2024-11-25 08:54 م

هل سقوط المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين هو حلم ام علم؟

2016-05-17
بقلم: عبدالحي زلوم*
بعد ستين عامٍ من تأسيس إسرائيل وامتلاكها مئات القنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ والأقمار الصناعية ، بل وامتلاكها القرار السياسي لأقوى دولة في العالم تساءلت كبريات المجلات الأمريكية على غلافها (التايم 19/01/2009) “هل تستطيع إسرائيل استمرارية العيش؟”
وفي July 5/2010 – كتبت مجلة  Foreign Policy  مقالاً بعنوان Israel: A failing Colonial Project إسرائيل: مشروع استيطاني فاشل   . يصل المقال بطريقة تحليل علمية ان مشروع الدولة اليهودية الاستيطاني في فلسطين – هو مشروع فاشل وغير قابل للديمومة. وبيّن المقال أنه بالرغم من نجاحات اسرائيل العسكرية والسياسية فلن يُكتب لها البقاء بشكلها الحالي كمشروع استيطاني استعماري. وعليها أن تختار إما البقاء في حرب دائمة أو أن تصبح دولة لكل المواطنيين . ولقد رأينا أن القيادة الصهيونية  قد افرزت حكومات تزداد عنصرية وتطرفا مع الايام كلما جاءت واحدة لعنت اختها.
يقول المقال : على اي دولة استيطان لتضمن بقاءها الوفاء بثلاث تحديات. يجب أن تحل مشكلة المواطنيين الاصليين، والانعتاق عن موطنها الاصلي، وان تحظى بقبول الدول والشعوب المجاورة. ومن الواضح ان اسرائيل لم تستوفِ أي من هذه الشروط.
فلنأخذ الشرط الاول ومشكلتها مع الفلسطينيين التي بُنيت الدولة على انقاضهم. ظنت اسرائيل أنها حلت مشكلة السكان الاصليين مرّة  والى الابد حيث انه  بشهور قبل وبعد ولادة الدولة سنة 1948 كانت قد طردت 80% من سكان فلسطين الاصليين في المناطق التي استولت عليها. وبالمقابل وبتدفق المهاجرين اليهود من الاقطار العربية اصبح الفلسطينيون لا يشكلون سوى 10% من السكان . ولكن بالرغم من استمرار تدفق الهجرة اليهودية الا أن الفلسطينيين قد اصبحوا يشكلون 20% من السكان وأصبح الشعور بأن العرب من الداخل اصبحوا يشكلون خطرا على أمن الدولة. وبدأ البعض يطالب بعملية تطهير عرقي جديد أو اعادة ترسيم الحدود لتصبح الكثافة العربية خصوصاً في منطقة المثلث خارج حدود الدولة كذلك لم يتبخرالفلسطينيون  الذين هاجروا سنة 1948 حيث سكن غالبيتهم في مخيمات قريبة من الحدود في الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان والاردن – وعندما احتلت اسرائيل غزة والضفة الغربية اصبح هؤلاء اللاجئين مرّة اخرى ضمن حدود الدولة التي تسعى اسرائيل للحفاظ عليها من البحر الى النهر. وبذلك أصبح الفلسطينيون اليوم يساووا أو يزيدوا  عن عدد اليهود في فلسطين التاريخية. وهكذا اعادت اسرائيل مشكلة الديموغرافية الى المربع الاول . وهي تبتعد اكثر فأكثر عن الوفاء بهذا الشرط اللازم لبقائها. لذلك فهي تلجأ الى اعمال قاسية في الاراضي المحتلة ضد الفلسطينيين.
اًصبح واضحاً لكثيرين أن اسرائيل هي دولة فصل عنصري وليست دولة ديمقراطية حتى أن نائب رئيس الاركان الاسرائيلي غولان قد صرح بأن اسرائيل وممارساتها بدأت تشابه النازية مما آثار ضجة كبيرة ضده. كما ان الغرب ونتيجة لمثل هذه الممارسات بدأت شعوبه ببطء ولكن بثبات بتأييد الحملة المطالبه بتقليص الاستثمار والمقاطعة بل وفرض العقوبات على اسرائيل ( حركة BDS).
