة، ما أعاد مسار المواجهة إلى الواجهة من جديد. تأتي هذه التطورات وسط معادلة تفاوضية شديدة التعقيد، تجد فيها المقاومة نفسها محاصرة في ظل تراجع نوعية أوراق القوة وهامش المناورة المتاح أمامها.

التفاوض تحت النار
مع استئناف القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن المفاوضات بشأن الأسرى الإسرائيليين ستُجرى “تحت النار”، متوعدًا بتصعيد العمليات العسكرية حتى تحقيق ما أسماه “أهداف الحرب”.

وأكد، في بيان مصور، أن “إسرائيل” مددت وقف إطلاق النار وأرسلت وفودًا وطرحت مقترحات بالتعاون مع الوسطاء لكن حماس رفضت جميع العروض، وفق زعمه، ما دفع حكومته إلى اتخاذ قرار باستئناف القتال المكثف، مشيرًا إلى أن الضغط العسكري “السبيل الوحيد لضمان إطلاق سراح مزيد من الرهائن”.

وعلى الرغم من هذا التصعيد، تؤكد حماس أنها لم تغلق باب التفاوض، لكنها ترفض أية مقترحات جديدة، مشددة على أن ثمة اتفاقًا موقَّعًا من جميع الأطراف يجب الالتزام به، لا سيما فيما يتعلق بتنفيذ المرحلة الثانية من التهدئة.

وعَدَّ المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحماس، طاهر النونو، أن استمرار العدوان الإسرائيلي يكشف نيات الاحتلال المبيَّتة لتعطيل الاتفاق وإعادة الحرب إلى الواجهة، مشيرًا إلى أن لو كان نتنياهو جادًا في التوصل إلى اتفاق، لكان بالإمكان إنجازه في خلال ساعات.

في ظل هذا المشهد، ما تزال قنوات الوساطة نشطة، على الرغم من أن استئناف القصف ألقى بظلاله على إمكانية إحراز تقدم في المفاوضات. وعلى الرغم من التصعيد العسكري، تؤكد مصادر إسرائيلية أنه ليس الهدف حربًا طويلة الأمد، بل الضغط على حماس لخفض سقف مطالبها.

في المقابل، ترى المقاومة أن “إسرائيل” تستخدم المفاوضات كغطاء لمواصلة العدوان، وأنه يجب أن يكون الالتزام بأية تفاهمات مشروطًا بوقف الحرب، لا بممارسة الضغط العسكري وسيلةً تفاوضية.

المقترحات الأمريكية والسجالات التفاوضية
في خلال مفاوضات الدوحة، قدَّم المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مقترحًا جديدًا لتمديد وقف إطلاق النار، يتضمن الإفراج عن عدد من المحتجزين الأحياء في غزة وتسليم بعض الجثامين، في نسخة معدلة من المقترح السابق.

كان التغيير الأبرز في هذا المقترح تقليل عدد الأسرى الذين ستفرج عنهم حماس في خلال الفترة الزمنية نفسها، إذ بدلاً من إطلاق 10 أسرى إسرائيليين في اليوم الأول، نصت النسخة الجديدة على إطلاق 5 أسرى إسرائيليين في خلال 10 أيام أو أكثر، إلى جانب تسليم عدد من الجثث.

كما منح المقترح واشنطن مزيدًا من الوقت للتفاوض على هدنة أطول، فاقترح استمرار التهدئة لمدة 50 يومًا، بدءًا من الأول من مارس/آذار وحتى 20 أبريل/نيسان.

وكشفت مصادر أمريكية أن المقترح يهدف إلى خلق “جسر تفاوضي” لإنهاء الحرب، لكنه لا يضمن نتائج نهائية، ووفقًا لموقع “أكسيوس”، فإن الوثيقة التي قدمها ويتكوف تحت عنوان “إطار عمل للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار” تضمنت تمديد المرحلة الأولى من التهدئة لمدة 50 يومًا إضافية، مقابل إطلاق سراح 5 محتجزين إسرائيليين وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين.

