2024-11-27 05:50 م

ازدواجية الغرب وتمدد «داعش»

2014-08-12
محمد بلوط
استنفار أوروبي لمد إقليم كردستان العراق بالأسلحة. الاستنفار أعلنه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في رسالة إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون، تستعجل جمع وزراء خارجية الاتحاد للاستجابة إلى طلبات كردستان، التي لا بد منها لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» في شمال العراق.
الاستنفار الفرنسي يكشف عن جبهة أوروبية تندفع للحاق بالولايات المتحدة، لمنعها من الانفراد بالتدخل في شمال العراق، الغني بالنفط والأقليات، بعدما أطلق سرب أميركي أربعة صواريخ على رتل تابع إلى «داعش» في منطقة سنجار، أملاً بوقف المذبحة ضد الأيزيديين والمسيحيين.
الطلب الفرنسي يستند إلى لائحة طوارئ طلبها «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني، كما قالت رسالة فابيوس، ومن بينها جسر إنساني جوي، ومساعدات لبناء مخيمات تستقبل النازحين من ايزيديين ومسيحيين، من الموصل وسنجار. لكن أهم ما فيها هو تبني طلب تزويد البرزاني بأسلحة ومعدات لمواجهة «دولة الخلافة»، التي وصلت طلائعها إلى 30 كيلومتراً إلى الغرب من اربيل، عاصمة الإقليم.
ويبدو التدخل الغربي بالتسليح، والأميركي بالغارات الجوية، عاجلاً، بعدما كشف الصدام الأول بين «دولة الخلافة الإسلامية» وقوات «بشمركة» البرزاني، في جبل سنجار خاصة، عن تفكك القوات الكردية السريع، وانسحابها المرتبك والفوضوي من خط الدفاع الأول عن القلب الحيوي لكردستان، من زاخو غربا، فدهوك شمالا، فأربيل شرقا، تاركة خلفها أكثر من 300 ألف كردي أيزيدي في مهدهم التاريخي، طعماً لسكاكين «داعش».
وأعلن حلف شمال الأطلسي انه يدرس خططاً لمساعدة تركيا على مواجهة أي تهديد لـ«داعش»، علماً أنه يعمل بصورة شبه علنية في الداخل التركي تجنيداً ومدداً نحو الأراضي السورية، دونما أدنى اعتراض من حرس الحدود التركي. وتؤكد مصادر كردية أن المئات من مقاتلي «داعش» تدفقوا عبر تركيا نحو الموصل، قبل يومين من «غزوة الموصل» مطلع حزيران الماضي.
ومن دون تدخل قوات «الاتحاد الديموقراطي الكردي» ما كان من الممكن استيعاب هجوم «داعش»، في سنجار التي سقطت. واضطر الأكراد السوريون إلى التوغل في جبل سنجار بعمق 30 كيلومتراً، وسيطروا على الطريق بينه وبين ربيعة، لإعادة تنظيم صفوف الايزيديين في لجان شعبية، وترتيب أعمال المقاومة، وتأمين خروج الآلاف من النازحين نحو الأراضي السورية، وبناء خط دفاع جديد عن الحسكة السورية، التي بات «داعش» يشرف على خط حدودها مع العراق، ويفصلها كلياً عن دير الزور والرقة المجاورتين.
ويبدو التهديد بمذابح جديدة كبيراً، مع وصول 150 ألف أيزيدي إلى منطقة تل كوجر، والرميلان، التي أقيمت بالقرب منها مخيمات لاستيعابهم.
ويبدو أن خط تقدم قوات «داعش» يتبع خطاً موازياً لخريطة آبار النفط وحقوله الأساسية، في سوريا والعراق. إذ أدى انهيار «البشمركة» إلى انفتاح الطريق واسعاً أمام تقدم «دولة الخلافة» نحو حقول الرميلان النفطية السورية، التي باتت على مبعدة 30 كيلومتراً، عن مواقع «داعش» في العراق، بعد سقوط سنجار. ويبدو أن هذه الحقول تشكل الهدف الأساسي، وهي حقول سيطر عليها، منذ عام ونصف العام، «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، وقال إنه دخلها لمنع وصول «جبهة النصرة» إليها. ويعد الرميلان أكبر حقول النفط السوري الذي لا يزال بحالة جيدة، إذ كان ينتج 170 ألف برميل نفط يومياً.
