2024-11-25 07:51 م

مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية: من مؤتمر مدريد إلى صفقة القرن

2018-10-28
لا يختلف اثنان على أن القضيّة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من أعقد الملفات التي بدأت منتصف القرن الماضي ولا تزال مستمرّة حتى يومنا هذا، صراع هو الأطول من نوعه في تاريخ البشرية والأكثر تعقيداً وخطورة استغرق حتى الآن قرناً من الزمن، وسلك فيه الفلسطينيون وإلى جانبهم إخوانهم العرب خيار المقاومة الذي مرّ بمحطات مصيرية في عامي 1967 و1973.

بعد ذلك، شكّل المسار التفاوضي الذي سلكته "إسرائيل" مع مصر، ولاحقاً الأردن، أنموذجاً لمسار مماثل مع الفلسطينيين ساهم قرار مجلس الأمن رقم 242  الذي صدر في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 في تعزيزه عبر معادلة "الأرض مقابل السلام" ( رغم إرجاع الكثيرين خيار الدولتين إلى هذا القرار، إلا أن جذور هذا الأمر تعود إلى العام 1937، هذا الخيار الذي طرح لأول مرة كحل بين المشروعين الفلسطيني والصهيوني، عندما اقترحت لجنة من عصبة الأمم تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة لليهود وأخرى للعرب تكرس في العام 1947 بقرار التقسيم، وتم وضع أول إطار عملي في اتفاقية كامب ديفيد المصرية –الإسرائيلية).

وفي حين دعا القرار الأممي 242 إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير" و "احترام سيادة أي دولة في المنطقة والاعتراف بها وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام في ظل حدود آمنة ومعترف بها بعيداً عن أي تهديدات أو تصرفات باستخدام القوة "، حاول الكيان الإسرائيلي التنصّل من هذه الالتزامات عبر القول بأن صياغة النسخة الإنجليزية تدعو لـ "الانسحاب من أراضٍ"، يعني عدم الانسحاب من جميع الأراضي، مقابل التفسير العربي القائل بأن الانسحاب ينبغي أن يشمل جميع الأراضي التي احتلت عام 67.

في هذه الورقة نرسم صورة كاملة عن المسار التفاوضي بين الفلسطينيين ممثلين بمنظمة التحرير، والكيان الإسرائيلي، لنخلص في نهايتها إلى نتائج المسار التفاوضي والمكاسب والتنازلات التي نتجت عنه.

اتفاقيات كامب ديفيد 1978

لم تكن بداية حلقات التفاوض مع الكيان الإسرائيلي فلسطينية، بل تمثّلت بداية المفاوضات المباشرة والعلنية مع الكيان الصهيوني بين مصر و"إسرائيل" في اتفاقية كامب ديفيد في 17 كانون الأول/سبتمبر 1978 والتي كان فيها إقرار الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط .

طرحت عدة خطط سلام بعد حرب 67 لكن لم يحدث شيء إلا أن هذه الحرب هيّأت الأرضية لمصلحة إبرام سلام كما يتجلى في الزيارة التاريخية للرئيس المصري، أنور السادات، إلى القدس في نوفمبر 1977.

استغل الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، الاستعداد العام للسلام بناءً على الأرضية التي تمهّدت للسلام بعد حرب أكتوبر 73 أو حرب يوم الغفران كما تعرف في "إسرائيل"، ليدعو الرئيس الأمريكي الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، لإجراء مباحثات سلام في المنتجع الرئاسي بكامب ديفيد بالقرب من العاصمة واشنطن، استمرت المفاوضات لمدة 12 يوماً وانتهت بإبرام اتفاقين، "إطار السلام في الشرق الأوسط"، هو عنوان الاتفاق الأوّل الذي وضع أسس السلام بتوسيع القرار رقم 242 وحدد ما كان يأمل أن يكون سبيلاً لحل "المشكلة الفلسطينية"، ونص على ضرورة إبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ودعا إلى إبرام معاهدات أخرى بين "إسرائيل" وجيرانها، نقطة الضعف في الاتفاق الأول هي الجزء المتعلق بالفلسطينيين، هدفت الخطة إلى إنشاء "سلطة حكم ذاتي" في الضفة الغربية وقطاع غزة على أن تتبع لاحقاً "بمحادثات الوضع النهائي" لكن الفلسطينيين لم يكونوا طرفاً في الاتفاق.

الاتفاق الثاني هو "إطار كامب ديفيد لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل"، وجاء هذا الاتفاق في عام 1979 بعد انسحاب "إسرائيل" من سيناء، مثَّل الاتفاق أول اعتراف من طرف بلد عربي كبير بإسرائيل بصفتها دولة لها الحق في الوجود، قد تكون المحادثات بين الطرفين الأنجح في عملية السلام برمتها.

تعدّ اتفاقية كامب ديفيد أهم الاتفاقيات في مسار الصراع العربي الإسرائيلي لأنها أول اتفاقية رسمية بين دولة عربية وإسرائيل، وأدت إلى تحييد مصر في الصراع.

