2024-11-30 06:38 م

المنطقة على عتبة تغييرات كبرى... هل سنشهد هذا اليوم؟

2019-08-03
بقلم: سمير الفزاع
من قال بان الجغرافيا لا تشيخ كما الانسان وكما الزمن… رأس الرجاء الصالح، مَثّلَ فتحاً تاريخياً في حينه، فتضاعفت التجارة وتلاقح الثقافات والحضارات… تماماً كما فتح أبواباً واسعة لغزو واستعمار جديدين. إلا ان “راس صالح” شاب، وفقد الكثير من قيمته عندما شق مئات ألاف المصريين قناة السويس، الأمر الذي منح مصر نيلاً جديداً، وحضوراً استثنائياً، وحلق بـ”قيمتها” الجيوسياسية بعد هذه الإضافة النوعية الكبرى.


وزاد في ذات الوقت من عدد أعدائها، وشراستهم في السعي لامتلاكها والسيطرة عليها أو امتلاك قرارها والسيطرة عليه في الحدّ الأدنى. راس الرجاء الصالح، الطريق البحري الذي حظي بقيمة استثنائية حينه، اكتشف بفعل الخراب الذي كان يلحق بطريق الحرير جزئيّاً وكليّاً، وتنامي النزعة الإستعماريّة الغربيّة مستفيدة من عدة اختراعات واكتشافات علمية مكنتها من الإبحار بعيداً، والحاجة للأسواق ومصادر المواد الخام، وروح المغامرة… فجاءت قناة السويس لتختصر الخطوط البحرية الطويلة التي يقدمها رأس الرجاء الصالح، خصوصاً وقد نشأت امبراطوريات كبرى بحرية الطابع، تتماشى وآليات السيطرة ومصادر وطرق نقل وتوزيع وتبادل مفردات الثروة، وبناء الدولة الإمبراطورية… البحر. ولكن لم تكف العيون والآذان عن مراقبة دروب وممرات ومحطات… طريق الحرير.

اليوم، ومع عودة رنين أجراس إبل وبغال طريق الحرير مجدداً، بدأ صراخ الإمبراطوريات البحريّة الطابع –بريطانيا، أمريكا، فرنسا…- يعلو مهدداَ… و”راس صالح” يشيب أكثر وأكثر، والسويس بدأت تشعر بالهرم والتهديد المتزايد بفقدان القيمة الاستراتيجية الحاكمة التي كسبتها وأكسبتها لمصر، خصوصاً، وأن هناك بيئة متكاملة لنشؤ عالم جديد يُزاحم العالم القديم، ليكون مركز هذا العالم قريباً بكل تأكيد. لكن “شرايين” هذا العالم –أوراسيا وغرب آسيا- البرّ وطرقه وممراته لا البحار والمحيطات، وعنوانها الأبرز طريق الحرير (الحزام والطريق)، ما يعني تراجعاً في قيمة الممرات البحرية، ولكن ليس الإطلالات البحريّة المميزة، والتي سيكون لها دور مهم في بناء عالم الغد، مثل الخليج [الفارسي]، شرق المتوسط، البحر الأسود، قزوين.

والعنصر الرئيس الثاني في هذا العالم الجديد، أن نقل الطاقة من المنتجين للمستهلكين سيكون عبر شبكة جبارة من الأنابيب… ومن الأمثلة على هذا المكون ومخاطره على قوى العالم القديم، محاولة واشنطن –المتحكمة بأكبر نسبة من قرارات الطاقة في العالم- وعبر أوكرانيا تعطيل تشكل هذا العالم، ولكنها خسرت الرهان بأسرع مما توقعت بعد مدّ خط تحت البحر من روسيا إلى المانيا “نورث ستريم 2