بات من الواضح لكل المتابعين ، أن بدأ محكمة تركية محاكمة 20 مسؤولاً سعودياً "غيابياً " متهمين في قضية مقتل خاشقجي، وتأثير هذا التطور على مسار العلاقات التركية - السعودية ، في ظل المسار التصاعدي والتصعيدي في المنطقة بين النظامين السعودي والتركي،وخصوصاً في ظل توظيف الجانب التركي لملف مقتل خاشقجي سياسياً ،والهدف واضح للعيان ،وهو الضغط على النظام السعودي ،الذي بدأ بدوره يدخل بحرب سياسية ودعم عسكري معلن لأطراف عسكرية تعارض مشروع الهيمنة التركي على مناطق عدة في المنطقة ، ومن هنا يمكن قراءة أن هذه الملف وبهذا التوقيت بالتحديد بمجمله سيضع مسار العلاقات السعودية -التركية تحديداً على صفيح ساخن، فبعد ان أتضح بالفترة الاخيرة لجميع المتابعين أن مسار العلاقات التركية- السعودية قد بدأ باتخاذ منحنى سلبي ، وخصوصاً بعد الأزمة السعودية مع قطر ، واصطفاف تركيا "اردوغان " علناً مع قطر .
وهنا بالتحديد ،نقرأ، ان تداعيات مجمل ملفات الخلافات بين أنقرة والرياض والتي كان أخرها الملف الليبي ،ستنسف بالمطلق أي مؤشرات للتقارب بين أنقرة والرياض "بالمدى المتوسط "، والسبب يتلخص بوجود تجارب تاريخية "فاشلة" لكلا النظامين بعلاقات التقارب فيما بينهما فقد سبق ان لامست حالة التقارب بين "النظامين" حدوداً استراتيجية في التقارب "بمطلع عام 2011 تزامناً مع انطلاق ما يسمى بـ " الربيع العربي "، وقد كانت حينها توصف من قبل الاجنحة الإعلامية للنظامين بأنها انموذجاً اقليمياً نظراً لـ حالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض انها قد تؤسس لحلف اقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الملف المصري - السوري، وانفتاح شهية كلا النظامين ،للعب دور اللاعب الرئيسي بالأحداث الدائرة بكلا البلدين ،وهذا ما أفرز حينها حالة من الاستقطاب وفجر خلافات كبيرة بين النظامين، واليوم ،يبدو واضحاً ايضاً أن تداعيات اصطفاف تركيا إلى جانب قطر قد لا تمحى بسهولة، فاليوم مازالت تبرق الرياض إلى تركيا رسائل سريعة وتنتظر الرياض سماع رسالة علنية من أنقرة حول موقفها النهائي من ملف الأزمة القطرية - الخليجية وملف ليبيا، هذه الملفات بالتحديد قد تحمل بالمقبل من الأيام تطورات دراماتيكية بالعلاقة بين الرياض وانقرة.
وهنا وفي ذات السياق، فلا يمكن للنظام "التركي" في طبيعة الحال، أن يتبع نهج أقليمي جديد يؤسس لحاله اقليمية جديدة، كما يريدها النظام السعودي، فالنظام التركي بالنهاية هو نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة حالياً على مبدئ ملئ الفراغ وتوسيع النفوذ، وهذه الحقائق المذكوره سابقاً لايمكن لأي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الاقليم مؤخراً بشكل عام أن ينكرها، فهذه الحقائق بمجملها هي الأنتكاسة الأولى لأي مشروع لحلف سعودي - تركي، فالأتراك لايمكنهم بأي حال من الاحوال ان يكونوا شركاء للسعوديين، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية من القطريين والإيرانيين أقتصادياً و سياسياً، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال الدعم التركي اللامحدود لقطر وإيران اخيراً .
الأترك بدورهم لايريدوا أن يذهبوا بعيداً بملف فتح صراع مفتوح مع السعوديين ، مع أنهم يعلمون أن السعوديين بهذه المرحلة يعانون من أزمة أقليمية خانقة وحربهم السياسية والإعلامية على تركيا ،قد تكون صدى حقيقي لهذه الأزمات وقد ترتد نتائج هذه الحرب بشكل سلبي على السعوديين، ويعلم النظام البراغماتي التركي جيداً ان مادفع السعوديون للتقارب مع الاتراك بمراحل سابقة هو مصلحة مرحلية قد تنهار بأي فترة زمنية مقبلة، وتحالفات المصالح المرحلية هي تحالفات غير دائمة.
ختاماً،يمكن القول إنه وعلى الرغم من موقف النظام التركي الواضح للجميع بخصوص قضية ملف خاشقجي واصطفافه العلني بجانب القطريين والإيرانيين،وعدم تقديم أي تنازلات بخصوص الملف الليبي ، ومع كل هذا فما زال السعوديون ،يناورون ومن خلف الكواليس ،للوصول لأتفاق ما مع الأتراك ، يضمن لهم على الأقل أن يكون الأتراك بخانة المحيادين وليس بخانة أعداء النظام السعودي الجديد "نظام محمد بن سلمان "، فمازالت هناك خشية سعودية من ان تدفع براغماتية النظام التركي إلى ممارسة سياسة مزدوجه لاتخدم الأهداف والأجندات التي يحملها النظام السعودي الجديد، وما تحمله هذه الاهداف والأجندة من متغيرات خطرة ومغامرات جديدة قد تقلب الطاولة على الجميع بالمنطقة كل المنطقة، ومن هنا سننتظر القادم من الأيام وما يحمله من متغيرات جديدة بالمنطقة، لنستوضح التطورات المستقبلية لطبيعة العلاقات التركية -السعودية المستقبلية، وتأثير هذه العلاقات سواء أكانت ايجابية ام سلبية على مسار ملفات المنطقة بمجموعها.
*كاتب وناشط سياسي – الأردن
hesham.habeshan@yahoo.com