2024-11-30 06:42 م

دولة مواطنة ام دولة عشائر وقبائل وعائلات

2020-09-12
بقلم: حاتم استانبولي  
الكثيرون يتحدثون عن دولة المواطنة ضمن عدة مسميات أبرزها (الدولة المدنية أو دولة المؤسسات أو دولة القانون أو الدولة الديمقراطية)، وبغض النظر عن كل هذه التسميا؛ فإن مستلزمات وشروط تحقيق هذا الشعار يقوم على أساس سيادة القانون، وهذا يعني أن الجميع متساوون أمامه. هذا يضعنا أمام عنوان تفسير ماهية القانون (الدستور) الذي يحدد أن الدولة ومؤسساتها معيارها هو أن تقف على مسافة واحدة من كافة القوى الاجتماعية وتمثيلها السياسي، وتحكم الصراع فيما بينها باعتماد ناظم واحد هو القانون؛ معيار فعالية القانون يكون بتطبيقه الخلاق على الجميع، من خلال نظام قضائي مستقلًا عن المؤسسات التنفيذية للنظام السياسي وفوقه، كأداة لسلطة تنفيذ القانون لتعميق عدالة الدولة. تتطور صيغة الدولة من خلال إدراك القوى الاجتماعية لضرورتها وتتعمق عدالتها ارتباطًا بتطور الوعي العام أن الدولة هي الإطار الجامع لتلاقي مصالح جميع القوى الاجتماعية، هذه المصالح تتعزز وحدتها بمقدار ارتفاع مستوى قيم العدالة والمساواة والمشاركة في إطار النظام السياسي الذي عليه أن يعبر عن جوهر العقد الاجتماعي (الدستور). كما أن التنافس السياسي بين ممثلي القوى الاجتماعية يحدد على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.  تأسيس أحزاب على أساس الدين أو الجنس أو العرق العشيرة أو العائلة بتعارض مع أسس الديمقراطية؛ من حرية وعدالة ومشاركة، هذه الأسس لكي تعمل كمنظومة يجب أن تكون محصنة قانونيًا، أي أن كل القوانين قائمة على أساس تعميق هذه الجوانب ولا أحد فوق القانون. أما عن القضايا المصيرية، فإن جميعها خاضعة للإرادة الشعبية، أي الاستفتاء عليها. إن الحديث عن النظام السياسي يبدأ أولًا بصياغة قوانين للأحزاب، تقوم على أساس المواطنة؛ بعيدًا عن الدين والعرق والجنس والعشيرة والعائلة. القانون لكي يكتسب طابع العدالة الاجتماعية عليه أن يصاغ بطريقة عادلة؛ يؤمن التمثيل الحقيقي للقوى الاجتماعية، ويعكس ميزان القوى الاجتماعية الحقيقي. إن أية صياغة تتنافى مع معيار العدالة الاجتماعية والمشاركة وحرية التعبير، ستخلق بيئة للفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي (الأمثلة الملموسة القائمة في البلدان العربية أكبر دليل على ذلك). ثانيًا، البدء بإعادة بناء ثقافة جمعية، تقوم على أساس تعزيز المبادرات الشعبية، في المشاركة بحل الأزمات العامة وتعزيز دور المواطن في مسؤوليته الوطنية، أما عن السلطات، فيجب أن تقر بمسؤوليتها عن الوضع التي وصلت إليه أوطاننا، إذا كانت تريد مصالحة مع شعوبها وتبعد شبح الفوضى التي ستحرق الجميع، وتبدأ بإيجاد وسائل جديدة وأدوات جديدة لا تمت لمسببات الأزمات بصلة، وهنا تبرز أهمية التزاوج بين إيجابيات القديم والطاقات الكامنة في الجديد؛ المطلوبة لحل التعارض بينهما. في ظل معطيات الواقع القائم، فإن التعارضات بين متطلبات دولة القانون وبين دولة (العشيرة أو القبيلة أو العائلة)، يجب أن يحسم في لحظة ما من تطور الصراع لصالح دولة القانون. أما اذا كانت متطلبات استمرار النظام قائمة على أساس التوازن بين المصالح القبيلة، فإن هذا يدخل الدولة في تعارض بين بنيتها القبلية-العشائرية وبين متطلبات سيادة قانون الدولة الذي يقوض لمصلحة الفئات الأكثر نفوذًا في منظومة العشائر والعوائل، هذه الفئات التي من مصلحتها أن تعزز نفوذها في مؤسسات الدولة، بناء على التقاسم الوظيفي بين منظومة العشائر والعوائل، هذه المنظومة التي تستغل مؤسسات الدولة لتجييرها لمصلحة الفئات الأكثر نفوذًا فيها وتخلق حالة من التوتر بين الفئات الاجتماعية الأخرى في المجتمع،  نتيجة لحالة التهميش السياسي والاقتصادي، ومع تعمق نفوذ منظومة العشيرة والعائلة على حساب القانون؛ تتعمق الهوة بين