مؤتمر مدريد 1991

بعد اتفاقيّة كامب ديفيد، ولاحقاً قرار منظمة التحرير الفلسطينية في بيان الجزائر عام 1988 الاعتراف بالقرار الأممي 242 وبحل الدولتين، والقبول بدولة أصغر بكثير من مساحة فلسطين التاريخية لا تتجاوز مساحتها 22% مقابل التسليم للاحتلال بـ78%، وتكون هذه الدولة قابلة للحياة، متصلة غير مجزأة بطرق الاتفافية وكتل استيطانية وجدار عازل، وشرقي القدس عاصمة لها، تشكّلت الأرضية لانطلاق عملية السلام.

عقد اللقاء الأول وبشكل علني بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية في 30 تشرين أول/أكتوبر- 1 تشرين ثاني/نوفمبر 1991 لوضع الخطوات الأولى نحو معاهدة السلام وإقرار الحق الفلسطيني وتم الاتفاق على مواصلة اللقاءات الثنائية لتحقيق السلام الشامل.

كان مؤتمر مدريد، الذي رعته أمريكا والاتحاد السوفيتي، يهدف إلى استلهام المعاهدة بين مصر وإسرائيل من خلال تشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، شارك الفلسطينيون أيضاً في هذا المؤتمر من خلال وفد مشترك مع الأردن وليس بوجود ياسر عرفات أو قادة آخرين في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت إسرائيل ترفض مشاركتها في المؤتمر.

اتفاقية أوسلو 1993

أسس مؤتمر مدريد لمبدأ الأرض مقابل السلام، ليشكّل اتفاق أوسلو الذي عقد سراً في أوسلو (النرويج) ونشرته بعض وسائل الإعلام قبل الإعلان عنه وتوقيعه رسمياً في واشنطن يوم 13 سبتمبر/أيلول، تعتبر اتفاقية أوسلو أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.

حاولت مفاوضات أوسلو معالجة العنصر الغائب عن جميع المحادثات السابقة وهو إجراء مباحثات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين مثلتهم منظمة التحرير الفلسطينية، تمثلت أهمية هذه المباحثات في التوصل إلى اعتراف نهائي متبادل بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية.

جرت المفاوضات في سرية تامة تحت رعاية النرويج ووُقِّع الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993 بحضور الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون. وتصافح كل من الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين.

نص اتفاق أوسلو على انسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من الضفة الغربية وغزة وإنشاء "سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة" لمرحلة انتقالية تستغرق خمس سنوات على أن تُتوج بتسوية دائمة بناء على القرار رقم 242 والقرار رقم 338.

وتحدث الاتفاق عن وضع "حدّ لعقود من المواجهة والنزاع" وعلى اعتراف كل جانب "بالحقوق الشرعية والسياسية المتبادلة" للجانب الآخر، لكن بالرغم من أن النص على إقامة دولة فلسطينية لم يرد في نص الاتفاق بوضوح، فإن المعنى الضمني يعني إنشاء دولة فلسطينية في المستقبل إلى جانب إسرائيل.

كان ثمة تبادل للرسائل بين ياسر عرفات الذي ذكر أن "منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق "إسرائيل" في الوجود بسلام وأمن في حين قال إسحاق رابين "قررت حكومة إسرائيل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني".

لم تقبل حركة حماس ومجموعات الرفض الأخرى اتفاق أوسلو وبدأت في شن عمليات انتحارية ضد الإسرائيليين، كما عارضت المجموعات التي يقودها المستوطنون داخل إسرائيل اتفاق أوسلو. نُفذ اتفاق أوسلو بشكل جزئي فقط.

اتفاقية غزة أريحا 1994

شكّلت اتفاقية أوسلو أرضية مناسبة لاستكمال المفاوضات، ليُطلق على الاتفاق التنفيذي لأوسلو الذي وقعه الفلسطينيون والإسرائيليون في 4 مايو/أيار 1994 اتفاقية غزة أريحا (عرف أيضاً باسم اتفاق القاهرة) وتضمن الخطوة الأولى لانسحاب إسرائيل من غزة وأريحا وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها اسم اتفاق غزة أريحا، سبق توقيع هذا الاتفاق إجراءات لبناء الثقة تمثلت في ثلاث اتفاقيات وقعت بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني: إحداها خاصة بالمعابر وأمن الطرق والثانية حول ترتيبات الأمن في الخليل والثالثة بروتوكول للتعاون الاقتصادي، وأتبع الاتفاق باتفاقين تنفيذيين:الأول اقتصادي (يوليو/تموز) ينظم العمالة الفلسطينية والعلاقات المالية والاقتصادية بين الطرفين، والآخر اتفاق تمهيدي لنقل الصلاحيات المدنية في الضفة (آب/أغسطس)، واشتمل على تعريفات خاصة بنقل السلطة وإجراءاتها في مجالات الصحة والتعليم والثقافة وغيرها. 

اتفاق وادي عربة 1994

في العام نفسه، بدأ الأردن يشعر بالتهديد من المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيل لاسيّما فكرة "الأردن الوطن البديل للفلسطينيين" كما يصرّ على طرحها بعض الإسرائيليين، نجح الإسرائيلي في جرّ الجانب الأردني إلى عملية السلام التي وجد فيها الملك حسين حماية لكيانه بضمانة دولية.