كما نصت على أن تبدأ حماس، في اليوم الأول من الاتفاق، بإطلاق سراح المحتجزين الخمسة، بينهم عيدان ألكسندر، الحامل للجنسية الأمريكية، لتلي ذلك مفاوضات حول وقف إطلاق النار الشامل وتبادل ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين. كذلك، تضمنت البنود إدخال مساعدات إنسانية وإغاثية، وفتح المجال أمام دخول منظمات الأمم المتحدة، والبدء في إعادة تأهيل البنية التحتية في غزة.

ضمَّنت “إسرائيل” ردها على المقترح مطالبة بزيادة عدد الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم إلى 11 شخصًا، وتسليم جثامين 16 محتجزًا لقوا مصرعهم في خلال الحرب، مقابل وقف إطلاق النار لمدة 40 يومًا.

ويمكن أن توافق على إثر الاستجابة لهذه المطالب حكومة الاحتلال على الدخول في مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار في خلال هذه الفترة، لكنها أصرت على آلية لضمان عدم وصول المساعدات إلى حماس، إلى جانب تلقِّي تقارير دقيقة حول الوضع الصحي للأسرى الإسرائيليين، خاصة الأحياء منهم.

في المقابل، قدمت حماس تعديلات جوهرية على المقترح، تضمنت خفض عدد الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم إلى شخص واحد فقط على قيد الحياة، بدلًا من خمسة.

كما طالبت بتغيير عنوان المقترح ليكون “آليات عمل لوقف دائم للحرب”، بدلاً من “إطار عمل للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار”، وعَدِّ اتفاق 17 يناير مرجعية أساسية للتفاوض، والذي يشمل ثلاث مراحل تتضمن التفاوض على وقف الحرب.

كذلك، اشترطت إعادة فتح المعابر قبل تسليم المحتجز الإسرائيلي والجثامين الأربعة، وأن تبدأ المفاوضات فور توقيع الاتفاق، إضافة إلى انسحاب “إسرائيل” من محور فيلادلفيا وفق ما نص عليه اتفاق يناير/كانون الثاني، وفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين العالقين في الخارج، فضلًا عن إزالة الحواجز العسكرية على شارع صلاح الدين لضمان التنقل بين شمالي القطاع ووسطه وجنوبيه.

مناورة حماس
في الأيام التي سبقت استئناف القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، وأمام تصاعد الضغوط على المقاومة الفلسطينية، لجأت حركة حماس إلى تنفيذ مناورة تفاوضية بدا أن نتائجها جاءت عكسية، إذ أثارت غضب المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بدلًا من تحقيق مكاسب تفاوضية.

جاءت هذه المناورة في أعقاب لقاءات مباشرة بين وفد حماس التفاوضي والمبعوث الأمريكي لشؤون الأسرى، آدم بولر، الذي طلب من الحركة إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي – الأمريكي عيدان ألكسندر، إلى جانب جثث أسرى آخرين من حملة الجنسية الأمريكية، مقابل إعادة فتح المعابر وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين وفقًا لمفتاح التبادل.

وفي 14 مارس/آذار الماضي، أعلنت حماس موافقتها على إطلاق سراح ألكسندر، إضافة إلى جثامين أربعة رهائن يحملون جنسية مزدوجة، في خطوة وصفها طاهر النونو بأنها موافقة على اقتراح تسلمته الحركة من الوسطاء.

سعت حماس، من خلال هذه الخطوة، إلى إحراج “إسرائيل” وتعريتها أمام الإدارة الأمريكية، عبر وضع تعنت الاحتلال في مواجهة الضغوط الأمريكية لإنهاء أزمة الأسرى من حملة الجنسية الأمريكية.

كما هدفت إلى فتح نافذة لتخفيف الضغوط عليها، من خلال استثمار الأولوية الأمريكية للإفراج عن مواطنيها، بما قد يساهم في تمديد التهدئة وإعادة فتح المعابر.

إضافةً إلى ذلك، كانت تسعى إلى الحصول على هامش تفاوضي أوسع، يسمح لها بإعادة التفاوض على السقف المرتفع الذي يتمسك به الاحتلال الإسرائيلي في ملف التبادل.