الفئات الاجتماعية داخل العشيرة والعائلة من جهة، وبين مصلحة أفراد العشيرة وباقي القوى الاجتماعية من جهة أخرى، وبذات الوقت ترتفع وتيرة التعارض بين القوى الاجتماعية المهمشة، وبين منظومة الدولة ونظامها العشائري والعائلي ومؤسساته، هذا التعارض يؤسس  لحالة غياب العدالة الاجتماعية التي تؤدي لتآكل مفهوم الدولة. غياب  العدالة الاجتماعية يؤدي إلى وضع تصبح فيه الدولة أمام خيارين؛ إما أن تحسم خيار سيادة القانون على الجميع أو خيار سيادة العشيرة أو العائلة. عدم حسم هذا التعارض سيؤدي إلى تقويض أسس الدولة ويدع القوى الاجتماعية المتضررة من النظام العشائري والعائلي في حده الأدنى خارج إطار الفعل الايجابي (في الحالة البحرانية)، وفي حده الأقصى ممكن أن يصل إلى الانخراط الواعي أو غير الواعي في مشاريع تفتيت النسيج الاجتماعي، ويضعها في تناقض مع أسس الدولة في الحالة الليبية، وتصبح مصلحة العشيرة أعلى من مصلحة الدولة. أما الحل الأفضل والأنجح، فهو أن يحسم التعارض لمصلحة سيادة القانون، وهذا سيلاقي دعمًا من كافة القوى الاجتماعية التي ترى أن مصلحتها في سيادة القانون على الجميع، وبالرغم من لجوء بعض المتنفذين إلى حاضنة العشيرة لاستخدامها  للتغطية؛ من أجل الهروب من المحاسبة على تجاوزاتهم أو استخدام مؤسسات المجتمع المدني كإطار للضغط أو استخدام الإطار التشريعي أو مؤسسات الدولة لحل التعارض بين مصلحة النظام العشائري أو العائلي، وبين متطلبات سيادة القانون، سيؤدي إلى تعرية صيغة الدولة، وجعلها في مهب الريح لأي مستثمر في تفتيتها وإلغائها في الحالة (الأردنية). سيادة القانون هي مصلحة جماعية للجميع، وأي محاولات انتقائية لتعطيلها تعتبر تعميقا للأزمة المجتمعية. الوقوف ضد ممارسات قمع الحرية السياسية في التعبير عن الرأي هي في الجوهر وقوف ضد الفساد السياسي والاقتصادي. المطالبة بسيادة القانون تعني المطالبة بالانفراج السياسي وتوسيع إطار المشاركة وتعميق العدالة الاجتماعية التي هي النقيض للفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ المطالبة بسيادة القانون هي مطالبة شاملة، وليست انتقائية؛ القانون عليه أن يعمق مفاهيم الحرية والعدالة والمشاركة وأدواتها السياسية، هذه المفاهيم التي تتعارض مع مصلحة استخدام مفهوم العشيرة والعائلة  لاستثمارها في تغطية الفساد السياسي والاقتصادي. إن استخدام هذا السلاح هو خطر يحمل مفهوم التفتيت والتمييز ويفتح الباب في أية لحظة لحل التعارض خارج إطار القانون الذي يقوض السلم الإهلي. إن استخدام القانون؛ من أجل تصفية الحسابات، يؤدي لذات النتيجة ويعزز عدم الثقة بالأدوات القضائية. المظهر العام لمجتمعاتنا تحكمه العلاقات العشائرية والقبلية والعائلية وتتجلى مظاهرها بوتائر مختلفة؛ من حيث دور العشيرة أو القبيلة أو العائلة في النظام السياسي الذي يُطوع الدولة لمصلحة تداخل المصالح وتعارضها ويُخضع منظومة الدولة لمصلحة النظام السياسي القائم؛ إن كان قبلي أو عائلي أو حتى حزبي، حيث يلعب الحزب دور العشيرة أو القبيلة أو العائلة، حتى المعارضة وأحزابها تأثرت بهذا الواقع القائم، وأصبحت أحزابها تحكم علاقاتها الداخلية العلاقة العائلية أو القبلية أو العشائرية، وتراها تمارس ذات الأسس في التوريث أو في تقديس الفرد أو غياب الديمقراطية الداخلية، مما يؤدي إلى فقدان حيويتها ودورها، وتصبح مطالباتها بالديمقراطية وأسسها؛ عرضة للتشكيك كونها تعاني من عدم تطبيقها. هذه الحالة العامة التي تحكم مجتمعاتنا وأدواته في النظام والمعارضة، وإن تفاوتت في درجات تأثيرها وظروفها. إن إعادة إنتاج بناء المشروع الثقافي على أسس علمية واقعية تتعامل مع القيم الإنسانية كمعيار للإرث الثقافي الإنساني بشموليته هي مخرج من حالة البحث عن الدور الإنساني بين مفهوم عدالة الدولة والمفاهيم القبلية والعشائرية والعائلية وبين وظيفة الدولة ودور النظام.