2024-11-30 06:34 م

فجور الفيتو وفجور العدوان

بقلم: اسيا العتروس
 كم كان الراحل كلوفيس مقصود محقا عندما وصف الفيتو الامريكي بالفجور الذي يغطي على العدوان.. والحقيقة اننا نقف اليوم شهودا عاجزين امام ما بلغه فجور الفيتو الامريكي من انصياع الى حد المشاركة العلنية في جريمة القرن التي تقترف تحت انظار عالم لم يعد شيء يحركه حتى دفاعا عن بقية من ماء الوجه او بقية من قيم انسانية كان و لا يزال يدعي انه حارسها و الامين عليها قبل ان ينحصر دوره في استعراض حصيلة الضحايا الفلسطينيين بعد كل هجوم الاحتلال على اهالي القطاع الذين لم يعد امامهم مكان امن يلجأون اليه …
المخاوف اليوم مع استمرار العدوان لليوم 152 لم تعد تقف عند لعبة الارقام التي تواصل الارتفاع ساعة بعد ساعة , المخاوف اليوم من الصدمة القادمة وما سيكتشفه العالم من فظاعات عندما يزاح الركام و يتم اخراج اشلاء الجثث و الضحايا الذين فقدوا الحياة بعد طول انتظار فماتوا عطشا او جوعا لان ايدي المسعقين لم تتوصل اليهم ا منعت من الوصول اليهم …
اكثر من معركة يخوضها الفلسطينيون اليوم على ارض غزة في مواجهة ابشع انواع الاحتلال و اخطرها معركة الوجود في مواجهة عملية الابادة الجماعية بكل انواع السلاح و ما اكثره لدى الاحتلال من قصف او تجويع او حرمان من العلاج ..و لاشك ايضا ان في المعركة التي اعلنها الاحتلال ضد الانروا هي المحطة قبل الاخيرة قبل قبر القضية الفلسطينية ..فليس سرا ان الاوروا كانت و لا تزال منذ اكثر من سبعة عقود ملاذا للفلسطينيين في فلسطين المحتلة كما في الشتات و هي تبقى من المنظمات الدولية التي لا يمكن التفريط فيها طالما بقي الصراع قائما و هي بالتالي عنوان لحق العودة و للقرار 194 الذي اقرته الامم المتحدة و الذي تريد اسرائيل استغلال الحرب الراهنة للتخلص من قيوده و تبعاته القانونية و بالتالي اعلان نهاية دور الاونروا بكل الطرق المتاحة حتى و ان كان ذلك بافتعال الاتهامات التي فشلت في تقديم أي قرائن بشأنها و اقحام الانروا في عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر الماضي و تأليب الدول المانحة و دفعها الى ايقاف مساعداتها للوكالة …و قد امكن لكيان الاحتلال ان يحظى بدعم عدد من الحلفاء في هذا الاتجاه حيث اوقفت احد دولة هذه المساعدات قبل حتى ان يتوفر لديها أي دليل على ادانة الاونروا …و قناعتنا انه لا وجود لاي ادلة او قرائن يمكن ان تدين الاونروا و لكن الثابت ان كيان الاحتلال يعتبر ان في وجود المنظمة عائقا لمخططاته و تحديا لمشروعه الاستيطاني و مساعي الحكومات المتعاقبة في تسفير الفلسطينيين و مصادرة ما بقي من الارض لاقامة حلم الاباء المؤسسين لاسرائيل الكبرى ..
لا خلاف ان في استهداف وجود الانروا استهداف للوجود الفلسطيني , ومن هنا اصرار جيش الاحتلال على استهداف وتدمير كل ما له صله بالاونروا و تحديدا المدارس والجامعات و مراكز البحوث و اغتيال الباحثين والعلماء والاكاديميين و رؤساء الجامعات …احدث الاحصائيات و هي ليست نهائية تؤكد اغتيال خمس مائة طالب من مختلف الاختصاصات في جامعات غزة و مائة من العلماء و الاكاديميين و الباحثين و ثلاثة رؤساء جامعات فضلا عن حرمان اكثر من ثمانين الف طالب من جامعي من التعليم كل ذلك طبعا دون ان ننسى جيش الاعلاميين الذين استهدفوا في الحرب لمنع كشف و فضح هذه الجرائم امام الراي العام الدولي …
العدوان المستمر في غزة اعلن منذ اليوم الاول استهداف العقل الفلسطيني و استهداف كل ما يتعلق بالعملية التربوية من اول محطة الى اخر محطة فيها و في ذلك ايضا اصرار على نسف و الغاء الذاكرة و الهوية الفلسطينية التي تمكنت من الصمود بعد النكبة و النكسة بفضل المعرفة و بفضل ما يتمتع به الطفل الفلسطيني من قدرة رهيبة رغم قساوة و بشاعة الاحتلال على الحفظ و التعلم و التفوق كما تشير الى ذلك مختلف تقارير التنمية البشرية الاممية التي تكشف عن ارادة فلسطينية استثنائية في الاقبال على التعليم و في كسر كل القيود من اجل معانقة الافضل و هذا طبعا ما يريده الاحتلال الذي يعتبر ان تعليم الفلسطينيين خطر على وجوده و تهديد له على المدى القريب او البعيد …
و قد جاءت عملية طوفان الاقصى لتؤكد للاحتلال انه رغم الحصار الجائر و رغم كل القيود التي فرضت على غزة واهلها و جعلتها تعيش في سجن مفتوح طوال ستة عشرة عاما فقد امكان للمقاومة ان تبني لها عتادا وتطور سلاحا و تقيم لها انفاقا عجز عن تدميرها جيش الاحتلال و الوصول الى قياداتها رغم كل ما يتوفر له من عتاد عسكري و اسلحة ذكية وقد فشلت الاستخبارات الاسرائيلية و معها كل الاستخبارات العالمية في توقع ما حدث او استباق صدمة طوفان الاقصى التي استهدفت الاحتلال برا و بحرا و جوا على حين غرة و جعلت قوى العالم من حلفاء الاحتلال تجتمع لاعلان الحرب على فصيل مسلح انتصر عليها في السابع من اكتوبر الماضي ووجه لكل الاجهزة الاستخباراتية والامنية العابرة للحدود صفعة لا يمكن ان تنساها ومن هنا هذا الاصرار على مواصلة العملية الانتقامية المتوحشة ضد كل اهالي القطاع من رضع و اطفال و نساء و مرضى و ضد كل ما يؤسس للحياة في غزة ومن ذلك ايضا الاصرار على رفض السماح لعبور المساعدات الانسانية و استهداف الجوعى بعد عمليات اسقاط المساعدات المهينة في رحلة البحث عن الحنطة او ما توفر من طعام بعد ان بات الاهالي يقتاتون من الاعشاب ان توفرت او اعلاف الحيوانات التي صنعوا منها الخبز لاطعام اطفالهم و رد صرخاتهم ..و في ذلك وجب الاعتراف محاولة لكسر انسانية الانسان الفلسطيني و تحطيم معنواياته و اذلاله و الدوس على كرامته حتى يبلغ به الامر الى الموت جوعا او اعلان غضبه و تمرده على المقاومة و دفعه ربما الى كشف مواقعها و هذا ما كان الاحتلال يتطلع اليه و لكن حتى هذه المرحلة فان هذا لم يحدث و لعله لن يحدث بل يمكن القول ان المقاومة في حماية اهالي غزة الذين يمنحونها الامان و الحماية التي تحتاجها رغم كل جرائم الاحتلال …
كاتبة تونسية