2024-11-25 11:54 م

انقلاب غربي ضد "الاقتصاد الليبرالي" مع صعود التيارات الشعبوية

2016-12-16
وسط الصعود الاقتصادي الصيني القوي منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2007، يتواصل ضعف النظم الديمقراطية الرأسمالية في الغرب متزامناً مع انحسار موجة الانفتاح الاقتصادي وتحرير نظم التجارة أو ما يسمي بـ "الليبرالية الاقتصادية".
يحدث ذلك بسبب قدرة الشركات الصينية المدعومة من قبل الدولة والعمالة الرخيصة على إنتاج سلع بكلفة رخيصة، وهذه المنتجات أغلقت الباب أمام العديد من السلع التي كانت تنتج في أميركا وأوروبا.
ويرى اقتصاديون أن عامل" كلفة الإنتاج" وما يترتب عليه من فوارق سعرية أدى إلى نهاية العديد من الصناعات التي كانت توفر وظائف في الريف الأميركي والأوروبي.
وكانت النتيجة زيادة الفوارق في الدخول بين سكان المدن والريف. وهو ما ترجم لاحقاً في التذمر الشعبي الذي استفاد منه اليمين المتطرف في الصعود للسلطة أو تهديد الأحزاب التقليدية.
وتواجه "الليبرالية الاقتصادية" في أوروبا وأميركا، مخاطر البقاء وسط الهجمة الشرسة من قبل اليمين المتطرف والتيارات "الشعبوية البيضاء" التي تتنامى جماهيريتها، مع انحسار الرأسمالية بوجهها الانفتاحي المتمثل في تحرير الأسواق والاستثمار والتجارة وفتح الحدود لتدفق السلع بين الدول.
تقول مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في هذا الصدد "صحيح أن منافسة السلع الرخيصة المنتجة في الدول الناشئة مثل الصين سببت متاعب جمة للعمال في العالم الغربي"، لكنها ترى أن الحل لمثل هذه الأزمة لا يكمن في رفع التعرفة الجمركية والسياسات الحمائية التي ينادي بها البعض، وإنما يكمن الحل في الدعم المالي المباشر الذي يجب أن تقدمه الدول الغربية للطبقات العمالية ذات الدخل المنخفض في إطار دولة الرفاه.
أما المدير بمعهد العلاقات الخارجية البريطاني "تشاتهام هاوس"، الدكتور روبرت نبليت، فيرى في مقال نشره أول أمس الثلاثاء أن "النظام الاقتصادي الليبرالي العالمي"، سيواجه مخاطر عديدة خلال العقود المقبلة، وأن الاقتصادات الرأسمالية الغربية ربما سيكون عليها التعايش مع النظم المركزية التي كانت تعاديها.
ويخلص نبليت أنّ على الغرب الرأسمالي أن يتعايش مع النظام الاقتصادي المركزي في الصين.
وحسب نبليت فإن الصين تتجه لقيادة " الليبرالية الاقتصادية"، وسط الانكماش الأميركي.
ويرى اقتصاديون أن التيار "الشعبوي الجديد"، الذي بدأ بنجاح استفتاء "بريكست" الذي أقرّ خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، ثم تلاه فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، وأخيراً تمكن حركة "فايف ستار" اليمينية المتطرفة من قيادة الجماهير الإيطالية لإسقاط استفتاء "التعديل الدستوري"، يمثل شبه انقلاب في النظام المالي والاقتصادي العالمي الذي كانت تقوده النظم الرأسمالية. كما يهدد هذا التيار الشعبوي بقاء المؤسسات الدولية التي كانت تقود العالم طوال أكثر من نصف قرن، ومن بينها منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين. ومن غير المعروف حتى الآن كيف سيتعامل ترامب مع هذه المؤسسات التي تعد ربيبة أميركية، أسستها ورعتها حتى اصبحت في طورها الحالي. وحسب توقعات محللين " من المتوقع أن تتنكر القيادات الشعبوية الجديدة في أوروبا لهذه المؤسسات خلال السنوات المقبلة، كما تتنكر لمؤسسات المفوضية الأوروبية"، وذلك ببساطة لأن الحركات الشعبوية والتيارات اليمينية تطالب بـ "الانغلاق الاقتصادي" وتمزيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهو ما يهدد " النظام الاقتصادي الليبرالي" الذي تم بناؤه وتطويره منذ الحرب العالمية الثانية كثمرة من ثمار النظم الديمقراطية التي يعتمد نظامها الاقتصادي على "الرأسمالية".
ومنذ عهد الاقطاع الذي تلته الثورة الصناعية وما تبعها من اتساع في الأسواق والاستثمار، شهدت اقتصادات العالم كثيراً من المتغيرات ودورات النمو والكساد، كان آخرها دورة تقنية المعلومات وتجارة الخدمات، التي تحولت فيها الاستثمارات وفوائض المال من الإنتاج الصناعي والزراعي إلى المضاربات على الأسهم والسندات والأدوات المالية. وهو ما أدى إلى انتقال الثروة من الطبقة الوسطى والريف إلى المدن، حيث أزداد الأثرياء ثراءً وتلاشت الطبقة الوسطى لتنضم إلى الطبقة الفقيرة بسبب تآكل مدخراتها وارتفاع الكلف الحقيقية للمعيشة.
 ولا يستبعد العديد من خبراء الاقتصاد السياسي، أن ينهي هذا النظام العالمي الجديد المكتسبات التي حققتها الإنسانية خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية من حقوق الإنسان إلى مكتسبات دولة الرفاه.
كما تلاحظ، دراسات في هذا الشأن أنه في الفترة الممتدة من سقوط حائط برلين ونهاية الإمبراطورية الحمراء في العام 1989 وحتى بداية أزمة المال في العام 2007، شهد العالم انفتاحاً كبيراً، حيث سقطت الحواجز بين الدول التي قننت لحرية المرور فيما بينها دون جوازات ومرور السلع دون جمارك وتدفق رأس المال دون كوابح.
ولكن خلال الأعوام الأخيرة، بدأ انحسار حركة الانفتاح والتحرر السريعة التي كادت أن تحول العالم إلى قرية صغيرة مع ثورة الإنترنيت والتواصل الاجتماعي وما تلاها من حقوق اجتماعية وسياسية.
ولاحظ خبراء بمعهد ماكينزي العالمي للدراسات الاقتصادية، أن تدفقات رأس المال بين دول العالم التي نمت من 5.0% إلى 21% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، خلال العقد الأخير تنحسر، كما أن التجارة التي نمت من 39% إلى 59% تواصل الانكماش.