2024-11-26 01:43 ص

إسرائيل وسرقة الآثار العربية

2016-11-19
بقلم: عميرة ايسر
منذ الغزو الأمريكي الانجلوسكسوني للعراق سنة2003بهدف تدميره وإخراجه نهائيا من دائرة الصراع العربي الصهيوني واستخدمت لذلك ذرائع شتى وحججًا واهية ومتعددة ليس أولها القضاء علي البرنامج النووي المزعوم ،وذهبت أمريكا للغزو مع مجموعة من الدول والقوى الدولية والإقليمية التي تدور في فلكها بعيدًا عن أي تفويض جديد من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وخالفت بذلك كل الشرائع والقوانين الدولية ،ولكن الشيء الذي لم يذكره الإعلام وظهرت خيوطه جليًا بعد الغزو وامتدت تفرعاته لتطال دولا عربية أخرى بعدهَا كمصر وسوريا التي هي مهد الحضارات الكبرى في العالم القديم أن فرقًا من الموساد وعلماء الآثار الإسرائيليين كانوا من ضمن الفرق العسكرية والبحثية التي رافقت الغزو من أجل التَّنقيب علي الآثار العربية في هذه الدول, فالعراق التي كتب فيها التوراة العبري بعد السبي البابلي لليهود سنة655ق م,وتقرر بعد مؤتمر بال بسويسرا 1897م تشكيل فرق متخصصة من مافيا الآثار لسرقتهَا من الدول العربية وتهريبهَا إلى إسرائيل والتي تدعي أنها تمتلك أثارًا مهمة في أراضي هذه الدول تأكِّد أحقيتها في أراضيها من أجل توطيد أركان الحلم الصهيوني من أجل ترسيخ فكرة ارض "يهوذا والسامرة" التي تمتد من النهر إلى البحر ومثلما يقول عالم الآثار والمؤرخ العراقي "الدكتور ثابت النمشي" فإن حجم الآثار المهربة من الدول العربية تجد من يشتريها في الأسواق الدولية والأوروبية منها إذ تبلغ قيمة الآثار المصرية المهربة فقط ,حوالي 20مليار دولار سنويا وتقوم فرق إسرائيلية بشرائها وتختار ما يخص التاريخ العبري منها وتقوم بإعادة بيع ما تبقي منها في سوق الآثار السوداء وبمبالغ مالية خيالية. - ويضيف بأنَ العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي كان فيه حوالي 200الف تل اثري أي ما يعادل 1مليون مدينة أثرية كانت فرق البحث الاستكشافية العراقية تعمل جاهدة على إماطة اللثام عنها وإخراجها للعالم كتراث حضاري عالمي منبعه بلاد الرافدين العريقة، وهذا ما سعي تجار الآثار والمهربين إلي سرقته بشتى الطرق والوسائل وقاموا بتدمير العديد من هذه المواقع الأثرية وطمس معالمها وذلك نتيجة جهلهم بالتنقيب العلمي المدروس إذ أن كل 1 سنتم من الآثار يشكل 300 سنة من عمر الحضارة فهي مليئة بالمواقع الحفرية علي عكس سوريا أو مصر، التي لا يتعدى عدد التلال الأثرية فيها 4 أو 5 آلاف تل في أفضل الأحوال,وساعدت التنظيمات الإرهابية التي تكاثرت كالفطريات بعد انسحاب القوات الأمريكية بكميات كبيرة جدًا من آثار العراق النادرة ومنها تلك التي نهبت من المتحف العراق الرسمي وتتحمَّل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الأخلاقية والحضارية والتاريخية عن ضياعها ,فهي من تواطأت من إسرائيل وتجار الآثار من أجل نهب أثاره وسرقة هويته وتزييفهَا ,فالتنظيمات المسلحة والإرهابية التي زاد خطرهَا ونشاطهَا بعد ثورات الربيع العبري وما أنجرَ عنها من تدمير ممنهج للدول العربية, فتنظيم داعش المدعوم صهيونيًا وأمريكيًا والذي بات يسيطر على مناطق واسعة من سوريا وبلاد الرافدين ويتواجد في سيناء المصرية وليبيا ,قام بتدمير أثار قيمة جدًا في مدينة الموصل الأثرية ونينوى، وكذلك تحطيم أثار مدينة "تدمر السورية" واغتيال العلامة "خالد الأسعد" "المتخصص في حضارات تدمر القديمة" والوحيد المتبقي الذي كان يستطيع فك شفرات وأسرار اللغة التدمرية القديمة وقراءتها .