بقلم: فؤاد البطاينة
بداية وبين هلالين أقول (الوطن البديل ورقة تاريخية للقيادة الهاشمية يرفضها وعد بلفور في مساحته، فلا وطن بديل بموجبه في الأردن ولا مُلْك إلا لليهود بموجبه. الفتنة الأهلية الدامية خيار موجود على طاولة العدو، ليمر عبرها الاردنيون والفلسطينيون معاً للوطن البديل خارج الأردن. لننتبه العدو يده في الاردن طويلة والجهلاء فينا كثر. لا سلامة شخصية لأحد منا ولا سلامة لوطننا ولا إفشال لصفقة القرن إلا بالوعي وبوحدتنا كشعب واحد في وطن واحد أولاً ثم أولاً. إنه خيارنا للحياة والتحرير يراهنون على إفشاله ليمروا على أبداننا ).
يعمد الإعلام الصهيوني منذ تصاعد دخان صفقة التصفية إلى تنشيط الحديث عن الوطن البديل في الأردن. ويساعد الكثيرون منا عن جهل في نشر هذه الخدعة اللعينة في هذا الظرف الملعون. وعلينا أن نعي زيفها وخطورتها على الجميع. الوطن البديل في وعد بلفور وصك الإنتداب هو لمواطني فلسطين والأردن معاً، كمنطقة متكاملة الاستهداف. وما كان تَرْك الصهيونية لشرق الأردن آنذاك إلا كترْكِها للضفة الغربية وديعة تقتضيها المراحل. فسكان فلسطين والأردن على ضفتي النهر هم المطلوب لهم وطن بديل، والمسألة لا تعدو أكثر من تنفيذ مراحل استكمال احتلال منطقة الوعد يُرَحَّل خلالها السكان تباعا بالدفش والتجميع والدفش حتى الوصول للخط الصحراوي الذي ستُحَدَّد من عنده حدود الوطن البديل لسكان الأردن وفلسطين معاً.
. فكرة الوطن البديل في الأردن أو في جزء من فلسطين كانت فكرة للقيادة الهاشمية في البداية والنهاية، وليست للصهيونية. حيث كانت القيادة الهاشمية وما زالت تعلم بشمولية المشروع الصهيوني لفلسطين والأردن وبأنه يتناقض مع ديمومة حكمها، ولذلك كانت تسعى من وراء تعاونها ودعمها للمشروع الصهيوني إلى المشاركة الاستراتيجية مع الوكالة اليهودية منذ إنشاء الإمارة مقابل منحها مُلْكا من أراضي وعد بلفور ليكون وطناً بديلا تحكمه. وهو ما لا تقبله الصهيونية وما لا يشكل مكاناً للوطن البديل منطقيا كما سيلي.
وبهذا فقد كان تصور القيادة الهاشمية الخاطئ بأن ضم القسم المخصص للعرب في فلسطين للأردن واستيعاب فلسطينيي القسم الخاص بدولة اليهود فيه ليصبحوا مع الشرق اردنيين بهوية الدولة الجديدة أي هوية الملك، لا بهويتهم الوطنية، هو بمثابة انجاز “وطن بديل “، إلا أن هذا التصور الخاطئ الذي ينم عن استحواذ فكرة الوطن البديل على القيادة الهاشمية لا يتفق مع مفهوم الوطن البديل ً ولا مع تصور الوكالة اليهودية وبريطانيا اللتان تعتبران أن الهدف من هذا الضم ليس الوطن البديل لأن كامل فلسطين والأردن خاضعة لوعد بلفور كدولة يهودية، وأن الهدف الحقيقي من عملية الضم هو الحيلولة دون ترسيخ الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني في فلسطين أو الأردن وتذويب الهويتين، وتأمين مكان بديل كمحطة للفلسطينيين المهجرين. ولذلك أسهمتا بالإطاحة بالزعامة الفلسطينية الوطنية الممثلة أنذاك بالحاج أمين الحسيني كي لا تكون الدولة العربية في قرار التقسيم فلسطينية الهوية أو العنوان. وقد عبر آفي شلايم مؤرخ العائلة الهاشمية عن ذلك في الصفحة 26 من كتابه (أسد الأردن ) بما نصه ” لقد تواطأ COLLUDED البريطانيون مع الملك عبدالله في إجهاض ولادة دولة فلسطينية “.
بعد احتلال الضفة عام 67 ورفض اسرائيل إعادة شير منها للقيادة الهاشمية رغم عقدين من المفاوضات السرية للملك حسين، انحسرت طموحات القيادة الهاشمية وأدركت انحسار اعتماد اسرائيل عليها فازدادت مخاوف الملك. ونتيجة لذلك ازدادت وتعمقت عروضاته لمشاريع تنطوي على الوطن البديل للفلسطينيين فيها اقتسام للسيادة أو مشاركة بها في مناطق معينة، ورفضت إسرائيل أيضاً. إلا أنه قد سبق هذا ثم تزامن معه نهوض المقاومة الفلسطينية المؤثرة وتعزيز مكانة القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية كقضية احتلال، والاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على ترابه الوطني، مما أدى لتخوف إسرائيل وانحسار طموحاتها لفترة وجيزة فكرت فيها بالوطن البديل باسم الخيار الأردني ولو مرحلياً. فجاءت نتائج أحداث السبعين وخرجت المقاومة من الأردن كأوسع تماس جغرافي مع الاحتلال وانتهت قصة الوطن البديل نهائيا عند اسرائيل.
