2024-11-30 06:45 م

انقلاب على الانقلاب

2019-01-10
بقلم: عريب الرنتاوي
كل المؤشرات والمعطيات تقول، إن النظام السياسي الفلسطيني، لم يعد صالحا للعيش، بصيغته الراهنة.

وكما كان متوقعا، ستذهب القيادة الفلسطينية، بعد حل المجلس التشريعي، إلى مرحلة إعادة تعريف النظام الفلسطيني، واعتبار الحكومة الفلسطينية القادمة حكومة منظمة التحرير، وليست حكومة المرحلة الانتقالية والسلطة الوطنية.
وفي هذا الاتجاه تذهب تأكيدات، أحمد مجدلاني، بأننا الآن على عتبة مرحلة جديدة عنوانها قرار المحكمة الدستورية ببعدها السياسي، وهو إلغاء ركن من اركان المرحلة الانتقالية – المجلس التشريعي -، وبأننا أمام اجراءات تتصل بتعاطٍ مختلف عن السابق مع حركة حماس، حيث ستتجه القيادة الفلسطينية، لتشكيل حكومة منظمة التحرير، معتبرا أن سحب الموظفين من معبر رفح البري، هو أولى الخطوات".
فلم يعد مقبولا بعد الآن، الاستمرار في توطين الانقسام الفلسطيني، وأن يصبح مع الوقت ظاهرة طبيعية، تنتظم ضمن تسلسل الأحداث وتراكمها، ولها أمراؤها وأبطالها، بعدما كان حال شاذة ولقيطة في المشهد الفلسطيني، وأن يكون وجود رأسين ونظامين وبرنامجين وجهازين إداريين وأمنيين، أحد سمات النظام السياسي الفلسطيني. بحيث أصبح وجود هذه الازدواجية والثنائية في النظام السياسي أصيلا، وصار من الصعب فهم آليات تمظهر السياسة وتجلياتها في فلسطين، دون العودة إلى تلك الثنائية وتلك الازدواجية. لأن تلك الثنائية تساعدنا في فهم أعمق، لطبيعة صراع القوى السياسية فيما بينها، وهي التي تعكس توزيع السلطة والحكم وموازين القوى والتمثيل والشرعية والجغرافيا على المسرح الفلسطيني. عاطف أبو سيف - لم يعد مقبولا كذلك.
نحن نتحدث الآن عن انقسام آخر، انقسام لا يتأسس على السياسة وحدها وإنما على الجغرافيا أي انقساما جيوسياسيا، الى الحد الذي فشلت كل الحوارات والاتفاقات والوساطات بل والضغوط الممكنة في حله. 
ونتحدث عن حركة - أي حماس – بلغت الثلاثين، ولا تبدو وقد خاضت حروبها الثلاث مع إسرائيل، وواصلت حكمها لغزة كسلطة الأمر الواقع. وباختصار اجتازت تجاربها القاسية والمكثفة، في سبيلها الى التراجع او التخلي عن حكم غزة بصورة منفردة.
مرة ثانية وثالثة ورابعة .... إنها لحظة التأسيس التي تفسر لنا كل ما جرى ويجري من صراع على السلطة بين الفلسطينيين، ومن عدم القدرة على كسر هذه الحلقة المفرغة للانقسام البغيض والمشين الذي طوى عقده الأول حتى في ظل جولات المصالحة في القاهرة، وفورة المبادرات التنظيمية والنخبوية، وجفاف حلق الشعب الفلسطيني، وهو ينادي بالوحدة بين جانبي الوطن لمواجهة صفقة القرن، والتغول الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.
حركة حماس تأسست كمشروع بديل لمنظمة التحرير وحركة فتح ... بديل أيديولوجي وسياسي وثقافي واجتماعي، ونظرت إلى نفسها بأنها حركة ربانية ونخبة مصطفاة ومن أصحاب الأيادي المتوضئة في مقابل العلمانيين والفاسقين والفاسدين.
ثم جاء انتقال "حماس" المفاجئ من هامش الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى المركز عقب فوزها في انتخابات 2006، ليشكل ذلك نقطة تحول بالغة الأثر في مسيرة الحركة، ولتبدأ "حماس" مشروع دويلتها في غزة حجراً فوق حجر.
