2024-11-25 11:50 م

ثورات مصرية .. وتصورات مصيرية !!

2014-02-25
بقلم : أمير شفيق حسانين
لا يساورك الشك للحظة أو يغازلك التردد لبرهه أو تهزمك بصيرتك لجزء من الثانية ، بأن ما حدث بمصر كان معجــزة سمـاوية وإلهـام رباني للبشـرية ، ودعـوات صالحة مستجابة ، ولعـنات متصببه حارقة للضيم والظلم والظلام ، لأن تنفجـر في مصرنا الصابرة ثورتين متتالتين بحجم هاتين اللاتي قامتا منذ سـنوات قلية ، أملا في تصحيح مسـارا رئيسيا في وجه الوطن ، كان معوجا عن آخره ، بل كان علي حافة الهلاك  ويهلك الجميع بسببه . ولك الحرية - عزيزي - أن تتفق معي أو تختلف وتجادل ، أنه ما إشتعلت شرارة تلك الثورتين من شيئ من فراغ ، أو كان ذلك حبا وتشوقا نحو استعراض عضلات هذا الشعب المسالم المسكين ، أو كان لوجود الرغبة الحاضرة في عمل بروفة لفيلم كبير يحمل سيناريوعن العنف والفوضي والقتل والدم مثلا ، لأن قوة شعب مصر تكمن في عقول أبنائه ليبنوا المجد ، ولا يستخدمون القوة القاتلة إلا ضد العدو الغاشم .
 ولتكن علي علم ويقين أن اشتعال تلك الثورات الحاشدة ، كان نوع من التعبير الحقيقي والحامل للشعوراللارادي عن حالة فيضان بركاني طافح بالغضب الشعبي ، مطعما بالعصيان الجماعي والمأساوي الذي لا يرحم ولا يبقي ولا يذر ، والأسباب كانت تتزين في غياب أدني مقومات العدالة الاجتماعية ، والحرص المستميت من أنظمة الحكم السابقة علي قمع الحريات ، وسماحهم  بتعدد وجوة الفساد في شتي قطاعات الدولة وسكوتهم عن ذلك ، وأضف لذلك كثرة الاعتقالات والزج بالمظلومين في غيابة الجب بدون أي تهم تسند لهم ، وكان ظهور بوادر أزمات اقتصادية مستعصية من الدوافع الهامه لاندلاع غضب الناس في الشارع المصري لأجل عزل الحكومات الفاشلة الخائبة ،، في حين نجح إعلام الأنظمة السابقة في تزيين الصورة النحيلة الهزيلة لوجة الوطن ، لكي نراها عكس ذلك تماما ، وأتقن الإعلام الحكومي وصفه الوهمي لأحـوال الدولـة ومواطنيها ، حتي هـيئ لي ولك ولغيرنا ،  وكأننا نعـيش داخل تلك المدينة الفاضلة ، منتعشة الاركان والمؤسسات وخلافه !!
قامت ثورتي مصر لأجل الأمل في البحث عن كيفية الترقي بحال ووضع وكيان وهيبة وحقوق المواطن المصري ، صاحب وساكن ومالك ومستوطن هذا الوطن العزيز ، ولأن أهل مصر البسطاء استشعروا أن الأحوال لا تزداد إلا تخبطا وخزي ، وأدركوا أن قرارات حكوماتهم باتت لا تزحف إلا نحو التدني  ، وأنه إذا لم يعد مطلوبا إلا الوقف الفوري لهذا الانكسار الذي احتوي كيان مصر ، وعليك أن تتصور هيئة هزال الحال المعيشي الذي عاني منه الكثيرون ، ولا تجد الأقلام نفسها إلا عاجزة عن وصف آلام  شعب صاحب حضارة وتاريخ عظيم ، وبات يشتكي ولا يسمع لشكواه !!
شيئ يحزننا لو كانت مصر ، يعدها العادون أنها من قلائل الدول التي طالما ما تقدم حالها إلي الأسوء ، وساءت حالتها إلي الأمام بنجاح . وإذا اجتهدت - معي - في البحث والتنقيب والتفتيش في حال أهل مصر ، ستجد فيهم من يعاني من الفرقة النفسية ، وتستشعر قطاع آخر في حالة شتات ذهني مستمر ، وتراقب مجموعة ثالثة في إنشغال وحدوي ، لكل فرد علي حده ، ولا يريد التوحد مع الآخر في أي مسأله أو أمر يخص الجماعة . نعم الكل يريد أن يضع كلتا يديه ورجليه في المياة الباردة ، ويتنصل من أي دور أو مسئولية تجاة الوطن ، ولهذا وصلنا إلي ما نحن فيه الآن . 
ثلاثون عاما وازدادوا عاما آخر ، والمصريون البسطاء ، ومعهم أبناء الوطن يعيشون حالة جهل مزمن وعجز معرفي بكل ما يحدث حولهم من قرارات تتخذ مستقبلهم وبنود تسطر وتخص دستور بلدهم ، ومستقبل أولادهم وأحفادهم ، وغالبا تراهم في تغيب كامل عن أي مشاركات سياسية حقيقية ، وإن كان معظمهم يحمل الكارنيهات اللامعه ، وعليها الإختمام والتوقيعات البارزة لكبار السياسيون ، لمجرد أن يقنع نفسه ، ويقتنع عقله أنه ضليع في الحديث بالسياسة ، أو أن يثبت ورقيا للآخرين أنه ينتمي لهذا الحزب الكبير أو يدعي أنه ذات دور مؤثر في أنشطة تلك الجمعية المعروفة . 