عندما أيقن الملك بأن إسرائيل لا تريد وطناً بديلا في الأردن وتتربص به في سياق الوعد، أصبح هاجسه هو الإحتفاظ بمُلك الأردن وحماية هذا المُلك بأي ثمن. وأمامي في هذا قرار فك الارتباط، ومعاهدة وادي عربة. ولعل فك الارتباط هو اللغز الأكبر في هذا السياق. فهل هو لخدمة هذا الهدف ؟ لا أعتقد بأنه سيخدمه وإن اعتقد الملك غير ذلك. فبصرف النظر عن عدم دستورية القرار وعدم دستورية الكروت الصفراء والخضراء ودائرة المتابعة والتفتيش، وبصرف النظر عن أثره التدميري الذي أفقد انطباق القرار 242 على الضفة وحق الأردن باسترجاعها، فإن عدم دسترة هذا القرار الاداري للآن يثير الشكوك ولا أجد تفسيراً لذلك سوى واحد من اثنين.
فإما للإبقاء على الطريق مفتوحة أمام سيناريوهات الوطن البديل وهذا اصبح مستحيلا عند اسرائيل، وإمّا أن مسألة فك الارتباط كلها جاءت بطلب أمريكي وبأن المقصود كان تسليم الضفة كأرض لإسرائيل لا كسكان لتهويدها وإبقاء الباب مفتوحا أمام إلغاء القرار واستعادة جنسية السكان في فترة لاحقة بجرة قلم ونقلهم على دفعات بسيناريو معين للمحطة الأردنية بعد أن تكون أرض الضفة قد هوِّدَت وضُمَّت. أما معاهدة وادي عربه فجاءت في صميم اهداف الملك للنجاة بمُلكه في الأردن. وبهذا ذكر شلايم صديق ومؤرخ العائلة الهاشمية في الصفحة 546 من كتابه ما نصه ” خدمت معاهدة السلام مصالح عائلة الملك….وببساطه فقد وقعها الملك لا لكي يعيد الاراضي وموارد المياه بل لحماية مملكته من الفلسطينيين، فقد قلب الطاولة عليهم وأكد موقف العائلة الهاشمية كحليف طبيعي لاسرائيل في المنطقة “. انتهى النص
وهنا من الضرورة بمكان أن يكون المفهوم السياسي لمصطلح الوطن البديل واضحاً للقيادة الهاشمية ولكل من يريد الحديث بالوطن البديل في الأردن، وأن يفرق بينه وبين المكان البديل للعيش. فالوطن البديل لا يتحقق بحجم السكان في دولة ما ولا بتأثيره الاقتصادي والإجتماعي. إنه أرض بديلة لشعب بديل يمارس فيها حقه السياسي في تقرير مصيره وإقامة دولته وسيادته وسلطته فيها لا سلطة غيره. بينما الأرض البديلة هي للعيش الدائم أو المؤقت وهي ذاتها الحالة المنطبقة على الأرض الأردنية المستهدفة بوعد بلفور كجزء من فلسطين وشعب فلسطين من وجهة نظر أصحاب المشروع الصهيوني على الأقل، وبهذا فلا مفهوم الوطن البديل ينطبق على واقعنا في الأردن، ولا من الممكن أن يتحقق وطن بديل للفلسطينيين في الأردن حاليا أو مستقبلاً فالأردن وفلسطين أرضا هما الوطن البديل لليهود.
ومن الواضح أن الشرق اردنيين ومنذ إنشاء الإمارة يُستهدفون بهويتهم الوطنية الملتصقة بالأرض وبكل الرموز الوطنية الموجودة في أية دولة على الأرض، ويُستهدفون بكل حقوقهم وخصائص الشعب. هم على ارضهم مجرد مقيمين أو مستأجرين في وطنهم قيد الترحيل شأنهم شأن الشعب الفلسطيني. ولا يمكن تفسير ذلك ألّا بكون الأردن وديعة وعد بلفور. وسيعيشون الحالة الفلسطينية ولكن من نقطة متقدمة ية. وعلى الشرق اردنيين أن يفهموها، إننا أمام سيرورة احتلال.
أقولها بكل ثقة ووضوح، هذا الوطن خلق بجناحين على ضفتي النهر. استهدافه واحد وهلاكه واحد ونجاته واحدة. لقد استجبنا لدسيسة الوطن البديل لعقود وكانت وحدها السبب في العزل الوطني وتفتيت وحدتنا حتى دخل علينا وعد بلفور. أمّا اليوم فإن تنشيط إشاعة هذه الدسيسة تأتي على خلفية نذبح فيها بعضنا البعض بجهلنا وبسطحيتنا، ونذبح فلسطين والأردن ليستكملوا الوعد بدمائنا. فلا خطاب ولا عمل اليوم يسمو أو يتقدم على إعادة وحدة الشعب، الشرق اردنيين لن يفعلوا شيئا بدون الغرب أردنيين والعكس صحيح. كفانا منفخة واستهتار بحق وطننا علينا، فلا يمكن أن يكون المكونان إلّا أمام خيارين، فإمَا مستخدمين بالهلاك ضد بعضهم لحساب العدو ومخططه، وإما متحدين متآخين شعبا واحدا في وطن واحد. وهو الكفيل يتغلبهم على أعتى قوة وإفشال الصفقة وكل مشاريعها وتعزيز موقف أشقائنا في الضفة والقطاع.. فالحيادية في الأردن لن يُسمح بها خيارا لأحد منا بتاتاً.
كاتب وباحث عربي
رأي اليوم