فادي وهيب
بعد تصميم الرئيس بشار الاسد على أنهاء الوجود الارهابي بالغوطة، فى ظل اقتناع روسيا التام بأن الغوطة باتت تحمل أذرع دول اقليمية يجب تصفية من فيها من تنظيمات مهما تكلف الامر، وبعد أن رعى الروسي فى الكواليس اتفاق مع الاميركي وبين السوري والتركي، بجانب اجراء اتصالات مكثفة مع ممولي مليشيات الغوطة بالرياض والدوحة، كي تسلم الغوطة لدمشق وعفرين لتركيا، لذلك جاء صمت الولايات المتحدة عن معركة الغوطة (بعيدا عن أي تصريحات اشبه بطلقات نار تضرب فى الهواء من واشنطن) مقابل صمت روسيا على الحضور الاميركي الطاغي بشمال سوريا، وهو الامر الذى جعل لندن تتصدر هي المشهد بالنيابة عن واشنطن، كي نرى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بنفسها هي المعنية والمتحدثة الاولى بكل ما يخص الملف الروسي ببلادها، وترك التلويح بإعادة مشهد قصف مطار الشعيرات للرئيس الفرنسي.
ولا جدال فى أن معركة الغوطة برغم تكلفتها واضرارها التى صبت على مدنيين ابرياء لا ذنب لهم اتخذتهم فصائل البنتاغون كدروع بشرية، كسر فيها الرئيس السوري عظام دول كثيرة راهنت على كسر الاسد وبوتين فى الغوطة، فهناك من عمل على أن تكون الغوطة كفخ للجيش العربي السوري ثم التمهيد لتكرار مشهد القصف الاميركي للشعيرات، واحراج بوتين قبل الانتخابات الرئاسية واختبار حقيقة مدى حجم قواته بسوريا.
وجاءت زيارة الرئيس السوري بنفسه بعد ان حضر بشار الاسد وسط جنوده وشعبه بالغوطة للتأكيد على النصر، ومليشيات الغوطة التى تلوم نظيرتها بدرعا للتخلي عن مساندتها لها، غدا ستعلم أن مصير من تستنجد بها سيكون مصيرها نفسه، ومن مولهم وسلحهم واعطاهم ضوءاً اخضر لتدمير سوريا هو نفسه من اعطى ضوءاً اخضر للتخلص منهم، ومن اعطى ضوءاً اخضر للاكراد للثبات فى عفرين هو نفسه من اعطى ضوءاً اخضر لدخول اردوغان عفرين، وتأملوا تصريحات قيادات فيلق الرحمن وباقي مليشيات الغوطة، وتصريح صالح مسلم الاخير الذى اتهم فيه الروس بالخيانة.
وهنا مليشيات ريف حماة الشمالي لم تخيب نداء مليشيات الغوطة فأطلقت معركة «الغضب للغوطة» بقيادة مليشيات لواء الحمزة وجيش الاحرار وجبهة تحرير سوريا والفرقة أولى مشاة والفوج111 وجيش الشعب وتجمع أهل الشام ولواء شهداء التريمسة وجيش العزة وجبهة الانقاذ المقاتلة وغيرها من مليشيات لمساندة اخواتها فى التمويل والتسليح والرضاعة بالغوطة، وهي العملية التي تهدف الى السيطرة على مدينة كرناز وقاعدة تل الحماميات الاستراتيجية، ونتوقع أن يكون مصير مليشيات معركة «الغضب للغوطة» مصير اسلافها نفسه ان لم يكن أسوأ، ولكن مليشيات الغوطة نفسها التي كفرت باقي المليشيات لعدم مساندتها فضلت النجاة بحياتها وركوب الباصات الخضراء، كي تتحول عملية «الغضب للغوطة» الى عملية «الفرار من الغوطة»، وما من شيىء أهون على الارهابيين من انسحابهم من الغوطة والانضمام لاخواتهم فى ادلب (معقل المليشيات المهزومة فى سوريا)، سوى ما ستدفعه الدوحة والرياض كتعويضات لهم أو بالادق ثمن خروجهم كما اتفق الروسي مع السعودي والقطري.
