2024-11-25 08:46 م

3 مشاريع إسرائيلية تخشاها مصر.. هكذا تتحرك إسرائيل ضد قناة السويس

2020-12-25
إثر النكبة الفلسطينية عام 1948 وتشريد مئات آلاف الفلسطينيين أعلن عن قيام إسرائيل، ورغم تحصيلها اعترافًا أمريكيًا وسوفيتيًا ودوليًا فإنها عانت صداعًا دائمًا سبّبته لها قناة السويس، المعبر المائي الفريد والاستراتيجي في مصر. إذ منعت مصر السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل من المرور من القناة لسنوات طويلة حتى توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية-المصرية عام 1978.

أغلقت مصر القناة عام 1967، وواجهت إيران، المزود الأكبر لإسرائيل بالنفط آنذاك، صعوبات في نقل صادراتها إلى أوروبا. وكان البديل وقتها لتجنب عبور القناة هو إنشاء خط أنابيب سري، يربط بين ميناء إيلات في خليج العقبة وحتى ميناء عسقلان المُطل على البحر المتوسط، ومن هناك لأوروبا.

ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 انتهى المشروع السري مع إسرائيل، ولكن الخط النفطي القديم يعود اليوم للواجهة بمهام أكبر، لسبب بسيط: هذا البديل كلفته أقل من المرور بقناة السويس، وبه يمكن للنفط العربي أن يمرّ عبر الأراضي الإسرائيلية متجاهلًا الممر المصري الاستراتيجي بالكامل.

في هذا التقرير نستعرض مشاريع تحاول إسرائيل الترويج لها، يمكن بعد قيامها أن تقوّض الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لقناة السويس.

ما هو حجم التهديد الذي تواجهه قناة السويس؟
بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل بواشنطن، كشف موقع «جلوبس» الإسرائيلي أن إسرائيل طلبت في اجتماعات سرية مساعدة الإمارات لإحياء مشروع خط «إيلات –عسقلان».

وذلك عبر إقناع السعودية بإنشاء خط أنابيب بري وبحري يربط مصافي البترول في مدينة ينبع السعودية بميناء إيلات الإسرائيلي، ثم يُنقل النفط إلى أوروبا عبر الخط الإسرائيلي دون المرور بقناة السويس. ثم جاء إعلان شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية «إي أيه بي سي»، عن توقيعها مذكرة تفاهم مع شركة طاقة إماراتية لتمرير النفط من الأسواق الخليجية لإسرائيل، ومنها لأوروبا.

حاليًّا، تمر ناقلات النفط الخليجية المتجهة إلى الغرب من مضيق هرمز بالخليج العربي، ومنها إلى مضيق باب المندب (جنوب البحر الأحمر)، وصولًا إلى قناة السويس، ومنها لأسواق أوروبا والأمريكتين.

وفي حال طبّق المقترح الإسرائيلي ستختفي قناة السويس من المعادلة. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لخط «إيلات – عسقلان» حوالي 600 ألف برميل يوميًا.

وقد نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مُطلع على الصفقة أن كلفة المشروع تبلغ 700-800 مليون دولار، ومن المقرر أن تبدأ أولى الإمدادات مطلع عام 2021، في وقتٍ تواجه فيه قنوات السويس عزوف السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب أفريقيا، للحد من التكلفة المادية خاصة مع انخفاض أسعار النفط.

وقد صرّح الرئيس التنفيذي لشركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية لمجلة «فورين بوليسي» بأنّ عملية إحياء مشروع خط «إيلات –عسقلان» الذي يبلغ طوله 254 كم، يمكن أن تقضي على حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق عبر قناة السويس، خاصة أنّ الخطة المبدئية تقتضي أخذ 12-17% من حصة النفط الذي يعبر القناة، عدا عن تصعيد المنافسة لأن المشروع سيقدم خصومات كبيرة.

وتنقل المجلة مجددًا عن رئيس الشركة أنّ «كلفة العبور باتجاه واحد من قناة السويس تصل إلى 300-400 ألف دولار أمريكي، ما يسمح لإسرائيل بتقديم خصومات مهمة».

ولفهم الكلفة بشكل أفضل نصيغ المعادلة كالتالي: مرور حمولة ناقلتي نفط عبر خط إسرائيل، تساوي كلفة عبور ناقلة واحدة فقط عبر قناة السويس.

سوق الطاقة: مصر vs إسرائيل
لا يهدد خط «إيلات-عسقلان» قناة السويس وحدها، بل يهدد الخط المصري المعروف باسم «سوميد»، ويمتد الخط من خليج السويس إلى سيدي كرير على البحر المتوسط بالإسكندرية.

ويضخ الخط مليونين و500 ألف برميل يوميًا، ويمثّل بديلًا مصريًّا لقناة السويس لنقل النفط من منطقة الخليج العربي إلى أوروبا، ويضخّ الخط باتجاه واحد إلى أوروبا، ويتفوق عليه الخط الإسرائيلي إذ يسمح بالحركة في الاتجاهين.