الاتفاقية الموقّعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 بين المملكة الأردنية الهاشمية والكيان الإسرائيلي، شملت عدة مواد أهم ما فيها أنها ترسي مبادئ عامة من الاعتراف والاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي وتبين الحدود وترتيبات أمنية ضد اختراق الحدود، والإرهاب، والمياه، وإقامة علاقات طبيعية، وأحالت قضية اللاجئين إلى اللجنة متعددة الأطراف، واعترفت للأردن بدوره الخاص في رعاية الأماكن المقدسة في القدس، رغم أن الجانب الفلسطيني لم يكن طرفاً في هذه الاتفاقية، إلا أنها أثّرت بشكل واضح على المسار التفاوضي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وعزّزت الأوراق الإسرائيلية على طاولة المفاوضات.

اتفاقية طابا أو أوسلو الثانية 1995

توالت حلقات التفاوض فصولاً، ليتمّ التوقيع في 28 سبتمبر/أيلول 1995في واشنطن على اتفاقية جديدة جاءت نتاجاً للمباحثات التي شهدتها مدينة طابا المصرية.

قبيل الاتفاقية، ارتكب جنود ومستوطنو الاحتلال الإسرائيلي جرائم بشعة ضد الفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية، أشهرها مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة، والتي نفذها المستوطن المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين، كذلك جرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين على يد مستوطن يهودي اسمه إيغال عامير.

وعرف هذا الاتفاق باتفاق المرحلة الثانية من انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية،  قسّم الاتفاق المناطق الفلسطينية إلى (أ) و(ب) و(ج) تحدّد مناطق حكم السلطة الفلسطينية والمناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي وغير ذلك، ويقضي الاتفاق بانسحاب الاحتلال من ست مدن فلسطينية رئيسية و400 قرية في بداية عام 1996، وانتخاب 82 عضواً للمجلس التشريعي، والإفراج عن معتقلين في السجون الإسرائيلية.

وتضمن تأكيداً على ما سبق في الاتفاقات السابقة، وعلى الترتيبات الأمنية والمعابر، وجعل للخليل ترتيبات خاصة لحماية 400 مستوطن يهودي، وكان من المفترض أن يكون اتفاق طابا أو (أوسلو 2) هو المرحلة الثانية التي ستتلوها مفاوضات الوضع النهائي، ولكن ذلك لم يحدث حتى اليوم.

اتفاق واي ريفر الأول 1998

ويدعى اتفاق واي بلانتيشن، وقد حدث عدد من المتغيرات قبل هذا الاتفاق إذ اغتالت إسرائيل يحيى عياش يوم 5 يناير/كانون الثاني 1996 فردت حماس بعدة قنابل بشرية عنيفة في إسرائيل، فعقد على أثرها قمة صانعي السلام في شرم الشيخ لمحاربة الإرهاب في 13 مارس/آذار من العام نفسه، وعقد اتفاق مكمل لاتفاق سابق حول الخليل والوجود الدولي المؤقت فيها يوم 9 مايو/أيار 1996. ولكن تجمدت العملية السلمية باستلام بنيامين نتنياهو الحكم في إسرائيل يوم الأول من يونيو/حزيران 1996 ثم استؤنفت باتفاق بروتوكول حول إعادة الانتشار في الخليل يوم 17 يناير/كانون الثاني 1997.

مهد لهذا الاتفاق باجتماع رئاسي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1998 ضم الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في منتجع واي ريفر.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول تم التوقيع على الاتفاق الذي نصّ على مبدأ الأرض مقابل الأمن أن تقوم السلطة الفلسطينية بتكثيف حملتها ضد "العنف وتنفذ "إسرائيل" مرحلة جديدة من إعادة الانتشار في 13% من الضفة الغربية على أن تتم إعادة الانتشار على ثلاث مراحل: أولاً - المرحلة الأولى والثانية:

وتشمل إجراءات تسهيل تطبيق الاتفاق الانتقالي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة الموقع في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1995 واتفاقات أخرى ذات صلة بينها خاصة تلك المتعلقة بعمليات إعادة انتشار إضافية وبقضايا الأمن.

اتفاق واي ريفر الثاني 1999

وقعه مع السلطة الفلسطينية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك على الأساس نفسه الذي عقدت عليه "اتفاقية واي ريفر الأولى".

فقد وقع الطرفان بشرم الشيخ بمصر في يوم 4 سبتمبر/أيلول 1999 اتفاقية سميت "واي ريفر الثانية"، وفي هذه الاتفاقية تم تعديل وتوضيح بعض نقاط "واي ريفر الأولى" مثل إعادة الانتشار وإطلاق السجناء والممر الآمن وميناء غزة والترتيبات الأمنية وغير ذلك.

ورغم الجدية الأمريكية التي كانت بادية آنذاك لإنجاز الحل، فكل ما تحقق في اتفاق واي ريفر لم يتعدَ الاتفاق على تسليم السلطة الفلسطينية