ومعرفة دلالاتها اللفظية والمعنوية,وذلك لأنه رفض أن يدلهم على مخابئ كنوز المدينة آو أين مستودعات أثارها القيمة جدًا هناك,فتنظيم داعش الذي خسر ملايين بل مليارات الدولارات من جراء انخفاض أسرار النفط أو من جراء الضربات الجوية السورية الروسية لقوافل النفط المهرب نحو تركيَا ،يحاول إيجاد موارد مالية بديلة وأصبح يرى في تجارة الآثار التاريخية الأثرية مورد ا ماليا كبيرا جدا إذ أصبح يسمح لكل من يريد التنقيب عن تلك الآثار أو استخراجها ويوفر لهم الحماية والأمن في مقابل نسب ضخمة من الإرباح عند بيعهَا في الأسواق، أو المزادات العلنية المخصصة لذلك كما يري الدكتور" مارك الطويل" المتخصص في "أثار الشرق الادني" في كلية لندن ,فالآثار التي تسرق من سوريا والعراق تَظهر وتباع في الأسواق الأوروبية وتمر عبر مطارات عمان وتركيَا وتل أبيب ،التي تشارك في نهب هذه الآثار مقابل عمولات نقدية بالعملة الصعبة, و هذا ما أكده باحث الآثار العراقي الدكتور "عبد الرزاق الزبيدي" الذي كشف بان داعش هرب الآلاف من القطع الأثرية بالتواطؤ مع هذه الدول التي ترعى نشاطهُ المزدهر وتباركه في العلن, وحسب وثيقة لوزارة الخارجية الإسرائيلية سربها عميل الاستخبارات الأمريكية السابق" ادوارد سنودن" فإنَ مخطوط التوراة العراقي متواجد بإسرائيل بعد أن قام الجيش الأمريكي بسرقته من بغدا د بعد الغزو مباشرة، وقد رمِّمت في 7 أشهر وتستعمل حاليا في الصلاة اليومية داخل باحات القدس وكانت الحكومة العراقية قد راسلت مرارًا وتكرًار "مركز نارا الأمريكي" الذي اشرف على ترميم هذه المخطوطة النادرة والتي لا تقدر قيمتهَا الحضارية بثمن من أجل استعادتهَا ,ولكن كان الرد سلبًيا وبحسب الاتفاق الأمريكي العراقي فانه بحوالي عام 2005 كان يجب على إسرائيل إعادة كل القطع الأثرية المسروقة والمهربة إليهَا ،ولكن هذا لم يحدث حتى الساعة,ويتغاض الإعلام الرسمي في بغداد عن التحقيق في هذه القضية أو حتى الإشارة العرضية إليهَا لحساسيتهَا وبتوجيهات أمنية وسياسية عراقية عليَا. -ولم يقتصر الأمر على العراق أو سوريا التي تمكنت الأجهزة الأمنية و السيادية فيهَا من استعادة حوالي 6500 قطعة أثرية حسبما ذكره الدكتور "وليد الأسعد" نجل "الشهيد المغدور خالد الأسعد" الذي نكست دولة عريقة كايطاليَا أعلام بلادهَا حدادًا عليه، فيما وقفت الدول العربية كالعادة في موقف المتفرج مما يحدث بل إنَ بعضها جزءٌ من هذا المخطط الرامي لإفراغ الدول العربية الكبرى من تاريخهَا ،وجعلها بدون هوية خدمة للمشروع الصهيوني,ولكنها هذه الأجهزة فشلت في تعقب الآلاف القطع الأثرية الضَّائعة والتي نجحت مافيا الآثار في الاستيلاء عليها وبيعها,وبعد ثورة 25 يناير 2011 وكما ذكر الدكتور "عبد الرحمن العابدي" "مدير الإدارة المركزية لأثار المتحف المصري" فإنَ فرقًا إسرائيلية مدربة قد استغلت حالة الانفلات الأمني وغياب مؤسسات الدولة وهياكلهَا ،وقامت بعمليات سطو منظم على المتحف المصري القومي وسرقت أثارًا قيمة وهامة للغاية تخص فترة حكم "الملك اخناتون - وتوت عنخ أمون" كما سرقت برديات عبرية بالإضافة إلى "إنجيل يهوذا" ولم تكتفي بذلك بل سرقت أثارًا من سيناء ومتاحف الأقصر، ومناطق عدة من مصر وبذلت الحكومة المصرية بعدها جهودًا مضنية من أجل استعادتها ولكن لم تنجح إلا في