خالد مشعل وفي لحظات مغادرته لرئاسة المكتب السياسي لـ"حماس" أقر بأن حركته "أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها عقب الانقسام، وظنت بأن زمن (فتح) مضى وحل زمن (حماس)، و(فتح) أخطأت عندما أرادت إقصاءنا». 
وقال أيضا، إن الإسلاميين عموما ومنهم "حماس" وقعوا في خطأين خلال وقت الثورات وأوقات الصعود، الأول عندما بالغوا في تقدير الموقف وقلة الخبرة وغياب المعلومة الدقيقة – حول حجمهم الحقيقي وقوة الخصوم، صعوبات الحكم وتحديات السلطة ومتطلبات العمل السياسي وتعقيدات الظروف الاقتصادية، وسيكولوجية المجتمعات التي يحكمونها وتوقعاتها-.
فيما يرى القيادي في "حماس" غازي حمد بأن العلاقة بين "حماس" وقطاع غزة أشبه بالتوأمين السياميين التي لا فكاك عنها، فهي علاقة نشأة وقيادة ثم علاقة حكم وسلطان، حيث أصبحت غزة بعد الانقسام مركز قوة "حماس" ونفوذها التي تقابل به وتقارع سلطة ونفوذ رام الله!!!. ويضيف حمد إن حركته أقنعت نفسها وكوادرها بأن غزة قد (تحررت) رغم إحاطة الاحتلال بها براً وبحراً وجواً.
ولقد أطلقت "حماس" شعارات كثيرة عززت هذا الارتباط وخلقت إحساسا كبيرا بالتعاظم - والكلام لحمد - مثل: "غزة المقاومة العزة ..غزة تنتصر ..غزة تقاوم، غزة تدافع عن شرف الأمة» وأصبح اسم غزة يتردد كثيرا في الخطابات - أكثر من القدس والمسجد الأقصى -. وأدى ذلك إلى طغيان (غزة وسلاحها ومقاومتها) في ثقافة وفكر الحركة، وحجب عنها رؤية الأفق الأوسع خارج نطاق هذه البقعة الجغرافية الصغيرة.
وغابت عن حركة حماس وهي ثملة ومنتشية، بالفوز بالمجلس التشريعي، بديهيات العمل السياسي وحقائق النظام السياسي الفلسطيني، ومضت في معركتها السياسية المركبة مع السلطة وحركة فتح دون أن تتوقف ولو قليلا أمام حقيقة أن النظام الفلسطيني هو نظام رئاسي وليس برلمانيا، وأن صلاحيات وسلطة الرئيس أكبر بكثير من صلاحيات وسلطة رئيس الحكومة، وأن الحكومة التي ورثتها "حماس" عن حركة فتح هي الابنة الشرعية لاتفاقية أوسلو التي من أهم بنودها الاعتراف بإسرائيل، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وليست الحكومة الفلسطينية!!
وما من شك، بأن مزاحمة حركة حماس لـ"فتح" على السلطة، بشكل سافر، بدأ منذ العام 2006، حين حققت الأغلبية البرلمانية في انتخابات المجلس التشريعي، وحين وجدت عوائق في السيطرة الأمنية حسمت الأمر عسكرياً. وحاولت منذ ذلك التاريخ، أن تبقى سلطتها الفعلية في قطاع غزة، مع تحريرها من تبعات الحكم، وأقصى ما هي على استعداد لتقديمه الآن، هو منح السلطة الرسمية سلطة شكلية على غزة، مقابل تأبيد سلطتها الفعلية عليها، وكسر الحصار وضخ الأموال وتظهير حماس كحركة سياسية في الضفة الغربية، حيث يمكنها أن تعيد تجربة غزة في الضفة في يوم ما، حين تحين لها الفرصة بذلك.
وفيما يدير الفلسطينيون المعركة بينهم بلا رحمة، وبكل هذا الصخب، بالعنف اللفظي تارة، والعنف الجسدي تارة أخرى، الذي وصل إلى حد اعتداء مسلح على فضائية فلسطين في غزة، واعتقال مئات الكوادر من حركة فتح، لمنع الحركة الأم، من الاحتفال بانطلاقتها، يدير الإسرائيلي معركة منظمة لإنهاء القضية الفلسطينية، والوجود الفلسطيني ـ تاركا، للإخوة الأعداء، مهمة القضاء على بعضهم البعض.