2024-06-27 09:06 م

طبول الحرب تقرع وصوتها يصم الاذان.. 

2024-06-17

بقلم: كمال خلف

 نشر حزب الله امس مقطعا مصورا مدته 9 دقائق و31 ثانية تحت عنوان “ما رجع به الهدهد”، وكان ما رجعت به طائرة الهدهد التابعة للمقاومة خطيرا لجهة التصوير الدقيق لمراكز حيوية واهداف مهمة في مدينة حيفا تشمل الميناء والمطار ومجمع الصناعات العسكرية رفائيل وحاويات المواد الكيمائية والوقود  ومنصات القبة الحديدية ومقلاع داوود في المدينة إضافة الى التجمعات السكنية في ” الكريوت”. المشاهد أحدثت ضجة في إسرائيل وسيل من التعليقات. وقرأ قادة إسرائيل رسالة المقاومة على النحو التالي ” اذا بدأت إسرائيل الحرب فان حزب الله سوف يوقع بها ضرارا عسكريا واقتصاديا كبيرا وسوف يكون الثمن باهظ”.
 الواضح ان حزب الله ومنذ أسابيع يخوض معركة ردع تهدف للجم إسرائيل عن الذهاب الى حرب مفتوحة وعدوان شامل على لبنان. ويستخدم الحزب لهذا الهدف أوراقه الرابحة عبر الكشف عن بعض ما عنده من قدرات. وقد كشف الحزب قبل أيام عن منظومة دفاع جوي عبر بيانات كشفت ان الحزب اطلق صواريخ “ارض جو” لطرد طائرات إسرائيلية حربية من سماء لبنان. في رسالة لإسرائيل تقول لا تراهنوا كثيرا على التفوق الجوي والقدرة على التدمير من الطائرات. ها هو اليوم يكشف ورقة أخرى ويرسل رسالة اكثر وضوحا عبر تصوير اهداف حيوية داخل مدن إسرائيل. تعرف إسرائيل ان تصوير هذه الأهداف بهذه الدقة يعني انها ستكون بحكم المدمرة اذا اندلعت الحرب. مشاهد “هدهد ” المقاومة تعكس كيف سيكون شكل المواجهة القادمة بين حزب الله وإسرائيل، وهي مواجهة اذا اندلعت ستكون مختلفة جذريا عن كل الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل منذ قيامها.
الردع هو المفهوم الذي قامت عليه إسرائيل منذ العام 1948 واستمرت بالبقاء من خلاله بحالة من التفوق وتحقيق الامن والاستقرار النسبي، وضمان استمرار الاحتلال، ولاحقا الجسر نحو التمدد باتجاه العمق العربي عبر اتفاقات تطبيع جماعية مجانية بلا مقابل. تصدع هذا المفهوم يعني ان الوجود في إسرائيل بات موضع تساؤل، وان تحولا على مستوى الإقليم آخذ بالتشكل يرتبط بشكل مباشر بموازين القوى ومراكز التأثير والاهم مستقبل الصراع وإدارة الإقليم، ونفوذ القوى الكبرى.
 تعليق زعيم المعارضة الإسرائيلية ” يائير لابيد ” على حرائق الشمال التي احدثتها صواريخ المقاومة كان بليغا ومصيبا، اذا قال “ما يحترق ليس الشمال بل الردع الإسرائيلي”. الردع الإسرائيلي لم يحترق في الشمال فحسب فقد تصدع يوم السابع من أكتوبر العام الماضي، وعبثا حاولت إسرائيل ترميمه بالقتل المفرط وارتكاب اعمال الإبادة الشنيعة التي اثارت اشمئزاز الرأي العام العالمي، وتدمير قطاع غزة على رؤوس العائلات. لكن أصيب الردع بشروخ إضافية  بعد رد ايران العسكري المباشر في ابريل نيسان الماضي بهجمات اضطرت إسرائيل الى ابتلاعها. كان رد ايران على جريمة إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق حدثا كاشفا لمستوى تآكل منظومة الردع الإسرائيلية على مستو الإقليم.
