بقلم: طلال سلمان
الاستعمار هو الاستعمار صريحاً ولو جاء بقناع "الشراكة"... فأية شراكة يمكن أن تقوم مع دولة كبرى تطمح للسيطرة على العالم، إن هي تمكنت، وبشكل خاص على المنطقة العربية وتقاسم مواردها من النفط والغاز مع العدو الإسرائيلي.
صفقة القرن.. وما ادراك ما صفقة القرن؟ إن شئت الاختصار فهي النتيجة المحقَّقة والمؤكدة لصفقات القرن الماضي، من وعد بلفور للحركة الصهيونية بقيادة هرتزل بتسليمها فلسطين ارضاً بلا اصحابها لتقيم فوقها وعلى حساب أهلها، "الوطن القومي" - اسرائيل - في فلسطين، لتكون ارض الميعاد وليخرج الفلسطينيون "إلى حيث ألقت رحلها ام قشعم"! ومن وعد بلفور إلى معاهدة سايكس - بيكو التي قضت بان يتقاسم المنتصران في الحرب العالمية الاولى، بريطانيا وفرنسا، بلاد المشرق العربي فيكون لبنان (مع تعديلات في حدود هذا "الكيان" / المتصرفية – آنذاك - بحيث تضم إليه اقضية الجنوب والبقاع والشمال مع العاصمة بيروت) من نصيب الاستعمار الفرنسي، وكذلك الأمر مع سوريا التي اقتطع منها البريطانيون الضفة الشرقية لنهر الاردن لتكون إمارة للشريف عبد الله ابن الشريف حسين قائد ما يسمى "الثورة العربية الكبرى" تمهيداً لما يدبر لفلسطين.. في حين يكون العراق عرشاً للملك فيصل الأول، الابن الثاني للشريف حسين، مع زرع بذور الفتنة بين السنة والشيعة للقضاء على ما عُرف بـ"ثورة العشرين"..
بعد ذلك سينتبه الاستعماريون إلى شبه الجزيرة العربية وانحاء الخليج العربي التي كانت تتوزعها بعض القبائل، فتم تحويلها إلى دول شتى: الكويت إمارة في البداية، وكان فيها البريطانيون مع تطلعات اميركية إلى النفط فيها...ثم امارة قطر التي كانت مهجعاً لقبيلة أو عشيرة من البدو، فصُيِّرت دولة لآل خليفة، كما جمعت المشيخات المحيطة بدبي التي كانت مركز التواصل مع إيران، ثم عبر الخليج فالمحيط مع الهند، لإقامة دولة الامارات العربية المتحدة بزعامة الشيخ شخبوط الذي لم يكن يعرف المصارف ولم يرد أن يتعرف عليها فكان يصر على قبض عائدات النفط المكتشف حديثاً فيضعها تحت فراشه.. وينام مطمئناً!
أما البحرين فكانت الجزيرة قاعدة للأسطول البريطاني، قبل أن يتم تعزيزه ببعض المدمرات الاميركية، مع تزكية دائمة للفتنة في هذه الجزيرة التي لا تبعد كثيراً عن حدود إيران، بين السنة والشيعة فيها. أما المملكة العربية السعودية التي اقيمت بحد السيف، تحت الرعاية البريطانية، فقد تقدمت اليها الولايات المتحدة الاميركية مع اكتشاف النفط فيها.. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، التقى الرئيس الاميركي روزفلت - الذي لم يمنعه شلل ساقيه من الانتصار- مع الملك عبد العزيز آل سعود على متن بارجته، في البحيرات المُرة في قناة السويس المصرية، للاتفاق على مستقبل المملكة والنفط الذي كانت قد وضعت شركة التابلاين أيديها عليه، من المنبع وحتى المصب، بانية "دولة موازية" لمملكة آل سعود في تلك البلاد التي هي مهبط الوحي على نبي الاسلام الرسول العربي محمد بن عبد الله.
بات الجو، عربيا وعبر التقسيم والتفتيت، مهيأً لإقامة الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين: العرب دول شتى لا تملك معظمها ما يبرر وجودها، او أن ما يبرر وجودها (النفط والغاز) في أيدي القوى الدولية النافذة التي سلمت قيادتها للولايات المتحدة الاميركية.
