2024-11-30 06:28 م

اوطان برهن البيع

2019-04-04
بقلم: نادية الحكيم
لا أدري لم تذكرني المؤتمرات و القمم الدولية و العربية بسوق الحرامية ،أو سوق اللصوص .و هو سوق معروف في الكثير من الدول على الأقل العربية منها ،حيث يبيع اللصوص مسروقاتهم في وضح النهار، و على مرأى من الجميع بما فيهم رجال الأمن .انه بعبارة أوضح سوق الوقاحة الفجة ،فهناك يختلط السارق بالمسروق، و البائع بالشاري، الذي لربما يكون المالك الأصلي للبضاعة المسروقة و يترتب عليه لاستردادها دفع ثمنها غاليا!!!

 في تلك المؤتمرات و القمم لم يختلف الأمر كثيرا باستثناء الشكليات.. فهناك الأناقة و الفخامة في المظهر، و هناك هيبة المكان: قاعات بيع فاخرة..كراسي وثيرة، طائرات خاصة..كلمات ديبلوماسية منمقة..ابتسامات مجاملة صفراء. و لكن المعضلة تكمن في البضائع االمعروضة للبيع…

إنها …أوطان بأكملها!!

 يمكنك أن تشتريها بالجملة أو بالمفرق و لكل ثمنه .فالبيع بالمفرق يحتاج الى نفس طويل و تكتيك محكم و مسبق ،أما بالجملة فيكفي ضربة حذاء عسكري و أجرة عميل داخلي .

ليس من الغريب و أنت تطوف بأرجاء المؤتمر أو بمحاضر جلساته أن تعثر على أشلاء وطنك تم تقطيعه اربا ليسهل بيعه حتى و لو بالتقسيط المريح .أو تعثر على قضية باعها الموكلون بأمرها في مؤتمر سابق ليعاد بيعها مرة أخرى بصفقة جديدة أكثر اجحافا و أبخس ثمنا. و ان بحثت جيدا فقد تجد وسط البضائع  تاريخ بلادك العتيد مدون على أوراق صفر اما بانتظار اعادة تدويرها أو بانتظار اعادة كتابته بيد الأقوى و للأسف يدك ليست الأقوى. و للغرابة قد تعثر على أمالك و تطلعاتك المستقبلية مجسدة على جدول الأعمال بانتظار تحويل وجهتها و اغتصابها لاحقا.

 و ستسعد لرؤية صورك و صور أجدادك و أولادك و لربما أحفادك معلقة على الجدران  سعادة لن تدوم طويلا لأنك ستقرأ تحتها : (مطلوبون أحياءا أو أمواتا) و الأفضل أمواتا تحسبا لانفجارك الديمغرافي أو الثوري، و كلاهما خطير للغاية و قد يستلزم تنظيم مزاد علني شعاره السري( يحوز أكثر من يقتل أكثر) .و قد تنظم أحيانا المزادات السرية درءا لغضب الشعوب، أو لابعاد شبهة “انتهاك” حقوق الانسان، أو تمسحا بالقوانين الدولية و التحايل عليها .و لكن من المؤكد ليس خوفا من دعوات الشعوب بطيور أبابيل.

الباعة كثر و المشترون أكثر و الأكثر من الجميع هم مغفلو التاريخ جمهور المتفرجين. .لا لوم على الشاري فيما اشترى ،و لا على البائع فيما باع، فكلاهما يمتهنان اللصوصية و  الركوب على ظهور المتفرجين و المغفلين و التاريخ لا يحمي المغفلين..

و لكن عتب على من ارتضى أن يكون شيطانا أخرسا بصمته عن الحق، و متفرجا أعمى على صفقات بيع الاوطان، مبتدعا طرقا غريبة لابتلاع غصته..أولها النوم العميق على فراش الوقت.

 عتب على شعوب أعجبتها تسمية  “الشعوب النامية” ليتوقف نموها عند الرضاعة من ثدي الاستعمار ..

و على شعوب لقنت( برفع اللام ) من دروس التاريخ أقساها و ما زالت تمارس رياضة ( السقوط الحر).

و على شعوب أصبح رغيف الخبز أقصى أمانيها بحجة أن (القناعة كنز لا يفنى ).

و على شعوب تذبح (برفع التاء ) يوميا من الوريد الى الوريد و لا تحرك ساكنا بدعوى أنه …ذبح حلال .

تونس