لكن هذه الخطوة أثارت ردود فعل غاضبة لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي، الذين عدوا أن اللقاءات المباشرة بين بولر وقيادة حماس تجاوزٌ للخطوط الحمراء، فيما بدا أن ويتكوف كان الأكثر انزعاجًا، خاصة أنه كان قد قدم مقترحًا جديدًا لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، وكان ينتظر ردًّا نهائيًّا من حماس.

عدَّ ويتكوف أن موقف حماس كانت “رهانًا سيئًا للغاية”، مطلقًا سيلًا من التهديدات للحركة، ومؤكدًا أن الولايات المتحدة سترد بالشكل المناسب إذا لم توافق حماس على مقترحه لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وفي بيان رسمي، ذكَّر المبعوث الأمريكي بتهديدات الرئيس دونالد ترامب، قائلًا: “على حماس إما أن تفرج عن الرهائن فورًا، وإما أن تدفع ثمنًا باهظًا”، متهمًا الحركة بتوظيف خطاب مرن في العلن، بينما تطرح في الكواليس مطالب غير واقعية.

تفاؤل حذر رغم ضجيج الصواريخ
رغم عودة زخم القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، تؤكد مصادر مصرية أن قنوات التواصل الدبلوماسي بين الوسطاء ما تزال نشطة، وترى المصادر المصرية أن الموافقة الأميركية على استئناف العدوان لا تعني بالضرورة استئناف القتال بشكل كامل، إذ يُنظر إلى الضربات الجوية الإسرائيلية على أنها أداة ضغط بحدود محسوبة، إذ تريد واشنطن تجنُّب الغرق في مواجهة طويلة الأمد.

مع ذلك، تسعى “إسرائيل” إلى استغلال هذا التصعيد لإعادة فرض قواعد اشتباك جديدة، مستندةً إلى ما تعدُّه استعادةً للردع. وفي ظل تعثر التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار، تترقب القاهرة تطورات الأوضاع خلال اليومين المقبلين، إذ ترى أن الرهان الإسرائيلي على تكثيف العمليات العسكرية – بعد فشل الحصار في الأيام الماضية – يهدف إلى دفع الفصائل الفلسطينية إلى تقديم تنازلات في أية جولة تفاوضية قادمة. 

لكن في المقابل، ثمة قلق إسرائيلي من الإفراط في القصف دون تحقيق أهداف واضحة، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية وردود فعل غير قابلة للاحتواء بسهولة، خاصةً مع تصاعد الانتقادات الداخلية في “إسرائيل” حول مستقبل العمليات العسكرية في غزة.

وفي السياق نفسه، كشفت “القناة 12″ الإسرائيلية أن الوسطاء أرسلوا لـ”إسرائيل” رسالة غير متوقعة مفادها أنهم متفائلون بإمكانية تحقيق تقدم قريب في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، على الرغم من تجدد القتال. 

وأضافت القناة أنه لا توجد في الوقت الراهن بعثة إسرائيلية في الدوحة أو القاهرة، لكن الوسطاء الذين يديرون المفاوضات يشيرون إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات قريبة لتمديد وقف إطلاق النار لفترة طويلة، وذلك وفقًا للمقترح الأمريكي.

وتقدِّر القناة العبرية أن هذه المستجدات قد تؤثر على وتيرة الهجمات الإسرائيلية، إذ يبدو أن التوغل البري الإسرائيلي في “محور نتساريم” جاء في سياق الضغط على حماس.

من جانب آخر، نقلت مصادر صحفية عربية عن مصدر مطلع في حركة حماس أن الاتصالات مع الوسطاء جارية بشكل مكثف لتجاوز الأزمة ووقف الحرب، مضيفًا أن الحركة تبحث حاليًّا اقتراحًا طرحه الوسطاء لاستئناف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

عقبات كبيرة في الطريق
إن ما يجري التفاوض عليه فعليًّا لا يتجاوز الحديث عن عودة الهدوء وفقًا لصيغة “تمديد المرحلة الأولى”، وذلك وفقًا لمحددات رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يرفض الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق أو الالتزام بأي من بنودها الأساسية.

