إن المتتبع لتصريحات ومواقف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان " يلمس بوضوح حالة التصعيد ومحاولة خلق التوتر بشكل متواصل مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد ظهر ذلك واضحاً خلال زيارته إلى بريطانيا الأسبوع الماضي.
ويهدف ابن سلمان من وراء ذلك تحقيق هدفين أساسيين:
الأول: إظهار نفسه على أنه بإمكانه لعب دور محوري ومؤثر في القضايا الإقليمية والدولية.
الثاني: تقوية نفوذه في الداخل للإيحاء بأنه قادر على إدارة شؤون البلاد في مختلف المجالات.
سعى ولي العهد السعودي إلى تعزيز علاقاته مع الدول الغربية خصوصاً أمريكا والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من خلال القيام بعدّة خطوات يمكن إجمالها بما يلي:
- القيام ببعض "الإصلاحات الداخلية" في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
- عقد صفقات ضخمة لشراء مختلف أنواع الأسلحة المتطورة والحديثة من الدول الغربية والتي بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
- تشديد العداء ضدّ إيران الداعم الرئيس لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة والذي تمثل السعودية حلقة مفصلية من حلقاته.
على الصعيد الداخلي.. قام ابن سلمان بهدف تعزيز نفوذه وتمهيد الأرضية للاستيلاء على السلطة بشكل كامل بعد وفاة والده الملك سلمان الذي يعاني من الأمراض وكبر السن، بسلسلة من الخطوات من بينها اعتقال الكثير من الأمراء والوزراء بذريعة مواجهة الفساد الاقتصادي المستشري في المملكة، وإطلاق سراح العديد منهم في وقت لاحق بعد إرغامهم على التنازل عن معظم ثرواتهم وممتلكاتهم المادية التي قدّرت بنحو مئة مليار دولار.
كما حاول ابن سلمان الإيحاء بأنه يدعم الحريّات العامّة من خلال بعض الإجراءات الاجتماعية ومن بينها منح المرأة السعودية بعض الحقوق كقيادة السيارة وذلك بهدف استمالة الرأي العام الغربي والظهور بمظهر الشخص الذي يمكن التعويل عليه في جرّ البلاد إلى المعسكر الغربي.
- عمد ابن سلمان إلى تقوية علاقاته مع الكيان الصهيوني في إطار محور "غربي - عربي" تقوده أمريكا لتشكيل جبهة ضدّ إيران ومحور المقاومة في عموم المنطقة.
هذه الإجراءات وغيرها تهدف في الحقيقة إلى تأزيم الموقف مع طهران عبر التنسيق التام مع الأطراف المعادية لإيران وفي مقدمتها أمريكا والكيان الإسرائيلي.
وخلال العامين الماضيين عمل ابن سلمان على إزاحة الكثير من المسؤولين السعوديين التقليديين وفي مقدمتهم ولي العهد السابق "محمد بن نايف" واستبدالهم بأشخاص قليلي التجربة لتنفيذ سياسة تهدف إلى الارتماء التام في أحضان الغرب من جانب، وتكريس حالة العداء ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة من جانب آخر.
ولتمرير هذه السياسة وباعتباره الحاكم الفعلي في السعودية قام ابن سلمان بقطع علاقات الرياض مع طهران، وبذل مساعيه لإيجاد محور عربي مدعوم غربياً لإضعاف جبهة المقاومة التي تدعمها إيران، وذلك من خلال دعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية في العديد من دول المنطقة ولاسيّما في سوريا والعراق، إلى جانب شنّ العدوان الظالم والشامل على اليمن قبل ثلاث سنوات والذي راح ضحيته الآلاف من الأبرياء وأدّى إلى تدمير البنية التحتية للشعب اليمني في جميع المجالات.
يعتقد المراقبون أن زيارة ابن سلمان إلى بريطانيا قبل عدّة أيام والزيارة المقررة له إلى واشنطن خلال الأيام القادمة تأتي في إطار ذات المساعي التي يبذلها ولي العهد السعودي لتقوية المحور "الغربي - العربي" المعادي لإيران، بالإضافة إلى التحركات التي قامت بها الرياض مؤخراً لاستمالة دول أخرى في المنطقة وإقناعها بالانضمام إلى هذا المحور.
ولتكريس العداء ضد طهران وخلق حالة من التوتر المتواصل في المنطقة سعى ابن سلمان لتصوير إيران على أنها تمثل الخطر الأكبر للدول العربية وذلك من أجل حرف الأنظار عن العدو الأصلي المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين من ناحية، ولكسب ودّ العواصم الغربية التي تنسجم وتتحرك لدعم هذه السياسة وعلى رأسها واشنطن وشخص الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من ناحية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن ولي العهد السعودي يدعم بشدة الشخصيات المتطرفة في السعودية ولاسيّما وزير الخارجية "عادل الجبير" وضابط المخابرات المتقاعد "أنور عشقي" وأشباههم ممن يكثر الحديث حولهم عن العداء مع إيران ويسهم إلى حد كبير بتصعيد الموقف وخلق المزيد من التوتر في عموم المنطقة من خلال العزف على الوترين الطائفي والقومي وترديد هذه النغمة المشؤومة بشكل متواصل.
خلاصة القول.. إن استراتيجية ابن سلمان القائمة على التقارب مع المعسكر الغربي والكيان الصهيوني بقيادة واشنطن تهدف بالدرجة الأولى إلى إضعاف محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران للتصدي للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على مقدراتها وثرواتها والعبث بمصيرها.