والشرط الثاني لديمومة المشروع الاستيطاني هو قطع العلاقة مع البلد الام ، لكن الكيان الصهيوني هو كيانٌ لقيط وليس له ام شرعية . لكن الصهيونية استخدمت بريطانياً كأمها الشرعية حتى بدات الحرب العالمية الثانية . ثمّ بدأت بالانتقال التدريجي الى أمهاتٍ اخرين ومنهم الاتحاد السوفييتي السابق ، وابتداءً من نهاية خمسينات القرن العشرين اصبحت الولايات المتحدة الام غير الشرعي للمشروع الصهيوني  الاستيطاني فأغرقت عليه المعونات وسلحته بأحدث الاسلحة بل وسمحت له بتطوير سلاح نووي واعطته الحماية من الشرعية الدولية والقانون الدولي . وهكذا اصبحت اسرائيل القوة المهيمنة في الشرق الاوسط وقوة فوق القانون. لكنها لليوم ما زالت دولة غير كاملة الاركان ولا  الشرعية ولن تستطيع العيش دون الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة وهو أمرٌ مشكوكٌ فيه. فالولايات المتحدة بدات بتقليص اهتمامها بالشرق الاوسط نحو الاهتمام في امريكا الجنوبية وشرق آسيا. الا ان هذا الاعتماد لا يمكن استمراره الى الابد فمصدر القوة هو اللوبي الصهيوني والذي بدأ الامريكيون يضجون من طغيانه. فأثنين من اشهر الاساتذة في جامعتي هارفارد وشيكاغو كتبا كتابهما  المشهور عن اللوبي وأظهرا بشكل واضح بان دعم اسرائيل المالي والسياسي والعسكري لا يخدم مصالح الولايات المتحدة وبدأت الاصوات تتعالى مشيرة الى تناقض مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الاستعماري في فلسطين.
وفي مقال كتبه الدكتور بول كريغ روبرتس في 13 ايار 2016 (وهو نائب وزير مالية في عهد الرئيس ريغن) جاء فيه: “لا يوجد أي شك ان فلسطين قد سٌرِقت من اصحابها : وهم اليوم يحاصرون في كانتونات كما فعلت الولايات المتحدة مع الهنود الحمر. والحقيقة المرّة أن اي شخص  يذكر هذه الحقيقة يتهمه اللوبي الاسرائيلي باللاسامية. لقد اتهمتُ باللاسامية حينما صرحت أن معاملة اسرائيل للفلسطينيين اللاإنسانية هي كمعاملة الجيش الامريكي لمواطني امريكا الاصليين ( الهنود الحمر). في الحقيقة أن اتهام اي شخص باللاسامية من اللوبي الاسرائيلي هو شهادة له بانه شخص ذا مستوى اخلاقي رفيع .)
مثل هذه الاصوات بدأت ترتفع خصوصاً في الجامعات الامريكية وبدأت حركات مناهضة للاحتلال مثلBDS- وكذلك اخرى من اليهود انفسهم الذين بدؤوا يستشعرون الخطر على مستقبلهم نتيجة ممارسات اسرائيل العنصرية .
أما العنصر الثالث لديمومة أي كيان استيطاني فهي قبول دول الجوار بشرعية الكيان . وفي حالتنا الفلسطينية – فإن نجاحات اسرائيل في عقد سلام مع بعض دول الجوار هي نجاحات وهمية وبلا شرعية فهي بين أنظمة تحاول الحفاظ على نفسها لانها لا تتمتع بشرعية مستمدة من شعوبها ، وستسقط هذه الاتفاقيات حال سقوط تلك الانظمة كما قال الكاتب .
وفي نفس الوقت الذي كانت نخبة من كبار المؤرخين الاسرائيليين تعقد ندوة خاصة بتاريخ 24/10/2013 في قاعة تاسفتا TASVTA     في تل ابيب عنوانها ” هل ستبقى اسرائيل موجودة بعد 90 سنة”؟ فاوض من لا يملك تفويضاً من شعبه في مفاوضات عبثية لمدة عشرين سنة لاعطاء شرعية لمن لا يستحق.
كتب إيهود سبرينزاك، الأستاذ في الجامعة العبرية يقول:
” لم تحقق الدولة اليهودية استقلالها عام1948 ، بصورة طبيعية كنتيجة حتمية لمرحلة من الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين. بل كانت ولا تزال إحدى أكثر الدول “غير الطبيعية” في تاريخ الدول حديثة العهد، والتي ظهر معظمها على خارطة العالم إبان الحقبة الاستعمارية” وأضاف:” لم تكن إسرائيل ما بعد 1948 بتلك الدولة الديمقراطية المثالية،.. فقد بقيت الأقلية العربية، التي حصلت لاحقاً على حق التصويت وانتخاب ممثليها في الكنيست، ولسنوات طويلة خاضعة للحكم العسكري الصارم…”
لو وافقنا على استنتاج أستاذ الجامعة العبرية هذا بأن إسرائيل هي مولود غير طبيعي؛ فالمرء يمكن أن يستنتج أن مثل هذه المخلوقات نتيجتها هي الموت غير الطبيعي!!