ويبقى السؤال الأهم في هذه اللحظة هل مشاهد الهدهد سوف تدفع نحو الحرب الشاملة ام تمنعها وتلجم إسرائيل؟
إسرائيل بحاجة ماسة لترميم الردع لأنه النظام الحيوي الذي تعيش من خلاله، ولا يمكن التعايش في ظل منظومة ردع متهالكة. ومن الصعب عليها ان تبتلع كم الإخفاقات التي مني بها الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية في المواجهة مع حزب الله في الشمال. عدا عن تهجير السكان واخلاء المناطق الذي فرضه الحزب. وصيد البط الذي مارسه على الجنود والضباط الإسرائيليين ما أدى الى فقدان الثقة لدى الجمهور الإسرائيلي وتنامي الشعور بتفوق حزب الله وان له اليد العليا داخل شمال فلسطين المحتلة.
لكن رغم ذلك فقرار الحرب الشاملة يخضع في إسرائيل والولايات المتحدة لمعادلة ” الرغبة والامكانية ” فهناك رغبة عارمة للقضاء على حزب الله، لكن قضية الإمكانات والقدرة تظل موضع شك في ضوء اكثر من ثمانية اشهر من الحرب في غزة بكل اخفاقاتها واستعصاء تحقيق أهدافها وكلفتها المادية والبشرية والعسكرية، فضلا عن الادانات الدولية، وقرارات مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الإنسانية والحقوقية الأممية وكلها تدين إسرائيل، مع حملة تعاطف شعبية غير مسبوقة مع الشعب الفلسطيني وغزة.
الواضح حتى الان ان الإدارة الامريكية ترفض الحرب المفتوحة على لبنان وتفضل الضغط السياسي ومنطق الابتزاز والمقايضة. ولا تستطيع إسرائيل الخروج لحرب مصيرية الظاهر انها لن تقف عند الحدود الشمالية بل ستشمل كل المنطقة بدون المشاركة الامريكية وليس فقط الضوء الأخضر. هذا يرجح ان إسرائيل تدفع الأمور الى حافة الهاوية دون الوقوع فيها.
تدرك الإدارة الامريكية خطورة اندلاع الحرب، وبعض اقطاب الإدارة تحدثوا عن احتمالات تدفق المقاتلين من دول محور المقاومة الى الجبهة في جنوب لبنان، وقد يكون هذا التوقع واقعيا، وربما ليس فقط من دول محور المقاومة اليمن العراق سورية ايران بل من كل انحاء العالم العربي والإسلامي، وهؤلاء المقاتلين لن يقفوا على الحدود، بل سيندفعون بمئات الآلاف داخل مدن فلسطين المحتلة وعندها ستكون معركة النهاية وام المعارك والحرب الأخيرة. وعلى إسرائيل حينها مواجهة ” طوفان اقصى ” جديد لكن بحجم الامة وفي عموم المدن والمستوطنات وليس في غلاف غزة فقط.
احد السيناريوهات الواردة قد يكون تخطيط إسرائيل لعملية انتقام من لبنان دون مستوى الحرب الشاملة، أي تنفيذ عملية واسعة تشمل التدمير وضرب اهداف حيوية داخل لبنان، لكن سرعان ما تفرملها الولايات المتحدة عند حدود معينة، وتكون إسرائيل قد ارضت جمهور المتطرفين، ولم تدفع ثمن حرب شاملة. هذا السيناريو ان كان قادة إسرائيل يفكرون به، فهم يغامرون مغامرة كبيرة، لان ان اخذوا قرار بدء الحرب فلن يكون بيدهم قرار نهايتها.
يبقى المفتاح في غزة، وقف الحرب على شعبنا في غزة ووقف القتل، وانسحاب إسرائيل من القطاع، هو الطريق الوحيد لوقف التصعيد في عموم المنطقة، وعلى الإدارة الامريكية ان توفر جهدها ورحلات مبعوثيها بين بيروت وتل ابيب، وان تجر نتنياهو من اذنيه الى اتفاق وقف الحرب.
كاتب واعلامي

المصدر/ رأي اليوم