فيما يعوّل لبنان على موسم السياحة، وقدوم السيّاح العرب والأجانب والمغتربين لإنعاش الوضع الاقتصادي والمالي المأزوم، جاءت الدعوات من بعض السفارات الخليجية لرعاياها في لبنان لتوخي الحذر أو للمغادرة، لتشكّل صدمة وإرباكاً حكومياً يُخشى معه أن يعكّر الموسم السياحي.
ولم تُعرف بالتحديد خلفية التحذيرات المتتالية للرعايا العرب، وإذا كانت مرتبطة بتخوف من تجدد أحداث مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، واحتمال تمددها إلى مخيمات فلسطينية أو سورية، أو أنها ترتبط بمعلومات عن ضربة إسرائيلية محتملة نتيجة التوترات المتتالية على الحدود الجنوبية بين حزب الله وقوات الاحتلال، أو أنها ناتجة عن توقّع تورّط الجيش اللبناني في عملية عسكرية بمخيم عين الحلوة، وهو ما نفته بوضوح قيادة الجيش، أو ربما ترتبط بضغوطات سياسية ورئاسية بعد بيان اللجنة الخماسية.
وقد علّق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على البيانات التحذيرية، فأعلن مكتبه الإعلامي أنه “تابع مع وزيري الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، والداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية، وبنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، أفادت المعطيات المتوافرة أن الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطاً متقدمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن او استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب”.
وكلّف ميقاتي وزير الخارجية بـ”التواصل مع الأشقاء العرب لطمأنتهم على سلامة مواطنيهم في لبنان”، كما طلب من وزير الداخلية “دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق اللبنانية”.
وكانت سفارة قطر في لبنان، ضمّت صوتها إلى سفارات عربية أخرى، حذّرت مواطنيها ودعتهم للابتعاد عن مناطق التوتر. ودعت السفارة “المواطنين القطرييين الزائرين للبنان لاتخاذ الحيطة والحذر والابتعاد عن المناطق التي تشهد الأحداث الحالية، والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة”، وناشدت “المواطنين القطريين الموجودين حاليا في لبنان التواصل مع سفارة دولة قطر في بيروت في الحالات الطارئة”.
وجاء بيان السفارة القطرية، بعد بيانات مماثلة للسعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان، دعت مواطنيها إلى التزام الحيطة والحذر، وإلى مغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة، فيما أوضحت السفارة الألمانية أنه “خلافاً للشائعات، ألمانيا حالياً لا تطلب من مواطنيها المغادرة”.
وفي ما يتصل بالوضع في مخيم عين الحلوة، وصل إلى بيروت عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد، لإجراء اتصالات مع قيادة الحركة وممثلي الفصائل الفلسطينية، ومع مسؤولين لبنانيين في طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بهدف احتواء التوتر الأخير والتأكيد على عدم خروج الأمور في المخيم عن السيطرة.
وقد استقبل ميقاتي الأحمد في دارته بحضور المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي ورئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني باسل الحسن، وعن الجانب الفلسطيني أمين سر حركة “فتح” وأمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات وسفير فلسطين أشرف دبور وجرى خلال الاجتماع البحث في الوضع في مخيم عين الحلوة والاجراءات اللازمة لتثبيت وقف إطلاق النار.
وفي السياق، زار وفد من حزب الله برئاسة مسؤول قطاع صيدا، زيد ضاهر، مقر حركة “فتح” في المدينة، والتقى أمين سر الساحة اللبنانية في الحركة، ومنظمة التحرير الفلسطينية اللواء فتحي أبو العرادات، حضور أمين سر إقليم لبنان حسين فياض، حيث قدّم الوفد التعازي بمقتل قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا، أبو أشرف العرموشي ورفاقه”، مبدياً “استنكاره الشديد للجريمة التي استهدفت أمن مخيم عين الحلوة واستقراره، كما استهدفت العلاقة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني”.
وبموازاة البيانات الصادرة عن السفارات، سُجّلت أزمة دبلوماسية بين لبنان والكويت، نتجت عن تصريح لوزير الاقتصاد أمين سلام، اعتُبر مسيئاً للآليات الدستورية في دولة الكويت، وذكّر بتصريح كل من وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، ووزير الخارجية السابق أيضاً شربل وهبه، اللذين تسبّبا بأزمة مع الرياض وانتهت باستقالتهما من الحكومة.
وجاء الإشكال على خلفية مناشدة وزير الاقتصاد، دولةَ الكويت بإعادة بناء صوامع القمح التي دمّرها انفجار مرفأ بيروت. وقوله إنه بعث برسالة قبل 3 أسابيع إلى الكويت عبر الخارجية اللبنانية يناشد فيها “باسم الشعب اللبناني إعادة بناء إهراءات القمح”، وأنه بـ”شخطة قلم” يمكن أن تبني الكويت إهراءات لبنان في بيروت وطرابلس.
وقد استنكر وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم الصباح واستغرب بشدة تصريح وزير الاقتصاد اللبناني، ورأى أنه “يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية، ويعكس فهماً قاصراً لطبيعة اتخاذ القرارات في دولة الكويت، والمبنية على الأسس الدستورية والمؤسساتية بما في ذلك المنح والقروض الإنسانية التي تقدمها حكومة دولة الكويت للدول الشقيقة والصديقة”.
وأوضح أن الكويت تمتلك سجلاً تاريخياً زاخراً بمساندة الشعوب والدول الشقيقة والصديقة، إلا أن دولة الكويت ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في قراراتها وشؤونها الداخلية. وحث على سحب هذا التصريح، حرصاً على العلاقات الثنائية الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقين.
وعلى الإثر، أوضح سلام “أن التباساً كبيراً حصل باستعمال تعبير معين”، وقال في مؤتمر صحافي: “قصدنا من خلال استعمال مقولة “بشخطة قلم” وهي عبارة تستخدم باللغة اللبنانية العامية أن الموضوع قابل للتنفيذ وبسرعة، ولم يكن القصد من استعمال هذه العبارة الاستخفاف أو تجاوز الأصول والآليّات الدستورية والقانونية المرعيّة الإجراء من قبل دولة الكويت”.
وأصدر مكتب ميقاتي بياناً جاء فيه: “يهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأكيد عمق العلاقة بين الدولتين والشعبين الشقيقين ومتانتها والتي لن تشوبها شائبة، كما يؤكد أن دولة الكويت الشقيقة لم تتوان، ضمن الأصول، عن مد يد العون لإخوانها في لبنان على مر العقود”.
المصدر: القدس العربي