والاشد سوءاً الذى ينتظر أعداء سوريا حقا قد لا يكون فى الغوطة او حماة بل فى درعا بعد عزم بشار الاسد كسر الخطوط الحمراء بالجنوب السوري، والبداية كانت مع مطلع شباط الماضي وقبل انطلاق الجيش السوري نحو الغوطة كانت موسكو ودمشق تحضران اوراقهما تجاه درعا وتستطلعان درعا بطائراتهما دون طيار بالسماء وعناصر استخباراتهما أرضا، وبعد علم الاميركي والاردني والاسرائيلي بهذا الامر وجهت وزارة الخارجية الاميركية دعوة يوم 12 آذار الجاري لعقد أجتماع عاجل بالاردن في حضور قادة المليشيات المسلحة والفصائل بدرعا مع قيادات عسكرية وامنية اميركية واردنية، في ظل حالة تحشيد غير مسبوقة طوال الايام الماضية للجيش الاردني على الحدود مع محافظة درعا السورية، وفي الوقت نفسه كان النشاط العسكري الاميركي بقاعدة التنف في ارتفاع ملحوظ في ظل زيادة عدد الجنود الاميركيين بها، وتبقى قاعدة التنف المفرغة الاولى ومركز التخصيب الاساسي للعناصر التكفيرية داخل سوريا، بل وتفوقت على معسكرات الجهاديين بشرق تركيا.
وبالتزامن مع وصول دعوة الاميركي لنظيره الاردني كانت قوات الجيش السوري وصلت إلى مقري جامعتي اليرموك وقاسيون بطريق أوتوستراد دمشق- درعا، كي تتلقى بعدها مباشرة كلا من الغارية الغربية والحراك وبصر الحرير واللجاة والصورة الأولى الضربات من القاذفات الروسية، كإنذار مسبق لما يحضر بدرعا وكسر للخطوط الحمراء التى عزمت واشنطن لفترات طويلة على الحفاظ عليها بالجنوب، ثم أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة السورية لائحة بأسماء المطلوبين لأداء الخدمة الاحتياطية من أبناء محافظة درعا في صفوف قواتها، وتم نشر الأسماء داخل مدن الصنمين وإزرع ودرعا المحطة بجانب الحواجز العسكرية على الأوتستراد الدولي بين درعا ودمشق، كي تضع دمشق الارهابيين فى معركة ضد الجيش والشعب معا.
فلا هدنة حقيقية كانت تطلب من المليشيات او من يمولهم سوى لاعادة تنظيم صفوفهم والتقاط انفاسهم مرة أخرى، ويبدو أن دمشق قرأت ما يدور في ذهن النشامي بالايام الاخيرة وارادت استباقه، وأمر مثل ذلك قد يزعج اسرائيل أكثر من الاردن نفسه، فأذا كان الاردن لا يريد لاجئين بحدوده، فاسرائيل لا تريد ان ترى حزب الله على حدودها مع سوريا، وأذا كان الاردني يفتح الباب من حين لاخر فى وجه قطر نكاية فى السعودية، فالاولوية لفتح الاتصال مع دمشق كي يفتح بسلام معبر نصيب (وهو الامر المرفوض رفضا تاما من اسرائيل والسعودية).
ولا أخفي عليكم لا أرى مخرجاً وطريقاً امام النشامي المأزوم داخليا لاسباب اقتصادية وابتزازات اخوانية، وخارجيا بعد أن فقد كل ادواره تقريبا كحلقة وصل بين امراء الخليج وتل أبيب، وتوقف المساعدات المالية السعودية عنه، وتبني اسرائيل المعارضة الاردنية، وحيرة الهاشمي تجاه مصير فلسطين، وتقليص دوره فى الحرب السورية ..الخ، الا بالتواصل المباشر والعلني مع دمشق وليس السري فقط، وهذا ليس مستحيلاً ان نراه، وهذا ليس أصعب من حوار قد يجري بين السعودي والحوثي فى مسقط أذا لم يكن حدث بالفعل.
(الديـــار) اللبنانية