وفي مرحلة الاستعداد لتوسيع التدخل بالتسليح والقصف الجوي، يجري العمل على منع استفادة النظام السوري من أي نتائج إيجابية لإضعاف «الدولة الإسلامية» على المقلب العراقي. ويشكل صوغ استراتيجية تقتصر مفاعيلها العسكرية والسياسية على «داعش» العراق وحده، تحدياً جدياً لأي تفكير عسكري يسعى إلى الإضرار بالتنظيم في سنجار والموصل وحماية آبار النفط ومصالح الشركات الغربية، ومنع سقوط بغداد واربيل، والاستفادة منه في المقابل في الحسكة ودير الزور والرقة القريبة.
وبمعنى آخر، ينبغي التوصل إلى معادلة تدخلية دقيقة، تتفادى نشوء تحالف أمر واقع ضد الإرهاب، على قاعدة عدو عدوي صديقي، ينضم إليها بشكل غير معلن «الخصم السوري» ويستفيد منها. إن أي استراتيجية غربية، أو أميركية، تضعف «داعش» في سوريا، ستصطدم بتركيا، التي تدعم «الدولة الإسلامية» في عملياته ضد الأكراد في الحسكة وعين عرب (كوباني)، وتستنزف الجيش السوري في الشرق وحول حلب.
ويقول مصدر عسكري فرنسي إن التفكير يتجه إلى منح الأتراك دوراً أساسياً في قيادة العمليات عبر قاعدة «انجيرليك»، كضمان لعدم تجاوز مصالحهم، في عمليات تستهدف إجبار «داعش» على الانكفاء إلى معاقله السورية مرة ثانية، وعدم التعرض لأرتاله المتجهة إلى سوريا.
وقبل وصول «داعش» إلى تهديد أربيل ومصالح شركات «شيفرون» «واكسون» و«توتال»، كانت الاستراتيجية التركية والغربية لا تزال قادرة على التعايش مع التنظيم في المنطقة. فمن الجانب الغربي، بدأ تقدم «داعش» يهدد استثمارات الثلاثي الغربي النفطي في إقليم كردستان، الذي تحوّل إلى لاعب أساسي في العراق، كما بدا في تمرده على المركز العراقي، وعقده صفقات مع اربيل متجاهلا بغداد رغم تفوق نفط الجنوب على نفط الشمال كمياً ونوعياً.
ولا يشكل تقدم «داعش» تهديداً لاستمرار الإمدادات النفطية وحده دعوة للتدخل، بعيداً عن دعاوى حماية الأيزيديين أو المسيحيين، الذين لم يتحرك أحد لحمايتهم عند سقوط الموصل، بل إن الهدف الأوسع للتدخل هو حماية ما أنجزه الغزو الأميركي منذ أكثر من 10 أعوام، بضمان السيطرة على حوض الاحتياطي العراقي، الذي يضم ما يقارب 200 مليار برميل، من بينها 45 مليار برميل من الاحتياطي الكردي.
أما من الجانب التركي، فقد استطاع هجوم «داعش» على كوباني أولا، ومن ثم على سنجار، وتهديد كركوك، جر «حزب العمال الكردستاني» إلى فتح جبهة جديدة في العراق وسوريا، وإجباره على إرسال مقاتلين من معقله الأساسي في جبل قنديل العراقي المكرس لقتال الجيش التركي، للتورط في حروب داخلية بعيدة، تدعمها الاستخبارات التركية. إذ وصل المئات من مقاتلي وكوادر جبل قنديل إلى جبهات جلولاء، وكركوك، وسنجار، ومخمور. بل إن «داعش» تقدم نحو مخمور، التي أخفقت تركيا طويلا في إغلاق مخيمه الشهير، الذي يضم عائلات العشرات من مقاتلي «الكردستاني»، بعد تهجيرهم مطلع التسعينيات من قراهم في الأناضول التركي القريب. ووصل المئات من مقاتلي «الكردستاني» لمنع «داعش» من دخول المنطقة، فيما وصل المئات من المتطوعين الأكراد الأتراك إلى كوباني للدفاع عنها، بعدما شارفت على السقوط بيد «الدولة الإسلامية».