2024-11-30 09:31 ص

التحريض على حرب وقائية

2019-09-08
بقلم: تحسين الحلبي

إلى متى ستتحمل إسرائيل وجود جبهة الشمال الممتدة في جنوب لبنان وخط فصل القوات في الجولان وهي تراها تزداد قدرة عسكرية؟
هذا السؤال طرحه على نفسه الجنرال الإسرائيلي غيور آيلاند الذي كان مسؤولاً عن دائرة التخطيط في هيئة الأركان ورئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، وحاول الإجابة عليه في مقال للرأي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 5 أيلول الجاري.
آيلاند في معرض رده على السؤال السابق، دعا القيادة الإسرائيلية إلى القيام بتحريض من داخل لبنان ضد استمرار وجود أسلحة المقاومة اللبنانية، وذلك عن طريق إعلان رسمي إسرائيلي بأن «لبنان كل لبنان عدو» وليس المقاومة وحدها، وأضاف إنه بموجب هذا التحديد ستضع إسرائيل السياسة المناسبة التي يطالب أن تكون ضاغطة في مجال علاقات الدول مع لبنان.
يكشف آيلاند أن «على الولايات المتحدة إنذار لبنان بفرض أشد العقوبات عليه إذا لم يمنع استمرار المقاومة اللبنانية بتطوير قدراتها على دقة الإصابة لصواريخها»، ثم يطالب الحكومة الإسرائيلية بما هو بنظره أهم من ذلك وهو ما إذا كان على الحكومة الإسرائيلية القيام بالبدء بشن حرب مسبقة وقائية على لبنان، ويحدد للقيادة الإسرائيلية شن ما يسميه حرب متقدمة إذا لم ترغب في شن حرب مسبقة وقائية!
يعرّف آيلاند الحرب المتقدمة بأنها الحرب التي تشنها دولة ضد عدو تعرف أنه على وشك أن يبادر بعمليات هجومية خلال أيام، فتقوم هذه الدولة، أي إسرائيل، بشن حرب لتعطيل إجرائه المفتوح.
يحذر آيلاند من استمرار تزايد عدد صواريخ المقاومة المجهزة بتكنولوجيا دقة إصابة الأهداف، ومع ذلك يقترح خياراً آخر يقول فيه إنه يتمنى أن ينجح وهو «القيام بعمليات دقيقة سرية لتخريب مشروع تجهيز الصواريخ بهذه التكنولوجيا لكن ذلك يصعب ضمان نجاحه»، وبالنسبة إلى الجناح الثاني لجبهة الشمال وهو خط فصل القوات في الجولان المحتل يقول آيلاند: لقد عانت إسرائيل سنوات كثيرة من خطر العدد الكبير من الصواريخ السورية المجهزة برؤوس غير تقليدية واحتمال استخدام عشرات صواريخ سكود التي يمكن أن تصل إلى كل زاوية في إسرائيل، ولم ترتفع سوى أصوات قليلة داخل إسرائيل تطالب بعدم تحمل وجود هذا الخطر ولذلك كان المطلوب هو شن حرب إسرائيلية وقائية على سورية بصفتها الإجراء الصائب الذي يتعين القيام به، وينتقد آيلاند القيادة الإسرائيلية قائلاً: «لقد تجنبت إسرائيل اتخاذ مثل هذه الإجراءات ومعظم الرؤوس غير التقليدية وصواريخ سكود لم تعد موجودة، لكن هناك فرقاً بين هذا الخطر القديم وبين الخطر الجديد الذي يختمر في لبنان، ولذلك فهذه المسألة موجودة على الأرض وليست قائمة على المبدأ. وفي ختام دعوته هذه يقول آيلاند بطريقة السؤال: إذا أدركنا أننا لا نستطيع ضمان التخلص من الصواريخ الموجهة بتكنولوجيا دقة الإصابة بأي طريقة أخرى فهل ستكون الحرب الوقائية هي الطريقة الصحيحة للعمل؟
لكن السؤال الذي يمكن استخلاصه من طبيعة ظروف المجابهة على شمال فلسطين المحتلة هو هل يمكن لحرب آيلاند الوقائية عدم التحول إلى حرب طويلة ومتعددة الجبهات؟
يرى الكثيرون من القادة العسكريين في إسرائيل أن معضلة جبهة الشمال والعجز الإسرائيلي أمامها جعلها حالة مزمنة لم تنجح.
على الرغم من كل أشكال الحرب في التخلص منها ومن زيادة قدراتها وإنجازاتها ضد الجيش الإسرائيلي من اجتياح لبنان عام 1982 وما تلاه من هزائم لإسرائيل حتى عام 2006، يبدو أن وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس وهو الرجل الثاني بعد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حزب الليكود يدرك أن إسرائيل فقدت أوراقاً كثيرة من قدراتها على الهجوم وفي الدفاع وهذا ما يثبته وجود كل هذه الصواريخ في جبهة المقاومة في الشمال سواء في سورية أم جنوب لبنان منذ أكثر من عشر سنوات من دون أن تتجرأ إسرائيل على شن حرب شاملة يطلق عليها آيلاند «وقائية»، ولذلك قال الوزير كاتس في مقابلة قبل يومين مع التلفزيون الإسرائيلي إن إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، وألمح إلى ضرورة مشاركة قوات أميركية بحماية إسرائيل بشكل مباشر.
وهل تستطيع القيادة الإسرائيلية شن أي حرب محدودة أو شاملة أو شن غارات من دون موافقة مسبقة أميركية؟ بالطبع لا وهو نفسه أشار إلى هذه الحقيقة ضمنياً.
في النهاية هذا ما سوف يجعل اقتراح آيلاند مجرد وسيلة لإثارة الخوف عند النفوس الضعيفة والمستعدة لترويج أوهام إسرائيل بعد أن فقدت معظم عناصر قدرتها على «الردع».
الوطن السورية