ويمثل خط «إيلات- عسقلان» أهمية للدول الخليجية لكونه بديلًا استراتيجيًّا لمضيق باب المندب الذي يمر منه 22% من وقود العالم، وتهدد إيران مرارًا بإغلاقه. ولكن الخطر الحقيقي للخط في أن إسرائيل ستصبح المركز الإقليمي لتصدير الطاقة على حساب القاهرة، التي تسعى لأن تكون المركز والمحور لتبادلات الطاقة، وستخسر جزءًا من نفوذها مع تجاوز جيرانها في الخليج للقناة التي يصل عمرها إلى 150 عامًا.

منطقة الشرق
وفي أول تعليقٍ رسمي مصري على المشروع، صرّح رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، بأنّ المشروع الإماراتي الإسرائيلي يهدد قناة السويس.

وبحسب التقديرات المصرية الرسمية، فإن القناة تستحوذ على 66% من إجمالي كميات النفط الخام المنقول في المنطقة، والبالغة نحو 107 ملايين طن، ويحتمل أن يأخذ خط «إيلات-عسقلان» 55 مليون طن من حصة السويس، ما يعني أن الخط سيستحوذ على 51% من كميات النفط التي تعبر قناة السويس حاليًّا.

وفي السنوات الأربع الماضية خفَضت قناة السويس من رسومها، بمنح تخفيضات كبيرة، بنسب تتراوح بين 25-75%، لمواجهة المنافسة المشتدة من طرق الملاحة البديلة للقناة، ولزيادة الإيرادات المتأثرة سلبًا إثر انخفاض أسعار النفط.

خط «إيلات- عسقلان» ليس آخر الطموحات الإسرائيلية في تحييد قناة السويس. فصفقات التطبيع تحمل معها مشروعًا جديدًا لإحياء خطط السكك الحديدية، لنقل تجارة الشرق إلى الغرب عبر موانئ إسرائيل دون الحاجة لعبورها قناة السويس.

سكك حديد الحجاز.. هل تُشيد إسرائيل قناة سويس برية؟
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، خرج وزير الاستخبارات الإسرائيلي بتصريحٍ مثير خلال حوار صحافي أجراه معه موقع «إيلاف» السعودي، قال فيه: «نعمل على ربط الخليج العربي بميناء حيفا، وإعادة إحياء قطار الحجاز». وقد أعلنت إسرائيل عن هذه المبادرة قبل عام من التطبيع مع الإمارات ويبدو أنها اليوم أقرب للتطبيق.

مقطع ترويجي أنتجته السلطات الإسرائيلية لشرح المشروع. 

تهدف المبادرة إلى ربط البحر المتوسط بالخليج العربي، بمدّ سكك حديدية، لتصبح إسرائيل جسرًا لأوروبا، وتقترح المبادرة بناء مسارات برية تربط الخليج العربي بميناء حيفا، على نفس المسار التاريخي الذي كان عليه قطار الحجاز الذي شيده السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1908 بطول 1320 كم، والمعروف باسم خط «مرج بني عامر»، لكن ستضاف له خطوط جديدة داخل الأراضي السعودية، وأغلب دول الخليج.

والمشروع في الأصل يرمي إلى خلق طريق بديل للتجارة يتجاوز قناة السويس وكلفها، بالإضافة لتجنب المرور من مضيق هرمز الذي تُهدد إيران بإغلاقه عشية كل صراع إقليمي. ويتخطى المشروع أيضًا مضيق باب المندب وأخطاره الأمنية.

تستفيد إسرائيل من المشروع بجدوى اقتصادية قد تبلغ عام 2030 نحو 250 مليار دولار أمريكي، ما يمثل أربعة أضعاف الرقم الحالي الذي يمر عبر الموانئ الإسرائيلية، كما أنّ المشروع البري نفسه سينهض باقتصاديات الدول الثمانية المستهدفة وهي: الأردن والعراق، والكويت والسعودية والإمارات، والبحرين وعمان وقطر.

ومنذ اكتشتف إسرائيل الغاز في البحر المتوسط، وهي تستعد لطرح نفسها مركزًا للتجارة والطاقة إقليميًا، بإعادة تأهيل وبناء مطاراتها الجوية وموانئها البحرية، ودعوة الدول العربية لإحياء قطار الحجاز من جديد.

إضافة إلى التخطيط لنقل الغاز إلى أوروبا عبر قبرص واليونان ممثلًا في مشروع «إيست ميد»، الذي يهدد الخطط المصرية بالتحول إلى مركز للطاقة إقليميًا، وفي هذا المشروع ينحصر الدور المصري في استقبال الغاز الإسرائيلي عبر محطتي التسييل، وإعادته مرة أخرى إلى تل أبيب التي تتكفل بتصديره إلى دول الاتحاد الأوروبي.

