2024-11-30 07:39 ص

فوضى(الربيع العربي) تطبيق للجيل الرابع للحرب

2021-03-02
بقلم: ابراهيم أبراش 
بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على بداية ما تواترت وسائل الإعلام على نعته بـ (_الربيع العربي) إلا أن فوضاه ما زالت مستمرة في تونس ومصر حيث كانت البداية والمراهنات الواعدة والتدخل الخارجي محدوداً، إلى اليمن وليبيا وسوريا حيث التدخل الخارجي الفج والمفضوح، كما أن الجدل والنقاش ما زال محتدماً ما إن كان ما يجري ثورات شعبية و ربيعاً عربياً أم مخططاً يندرج في سياق (الفوضى الخلاقة أو البناءة Creative Chaos)‏) التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس منذ 2005 في سياق مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد؟. لا نقلل من دوافع التحركات الشعبية في أيامها الأولى ولا في الأحزاب والقوى الوطنية التي شاركت فيها، كما لا نقلل من حجم المعاناة بسبب ممارسات أنظمة مستبِدة والحاجة الملحة للتغيير، إلا أن حجم وسرعة التدخل الغربي في مجرى الثورات العربية يؤكد أن الغرب لم يكن بعيداً عما يجري سواء من خلال التخطيط المُسبق موظِفاً شعار دمقرطة الشرق الأوسط ونشر الحريات وصناعة شرق أوسط جديد الخ، أو التدخل اللاحق كما جرى في ليبيا حيث قامت طائرات حلف الأطلسي باستهداف الجيش الليبي والرئيس القذافي مباشرة، أيضاُ من خلال تحريك الجماعات والدول التابعة للغرب كجماعات الإسلام السياسي وخصوصاً الإخوان المسلمين الذين كانوا يراقبون الوضع ويديرونه في البداية من مواقعهم ومراكزهم القيادية في عواصم الغرب، ومن بعض دول الخليج العربي وتركيا التي قدمت كل التسهيلات اللوجستية بالإضافة إلى تدخلها العسكري المباشر في سوريا والعراق وليبيا. هذا التدخل الخارجي الفج اعترف به رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني في برنامج "الحقيقة" في تلفزيون قطر في أكتوبر 2017 حين اعترف أنه وفي السنوات الأولى للأحداث تم انفاق أكثر من 13 مليار دولار لإسقاط نظام الاسد ودعم المعارضة في ليبيا واليمن، وعن التدخل في سوريا تحديداً قال : " أي شيء يذهب إلى سوريا كان يتم عبر تركيا ويُنسَّق مع القوّات الأميركية وكان توزيع كل شيء يتمّ عن طريق القوات الأميركية والأتراك ونحن والأخوان في السعودية، كلهم موجودون عسكرياً في سوريا". ربما يقول قائل كيف يُعقل أن هذا التحالف الكبير الذي تقوده أمريكا وهذه المليارات التي أنفِقت لم تستطع اسقاط نظام الأسد وتنهي الحروب المتواصلة حتى اليوم في اليمن وليبيا والعراق بحيث تستلم قوى المعارضة الديمقراطية المدعومة غربياً زمام الأمور؟ وهل استمرار الحروب الأهلية يعني فشل الغرب وحلفائه في تحقيق أهدافهم؟ وهل هناك فعلاً نظرية تسمى الفوضى الخلاقة؟. نفس التساؤلات يمكن استحضارها عندما قامت قوات التحالف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في بداية 1991 بحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وتم آنذاك تدمير الجزء الأكبر من الجيش العراقي وكان في استطاعة التحالف الاستمرار بالحرب واسقاط نظام صدام حسين ولكنه لم يفعل، وحتى بعد احتلال العراق 2003 وانهاء حكم صدام حسين استمرت الفوضى والحرب الأهلية إلى اليوم؟. ولا يخرج عن هذا السياق ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث قام جيش الاحتلال الصهيوني بحصار قطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس عليه في يونيو 2007 كما شنت ثلاثة حروب مدمرة على القطاع دون أن يصل الأمر لإعادة احتلال قطاع غزة وانهاء سلطة حماس ولا مساعدة السلطة على استعادة القطاع؟. أيضاً استمرار النزاع مع إيران دون الدخول في حرب مباشرة معها. فهل كل هذا يعني فشل أمريكا والغرب وإسرائيل في تحقيق أهدافهم؟ أم أن هناك قراءة أخرى لكل ما يجري ملخصها أن استمرار الحروب الأهلية وحالة الفوضى والانقسام الفلسطيني وتجزئة دول المنطقة كان الهدف الرئيس لأمريكا وتحالف الثورات المضادة ؟ وبالتالي فإن أمريكا وحلفاءها لم يفشلوا بل يحققون أهدافهم كما خططوا لها . في محاولة لفهم ما يجري في المنطقة العربية وما سيكون عليه الحال في عهد الرئيس جو بايدن الذي يبدو أنه سيُحيي ويجدد سياسة الفوضى الخلاقة، يجب معرفة ما طرأ على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في العقود الأخيرة حيث تم اعتماد ما يسمى (الجيل الرابع من الحروب (Fourth-generation warfare. وذلك بعد صدور كتاب بهذا الاسم عام 1989 للمؤلف الأمريكي وليام ليند William S. Lind ، ومن بعده شاع المصطلح وتعددت الكتابات عنه، ويمكن تعريف هذه الحرب بأنها تجاوز للأشكال أو الأجيال الثلاثة السابقة للحروب إلى نوع جديد تتميز بأنها حروب بالإكراه تهدف إلى إفشال الدولة القومية المستهدفة وزعزعة استقرارها وإفقادها سيطرتها شبه الكاملة على القوات العسكرية وعودة أنماط الصراعات التقليدية من طائفية ومذهبية وقبلية، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الامريكية، وفي هذا الواقع الجديد يصبح المواطنون مرتزقة عند عدوهم أي أمريكا أو من يدير هذه الحرب. كان البروفسور “ماكس مانوارينج” MaxG.Manwaring أستاذ و باحث في الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات الاستراتيجية والعسكرية التابع للجيش الأمريكي أهم من تحدث عن هذا النوع من الحروب وكانت غالبية محاضراته مغلفة وقاصرة على القيادات العسكرية والأمنية الأمريكية والإسرائيلية ، إلا أن مضامينها تم تسريبها ومنها المحاضرة التي ألقاها في إسرائيل في الأول من ديسمبر 2018 أمام عدد من كبار الضباط من حلف الناتو والجيش الصهيوني، حيث وضح أهداف الجيل الرابع من الحرب وملخصها كما قال “ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو الإنهاك، التآكل البطيء، لكن بثبات..!فهدفنا هو إرغام العدو على الرضوخ لإرادتنا... الهدف زعزعة الاستقرار، وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة، وهنا نستطيع التحكم، وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو" . أما لماذا لا يتم الانهيار السريع بدل التآكل الهادئ والبطيء؟ لأن التآكل البطيء يعني خراب متدرج للمدن، وتحويل الناس الى قطعان هائمة وشل قدرة البلد العدو على تلبية الحاجات الاساسية، بل تحويل نقص هذه الحاجات الى وجه ا