إعادة النزر السير منها فقط. -أمَا البقية فتم بيعها في مزادات علنية أهمهَا "مزاد نبتز المتخصص في بيع الآثار" في أمريكا,والأمر لا يختلف كثيرًا في لبنان الذي قام الجيش الإسرائيلي بغزو أراضيه سنة1982 ولم يخرج منها إلا تحت ضربات المقاومة سنة2000 ,ولكن الشيء الذي لم ينتبه ولم يلاحظه اللبنانيون وقتها أنَ إسرائيل قد قامت بنقل كميات هامَّة من مواقع الآثار اللبنانية إليها وجعلتها جزءًا من تاريخ الدولة العبرية المزيف فحسب ما قاله "الدكتور أسعد سيف" "مسئول دائرة الآثار في المديرية العامة للآثار" في لبنان فإنَ إسرائيل سرقت أثارًا لبنانية هامة في تلك الفترة من تاريخ بلد الأرز ,وذكر بأنَ "أيقونات لملولة السورية" قامت بحجزها الجمارك اللُّبنانية في مطار بيروت وعبر مخارجها الحدودية,وأعادتها إلى سوريا ,بالإضافة لآثار عدة تخصٌّها محجوزة في لبنان حاليًا,ورغم هذه الجهود المضنية التي قامت بها إسرائيل من أجل جلب هذه الآثار والحصول عليها ،إلا أنَّ هناك من العلماء اليهود كالدكتور" إسرائيل فرانكشتاين" صاحب "كتاب التوراة والأرض" الذي يشكِّك في صحة الروايات الإسرائيلية التراثية وينفي قطعيًا أنْ يكون داوود وسليمان عليها السلام قد عاشا في ارض فلسطين، أو أنهم قد تواجدوا بها يومًا,وهذا ما يثير حنقَ وغضب صناع التاريخ اليهودي فهو ينسف كل هذه الجهود ويدحضهَا ,وإلى جانب العلماء الإسرائيليين فإنَ هناك علماء أمريكان كالدكتور "مارك ماقواين غيبسون" "عالم الآثار وعضو المجلس الأمريكي للسياسة الثقافية" وكذلك" الرابطة الأمريكية للأبحاث" في بغداد,والذي رغم علمه المسبق بأنَ هذه المنظمات مُخترقة وتخدم الأجندات الصهيونية إلا أنهُ يتواجد بها لفضح ممارساتهم وعدم ترك الساحة لهم يفعلون فيها ما يحلو لهم,فالدكتور مارك في كتاباته ومحاضراته يُؤكد على أنَ التُّراث العبري فيه الكثير من المغالطات التاريخية والَّتزييف ورغم التهديدات الإسرائيلية له بالتصفية الجسدية من أجل إسكاته مثلما فعلوا مع مواطنه الدكتور" ألبرت قروك "الذي إغتالته إسرائيل في "مدينة بير زيت الفلسطينية" سنة 1992لأنهُ رفض سرقة وتزوير إسرائيل للآثار الفلسطينية الكنعانية ونسبها إليهَا, فهذه الدَّولة الخارجة عن القانون الدولي والتي تتاجر بالآثار المهربة ،وهذا ما يمنعهُ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2199 والقاضي بمنع تهريب الآثار السورية والعراقية، أو المتاجرة بها وهذا ما تضرب به إسرائيل وأمريكا ودول غربية عرض الحائط ,ورغم الجهود الدولية المبذولة ومنها المبادرة التي قامت بها اليونسكو بتاريخ 28 ديسمبر2015 واعتباره يومًا عالميًا للتضامن مع أثار العراق تحت شعار "متحدون مع التراث العراقي" بهدف إعادة آثاره المسروقة إليه,وقدمت دولٌ كاليابان هبة تقدر ب1.5مليون دولار من أجل هذا الغرض فيما أمتعنت دول عربية عن المساعدة وكان الأمر لا يعنيهَا ,ورغم كل الجهود الدولية من أجل تقفي اثر هذه المسروقات بغرض إعادتها إلى الدول التي هربت منهَا, إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت للفشل لحد الساعة، وذلك لأنَ هناك مافيَا كبيرة تنشط في هذه التجارة التي تدر عليها مبالغ خيالية وتحميها، بل وتشرف عليها دولٌ كبرى تستفيد بشكل آو بأخر من سرقة التراث والهوية الحضارية لدول أخرى ،وتقف إسرائيل على رأس القائمة طبعًا خدمة لمشروعها العبري التوسعي الاستيطاني في قلب العالم العربي.
*كاتب جزائري