الصين جزء من الصورة
يزيد من أهمية مشروع سكك حديد الحجاز أنه يقع على الخارطة الاستراتيجية لطريق الحرير الصيني، الذي يسعى لربط الصين ببقية دول العالم، بدعم إنشاء بنى تحتية ضخمة تشمل بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.

وفي العام الماضي، حصلت الصين على عقد حصري لتشغيل بوابة جديدة في ميناء حيفا الإسرائيلي لمدة 25 عامًا، بدءًا من 2021، وتأتي هذه الصفقة في إطار رؤية الصين التي سيخدمها ربط الخليج العربي بإسرائيل، لتمرير مشروعها الضخم.

وفي عام 2014، شرعت الصين في بناء محور «إيلات- أشدود» بتمويل بلغ خمس مليارات دولار، مقابل حصولها على حصة من الغاز الإسرائيلي في شرق المتوسط.

يبدأ المشروع من إيلات على البحر الأحمر جنوبًا، ويتجه حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط، بإنشاء طريق خلفي وتجهيز خط سكة حديد يبلغ طوله حوالى 300 كيلومتر، وهي الخطوة التي دفعت الحكومة المصرية للاستعانة بالاستشاري نفسه الذي نفّذ المشروع الإسرائيلي المُنافس، ليقدم خدماته في عملية توسعة قناة السويس الجديدة.

وقبل محاولات تشييد محور «إيلات- أشدود»، ودعوة الدول الخليجية لإحياء مشروع السكك الحديدية، كانت إسرائيل تحاول منذ التسعينيات تنفيذ مشروعها الخاص لربط البحر الميت بالبحر الأحمر بمساعدة الأردن، وهي الخُطوة التي لم تكتمل، لكنّ صفقة القرن أعادت طرحها من جديد.

«قناة البحرين».. فكرة إنشاء قناة سويس إسرائيلية موازية
في مؤتمر مدريد عام 1991، طرحت إسرائيل على الأردن مشروع «قناة البحرين»، الذي يستهدف ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وكلا الدولتين إسرائيل والأردن تطلان عليهما.

يحلم المشروع بضخّ 300 مليون كم مكعب سنويًا من مياه البحر الأحمر، لتحليتها في منشأة تقام في مدينة العقبة، جنوب الأردن، وستنتج محطة تحلية المياه 80 مليون متر مكعب سنويًّا من مياه الشرب للفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين، كما هو مُخطط لها، وستشتري إسرائيل ما يصل إلى 40 مليون متر مكعب منها على أن تبيع 33 مليون إلى السلطة الفلسطينية.

كشف الأردن وإسرائيل عن المشروع عام 2002، وفي 2013 وقعت الاتفاقية بين البلدين في واشنطن. وفي آخر مقترح قدمته إسرائيل، قدّرت كلفة القناة بملياري دولار أمريكي ستدفع على مدى 25 عامًا، يقدّم الأردن نصف المبلغ وإسرائيل النصف الآخر، مع تعهد الولايات المتحدة بمنح 100 مليون دولار، ومعها 160 مليونًا من الاتحاد الأوروبي، وأخيرًا تعهّدت اليابان بتوفير معدات تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار.

ورغم أنّ عمّان تنفي رسميًا الوصول إلى اتفاق محدد مع إسرائيل، حول مشروع «قناة البحرين» الذي تتفاوض عليه الحكومتان منذ خمس سنوات، إلا أنّ صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية ذكرت أن المناقصة في المشروع ستبدأ أواخر العام الحالي.

الخلاف بين الأردن وإسرائيل حول طبيعة المشروع، فتح الباب للقاهرة لتشكك في النوايا الإسرائيلية. فالأردن يرغب بإنشاء قناة أنبوبية لنقل المياه فقط، ولكن الرغبة الإسرائيلية أكبر وتشمل حفر ممر مائي، يمكن الاستفادة منه مستقبلا ومده إلى البحر المتوسط.

وهو ما يُهدد نظريًا قناة السويس بوجود ممر مائي بجوارها، ولكن خبراء إسرائيليين مثل عويد عيران، سفير إسرائيلي سابق في الأردن، يشككون بنجاح المشروع الإسرائيلي عمليًا في ربط البحرين، عدا عن سؤال الجدوى الاقتصادية أمام الكلف الضخمة للمشروع.

لا ضرر على إسرائيل حاليًا من تعثر مفاوضاتها مع الأردن بشأن «قناة البحرين»، وهي تعوّل على مشروع خط «إيلات –عسقلان»، إلى جانب سكك حديد الحجاز، وهما ما سيوفران لها، نظريًا حتى الآن، عائدًا اقتصاديًا بمرور التجارة إليها من أقصى الشرق باعتبارها ممرًا منافسًا لقناة السويس ويأخذ جزءًا كبيرًا من حصتها.



ساسة بوست