ولقد باشرت واشنطن طرح مشاريعها للهيمنة على المنطقة العربية "كوريث شرعي" لكل من بريطانيا وفرنسا.. حمل المشروع الاول اسم مبدعه، فكان "مشروع ايزنهاور للشرق الاوسط الجديد"..ولما تعثر هذا المشروع طرحت الولايات المتحدة الاميركية مشروعاً آخر تحت تسمية "الشرق الاوسط الجديد".. ثم كان بعده حلف بغداد الذي كان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة من كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان.
كان الهدف من هذه المشاريع تأمين الحماية الدائمة للمشروع الاسرائيلي في فلسطين.
لكن المقاومة العربية للمشروعين بقيادة جمال عبد الناصر والتفاف جماهير الأمة العربية حوله في انتفاضة ضد الهيمنة الاجنبية (الاميركية اساساً) اسقطت هذه المشاريع وقامت أول دولة للوحدة العربية في التاريخ الحديث من خلال اندماج مصر وسوريا في "الجمهورية العربية المتحدة" في 22 شباط/ فبراير 1958.
بعدها مباشرة انتفض العراق وكانت ثورة 14 تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم ومعه عبد السلام عارف... ولقد بذلت واشنطن (ومعها موسكو الآن) كل جهد ممكن لمنع انضمام العراق إلى دولة الوحدة.. ومن ثم إلى مخاصمتها. فكان رد الفعل الاميركي سريعاً، إذا أقدمت واشنطن على إنزال بعض قواتها العسكرية على شاطئ بيروت... لمنع تلاقي ثورة العراق مع دولة الوحدة (مصر وسوريا).
لن يكون الطريق ممهداً امام "صفقة القرن" التي أوفد دونالد ترامب صهره الصهيوني جاريد كوشنر ليرأس مؤتمر الدعوة اليها في البحرين، والتي ترددت معظم الدول العربية في المشاركة فيها، كما قاطعتها السلطة الفلسطينية. لقد مر "العرب" بتجارب كثيرة تؤكد لهم أن "الأحلاف" بين دول عظمى (بريطانيا وفرنسا من قبل ثم الولايات المتحدة الاميركية الآن) هي استعمار مقنع بتسميات خادعة، لدولهم الضعيفة حتى لو كانت غنية، فالاستعمار هو الاستعمار صريحاً ولو جاء بقناع "الشراكة"... فأية شراكة يمكن أن تقوم بين دولة كبرى تطمح للسيطرة على العالم، إن هي تمكنت، وبشكل خاص على المنطقة العربية وتقاسم مواردها من النفط والغاز مع العدو الاسرائيلي، وجر العرب - وبالتحديد أغناهم – إلى معركة غير ضرورية، فضلاً عن كونها غير متكافئة، مع ايران الثورة الاسلامية.
والمعروض عليهم في مؤتمر البحرين، اليوم، محدد واضح:
1- الخضوع المطلق للإرادة الاميركية في مشروعها للقرن، ودائماً بالشراكة مع العدو الاسرائيلي..
2- تقسيم العرب إلى معسكرين متواجهين: الفقراء المنادين بالثورة لاسترداد حقوقهم في أرضهم، والاثرياء بثروات لم يبذلوا أي جهد في جنيها، لا في الاستكشاف ولا في ضخ النفط ولا في تأمين تصديره عبر انابيب (كما الآ.بي. سي قديماً) او عبر ناقلات ضخمة تحمله إلى المحتاجين اليه في مشارق الارض ومغاربه (بعض اوروبا ثم الصين واليابان، فضلاً عن الهند واندونيسيا الخ).
3- مصادرة المستقبل العربي وإسقاط فلسطين من ذاكرة اهلها ومعها الامة العربية جميعاً.. ونفترض، بشهادة التاريخ وواقع الحال، عربياً، أن هذه الاهداف من المستحيلات.. وهذه ثورة شعب الجزائر بملايينها، شاهد وكذلك ثورة السودان بملايينه التي اسقطت الخوف من بطش العسكر، شاهد وشهيد. والغد للامة بشاببها وصباياها وحقهم في غد أفضل.
السفير العربي