قال الجنرال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق في أحد الأيام “يجب أن تكون إسرائيل كالكلب المسعور، خطرة إلى درجة لا يستطيع أحد مضايقتها”. ما الذي ينبغي على الناس أن يفعلوا بالكلاب المسعورة يا ترى؟  بالرغم من أن هذا الكلب المسعور قد خاض حروباً عديدةً منذ 1967 الا انه لم يحقق انتصاراً في أي منها !
حسب احصائية “المراقب الفلسطيني Palestine Monitor ” دمر الكلب المسعور 3500 منزل فلسطيني تدميراً تاماً ، 2800 منزل اصيبو بأضرار كبيرة وأكثر من 16000 منزل بأضرار بسيطة ، هذه المنازل كانت مسكناً لاكثر من325000 مدني فلسطيني ، الاسلحة التي استخدمتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين كانت ضمن الاقوى والاخطر التي تمتلكها الدولة الصهيونية ، طائرات الـF15   والـ F16 ، والاباتشى ، والطائرات دون طيار ، الدبابات الميركافا ، والزوارق البحرية ، القذائف والصواريخ ، هذه الاسلحة احتوت أيضاً على اسلحة محرم دولياً :” الفسفور الابيض ، ذخائر تحتوي على DTME بالاضافة الى قذائف الفلتشيت “Flechette” والتي تنثر الاف الاسهم المعدنية لمئات الامتار ممزقة كل شي في طريقها .”
صديقي الدكتور منار الفرا اهداني كتاب أخية السيد مشير الفرا والذي وثّقَ وحوّلَ ارقام الضحايا الى حالات انسانية للمعاناة التي نتجت عن العدوان على غزة في كتابه ” غزة موعد مع البركان “. وهذه احدى الحالات الانسانية التي وثقها الكتاب :
“لم يكتف الجيش الاسرائيلي بارتكاب هذه الفظائع بل اضاف اليها إعدام العديد من المدنيين بدم بارد كما هو الحال مع بنات عبد ربه وجدتهن ، تذكر والدهن خالد عبد ربه مقتلهن وعيونه تملؤها الدموع : كنا داخل منزلنا عندما اتخذت الدبابات الاسرائيلية موقعا بالقرب منّا في اليوم الرابع للحرب البرية .. نادى عليّ جنود الاحتلال بمكبرات الصوت للخروج فخرجت من المنزل مع والدتي البالغة من العمر 62 عاماً ، وخرجت زوجتي وبناتي الثلاث ، كنا جميعاً نرفع قطعاً بيضاء من القماش ، مشينا عدة خطوات ، امرنا جنديان ان نتوقف ، بعدها بلحظات خرج جندي ثالث من الدبابة وبدأ في إطلاق النار من رشاشه بإتجاه بناتي .. حملت بناتي ووالدتي الجريمة داخل المنزل،  واتصل اخي لاحضار عربة اسعاف ، وسمعنا صوت الاسعاف يقترب ، ولكن فجاة اختفى الصوت ، نظرت من الشباك فرأيت الجنود يضربون طاقم الاسعاف وبعدها دمرت عربة الاسعاف . في هذا الوقت كانت ابنتاي( أمل) ذات العامين و ( سعاد) ذات السبعة اعوام قد فارقتا الحياة ” .
 رغم تكرار سيناريوهات الهجمات الدموية التي شنتها إسرائيل على القطاع في حربي 2008/2009  (عملية “الرصاص المصبوب”) و 2012 ( عملية ” اعمدة السحاب،   جاء حجم الهجمات الاسرائيلية وعنفها صادماً لكل التوقعات. فخلال الثمانية وأربعين ساعة الاولى للحرب ، بحسب بيانات داخلية غزة ، شنت إسرائيل ما يقرب الــ500 غارة استهدفت 322 هدفاً منها مقار جهاز الامن والحماية وجهاز الامن الداخلي وشملت البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات ، بينما تمكنت صواريخ المقاومة الفلسطينية من الوصول الى مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ ( فجر 5) اطلقته سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الاسلامي ، وفي وقت لاحق اعلنت كتائب القسام عن قصفها لمدينة حيفا شمال فلسطين ولأول مرة بصاروخ “ر60