ويشمل ذلك النقاط الأكثر جوهرية، مثل الانسحاب من محور فيلادلفيا الحدودي، واستكمال جدول الانسحاب من بقية أراضي قطاع غزة، إضافةً إلى الشرط الأساسي المتعلق بإنهاء الحرب بشكل كامل.

طرأت تعقيدات جديدة على مسار المفاوضات، إذ يتمسك الاحتلال باشتراطات سياسية وأمنية معقدة، أبرزها إبعاد حماس عن حكم قطاع غزة بالكامل، ونزع سلاحها وتفكيك بنيتها العسكرية. وتهدف “إسرائيل”، من خلال الجمع بين المفاوضات والضغط السياسي والابتزاز الإنساني، إلى انتزاع “نصر سياسي” يعوِّض فشلها العسكري في تحقيق أهدافها خلال أشهر الحرب.

قد يكون الحديث عن حكم حماس قابلًا للتجاوز عبر توافق فلسطيني داخلي على “الصيغة المصرية”، والتي لم تحظَ حتى الآن بدعم أمريكي رسمي، لكنها في الوقت نفسه لم تواجِه رفضًا مباشرًا، أما فيما يتعلق بخطة الإعمار المصرية، التي تحولت إلى مبادرة عربية بعد تبنِّيها مِن قبل القمة العربية، فقد أصبحت الركيزة الأساسية لأية معالجة مستقبلية للوضع في غزة، إذ يُنظر إليها على أنها المدخل الرئيسي لإعادة بناء القطاع.

لكن عنوان نزع السلاح يبقى العقدة الأصعب، إذ إن زيادة الضغط السياسي والإنساني، أو حتى استئناف العمليات العسكرية بكامل قوتها، لن ينجح في انتزاع تنازل جوهري من حماس أو أي فصيل مقاوم آخر فيما يتعلق بسلاح المقاومة.

وجود السلاح الفلسطيني مرتبط بوجود الاحتلال نفسه، ما يعني أن أي نقاش حول نزعه يظل غير واقعي دون تسوية سياسية شاملة، ولهذا السبب حاولت الخطة المصرية تفادي طرح هذه النقطة مباشرة، وربطتها بمعالجات استراتيجية أوسع للقضية الفلسطينية، وهي مقاربة أكثر واقعية قد تسمح بتجاوز التعقيدات الراهنة والمضي قدمًا في المفاوضات.

في هذا السياق، تجد المقاومة نفسها في وضع يضيق فيه هامش المناورة، مع فقدانها أبرز عوامل التأثير الإقليمي، إضافةً إلى الوقائع التي يفرضها الاحتلال في المنطقة، والدعم الأمريكي غير المحدود لـ”إسرائيل”، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، فقد حقق دونالد ترامب أقصى طموحات اليمين الصهيوني بالحديث العلني عن إمكانية تهجير سكان قطاع غزة.

وعلى الرغم من ذلك، ما تزال ورقة الأسرى تشكِّل المجال الوحيد الذي يمكن لحماس المناورة فيه، ما يجعل الاستجابة لمقترحات ويتكوف، التي تتضمن إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين في اليوم الأول من تمديد التهدئة، خيارًا صعبًا جدًّا. وعلى الأرجح، ستسعى حماس إلى تقليص عدد أسرى الاحتلال المفرج عنهم، مع رفع سقف مطالبها في مفاتيح التبادل، بحيث تحقِّق أفضل نتيجة ممكنة مقابل كل جندي إسرائيلي.

على الجانب الآخر، تبقى حسابات نتنياهو سياسية في المقام الأول، ما يعني أنه سيسعى إلى المماطلة قدر الإمكان، حتى في حال قبول المقاومة الفلسطينية بمقترح ويتكوف، إذ إنه من غير المرجَّح أن يسمح بعودة الهدوء قبل تمرير الموازنة في الكنيست الإسرائيلي بأغلبية مريحة، ما يعني أن التصعيد سيظل مستمرًا في الأسابيع المقبلة، حتى لو كان بمستوى متدحرج.
المصدر: نون بوست

آراء ومقالات