تأسس حزب الله عام 1982 بعد اجتياح الكيان الإسرائيلي لبيروت عاصمة لبنان، فارضاً نفسه بقوة على الساحة الإقليمية خصوصاً بعد إجباره الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو/ أيار من العام 2000.
وبسبب نشاطه العسكري وتأثيره الإقليمي أصبح حزب الله الشغل الشاغل للعدو الصهيوني، وفي هذا الصدد، طرحت أسئلة كثيرة حول استراتيجيات الكيان الإسرائيل للتعامل مع حزب الله في الساحة الإقليمية، أما السؤال الذي يجب أن يطرح في الواقع هو، ما الذي يبحث عنه الكيان الإسرائيلي من أجل مواجهة نفوذ حزب الله في المنطقة؟.
1- منع حزب الله من التواصل مع الجمهورية الإسلامية في إيران: يحاول الكيان الإسرائيلي جاهداً قطع طريق التواصل بين حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة ككل، ويهدف الإسرائيلي من ذلك إضعاف حزب الله ومنعه من الحصول على التقنيات العسكرية الحديثة التي من الممكن أن تقلب المعادلة في الحروب القادمة. ومن هنا يطرح السؤال التالي، ما هي استراتيجيات الكيان الإسرائيلي لتحقيق هذا الهدف؟
أ- إخلال توازن القوى لمصلحة إسرائيل في أي حرب قادمة:
يرى الإسرائيلي أن منع حزب الله من الحصول على التقنيات العسكرية الحديثة، سيمكّنه من الوصول إلى أهدافه المتمثلة بتدمير حزب الله في أي حرب قادمة، حيث تعدّ قوة حزب الله من المخاوف الأساسية التي باتت هاجس الإسرائيليين، وهذا ما حذر منه "غادي آيزنكوت"، رئيس هيئة الأركان العامة للكيان الصهيوني، حيث قال إن الهدوء النسبي للوضع على الحدود الشمالية هو بمثابة الهدوء ما قبل العاصفة، إذ إن الكثير من التحديات تنتظر الجيش الإسرائيلي لأن حزب الله يوسع من قدراته بسرعة وهو يحتفظ بوجوده العسكري في المنطقة ولديه أنظمة أسلحة متطورة وأصبح أكثر قوة من ذي قبل من حيث القدرات العسكرية.
ويحاول الكيان الإسرائيلي تفادي خطر حزب الله عبر إنشاء جدار شاهق على الحدود اللبنانية من منطقة الناقورة إلى منطقة الشيخ، وبالإضافة إلى المخاوف الإسرائيلية، تم تصميم هذا الجدار لمنع مقاتلي حزب الله من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في أي حرب قادمة. وفي هذا السياق أعلنت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عن أن بناء هذا الجدار الجديد، هو محاولة للجيش الإسرائيلي لإغلاق الحدود الشمالية. وأضافت القناة إن الخطة تتضمن شراء معدات ألمانية متطورة من أجل منع حزب الله من الدخول إلى الأراضي المحتلة عبر البحر أيضاً.
ب- الحفاظ على البنية التحتية لإسرائيل في مواجهة حزب الله: أصبح الإسرائيلي على يقين من أن البنية التحتية الإسرائيلية أصبحت في مرمى استهداف حزب الله وذلك بسبب حصوله على التقنيات العسكرية المتطورة، حيث يقول قائد القوات الإسرائيلية إنه في حال هجوم حزب الله، يجب ألا ندع الحرب تستمر أكثر من 33 يوماً، لأن البنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية لا يمكن لها أن تتحمل هذا الخطر أكثر من ذلك. واستطاع حزب الله اليوم من أن يحوّل ثلاث نقاط قوة لمصلحة الإسرائيلي إلى نقاط ضعف وهي: محطة ديمونة النووية التابعة للكيان الصهيوني والتي تهدف إلى الحماية الكاملة للكيان من أي خطر خارجي؛ ثانياً، الهجوم على المستوطنات الصهيونية، وثالثاً دخول عناصر حزب الله الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي سيكون لها تكلفة كبيرة على تل أبيب.
2- فرض عقوبات على حزب الله باستخدام اللوبي الصهيوني: صنّفت أمريكا حزب الله كمنظمة إرهابية، فيما اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الجناح العسكري لحزب الله كذلك، رغم الضغط الأمريكي الذي يطالب الاتحاد بوضع حزب الله ككل على لائحة الإرهاب. من ناحية أخرى، يسعى اللوبي الصهيوني أيضاً، من خلال تبني قوانين العقوبات S722 و FATF، إلى وقف الدعم المالي لحزب الله. وفي هذا السياق وضع "يسرائيل كاتس"، عضو في الكنيست عن حزب الليكود ووزير النقل ووزير الاستخبارات والطاقة الذرية، برنامجاً من خمس نقاط من أجل مواجهة النفوذ الإيراني وحزب الله في المنطقة ومن بين هذه النقاط استمرار فرض العقوبات على إيران وحزب الله من أجل تجفيف منابع المال لقوى المقاومة في المنطقة.
3- ادخال حزب الله في صراعات إقليمية (عسكرية وسياسية): إن الأزمات التي ضربت الدول العربية، ونمو الجماعات التكفيرية فيها، وتهديدها المباشر لحزب الله، دفعه لمواجهتها؛ ومن هنا يرى الإسرائيلي أن دخول حزب الله في معركة مفتوحة مع المنظمات الإرهابية هو دخول في مستنقع لا يستطيع أن يخرج منه سالماً، الأمر الذي من شأنه أن يقوضه، وبالتالي سوف يكون من الأسهل استهداف حزب الله.
4- تقييد حزب الله داخل الحدود اللبنانية: تعدّ الخيارات الجغرافية في لبنان محدودة، إذ إنه ليس هناك سوى ممرين بريّين يمكن للبنان أن يتنفس منهما، هما سوريا وفلسطين المحتلة. ولقد وسع حزب الله، الموجود حالياً في جنوب لبنان - قبل الأزمة السورية - نطاقه الجغرافي داخل سوريا اليوم وأصبح واحداً من أهم العناصر الفاعلة في الساحة السورية. وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن "إسرائيل تعيش اليوم رعب حصول إيران وحزب الله بشكل رسمي على قاعدة عسكرية دائمة في سوريا، وفي هذا الصدد، دعت أكثر من مرة على لسان مسؤوليها إلى اتخاذ إجراءات ضد النفوذ الإيراني ". وأضافت رويترز "لقد برز حزب الله كفائز كبير في الفوضى التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011 وأدت إلى الإطاحة بالحكومات في العديد من البلدان ".
ختاماً، لدى إسرائيل مخاوف كبيرة بشأن التأثير الإقليمي لجماعات المقاومة، ولا سيما حزب الله، وحتى اليوم، اتخذت إسرائيل إجراءات مثل قصف وجود حزب الله في سوريا وفرض العقوبات عليه وقد فشلت حتى الآن في التأثير على حزب الله. وبما أن إسرائيل تعمل على مبدأ التكلفة والحرب، يمكن القول إنها ليس لديها القدرة اليوم على شن حرب عسكرية مباشرة مع حزب الله بسبب فشل حرب تموز عام 2006، لذلك هي تعتمد اليوم الاستراتيجيات الناعمة وشبه الصلبة، مثل فرض العقوبات على حزب الله.