 ثلاث عقود من الزمن ، ومصريو مصر يشعرون وكأنهم غرباء السكن والمأوي في وطنهم ، حتي أن الاثرياء منهم طاروا إلي الدول العربية والاجنبية ، تاركين الوطن بهمومه ليبحثوا عن حياة كريمة وعيشة راقية بأموالهم ، لاجئين إلي الترفه والتمتع ،    أما المساكين فلهم رب يحميهم ويستر عنائهم ، ويمنحهم مبدأ الاقتناع بالقليل. 
سنوات تمر وتنقضي و يخلفها سنوات آخري ، ولا تشاهد فقراء العامة إلا في عزلة تامه عن أي درايه بالحالة البائسة التي وصل لها اقتصاد البلاد ، حتي ضجت صدور المصريون بكل ما هو يجبر علي العصيان والإباء والصياح غضبا وسئما وسخطا ، وكشفت أنفس الغلابة - بعد صبر مرير- عن كم واسع من الغضب والعنف والكره للكذب التي لا يتوقف ، وكان الطبيعي أن يزهدوا الانصات إلي الاسطوانه المشروحة التي تدعي أن الحالة المصرية في خير واستقرار ونماء ، فتراهم وقد سدوا آذانهم عن سماع الكلام المعسول المكذوب ، بأن مصر لا تعاني من أي خلل أو إخلال ، ولكن الأمور في الحقيقة المؤلمة باتت تكذب هذا وتغرب الوجه النحيل عن ذاك .
 ليس غريبا أن تري أعدادا هائلة  من شباب الاقاليم والأرياف يسافرون يوميا إلي القاهرة ومدنها الصناعية لأجل العمل ولقمة العيش ، وأنت تراقبهم يتحسسون الأحذية قبل ظلام الفجر ، لإرتدائها ، ثم التحرك في هرولة للحاق بأتوبيس العمل ، ويقضون يوما شاقا ما بين تعب السفر اليومي ، ثم الوقوف لساعات طويلة في مكان العمل ، إلي أن يعودوا لبيوتهم يتكففون في ظلام الليل ، منهمكي القوي ، معدمي الجهد بعد قضاء أكثر من ستة عشر ساعة  خارج بيوتهم ، ولا عجب - إذن - إذا علمت أنهم لا يرون ضـوء النهار في بيوتهم أو أن يجلس أحدهم ويجالس أهل بيته إلا يوم راحتهم الاسبوعية فقط ، وقد تعود أن يري أحد منهم ، إلا وهم نائمون ، وكل ذلك لأجل العيش حياة مستورة تخلو من أي أنواع الرفاهية أو الثروة !!
حكومات تأتي بها ثورات ، وأخري تطيح بها أزمات وهفوات وعورات ، وما كان لمعارض أن يستكثرعلي الثوار أن يهبوا علي قلب رجل واحد ، ليصنعوا حالة من الوحدة والتوحد والتواجد الحقيقي ، لأجل أمر فرض نفسه وذاته وبات يهم الجميع بلا استثناء .
نجحت السياسة الماكرة لأنظمة الحكم المصري السابقة ، أن تجعل كل فرد في الوطن لا ينشغل إلا بكيفية الهرولة علي لقمة العيش ، والتكالب وراء كسب المال للانفاق علي ذويهم ،  حتي اضطر الماكرون وأصحاب الحيل والمتفوهون من أبناء الوطن إلي مجاملة رؤسائهم بالعمل بالهدايا وما هو أكثر ، ومسايسة أصحاب الأعمال الخاصة واستعطاف مالكو الشركات ونفاقهم وأحيانا الموافقة علي العمل كجواسيس علي زملائهم لنقل كل ما يدور داخل مؤسسة العمل وينقلونه لأصحاب العمل حرفا بحرف ، وإن فعلها ناقل الكلام ينقله مضطرا وعن غير طيب خاطر . 
 أصحاب الدخول الهزيلة ، لم يجدوه عيبا أن ينظروا بعين الحسرة والطمع إلي هؤلاء الذين يعملون بالقطاعات الحيوية بالدولة ، ويتقاطون أجورا فلكورية وأهراماتيه ، في الوقت الذي منهم وفيهم وبينهم ، من لا يزالون يعملون بنظام اليوميات الفقيرة ، مثل بعض معلمو الاجر الذين يتقاضون مبلغ جنيهان فقط مقابل الحصة الدراسية الواحدة داخل المدرسة . وكذلك موظفي العقود الميته الذي يترواح دخلهم ما بين مائة وخمسون جنيها ومائتين ، وقد ارتضوا بهذا القليل جدا علي أمل التثبيت الحكومي مظلم الأفق وكأن التعيين الحكومي صار أقصي أمنيه لكل مصري ضعيف الدخل . 
شيئ يدعوك للعجب والحزن معا أن تعرف أن كثيرا من رجال الأعمال الذين قويت شوكتهم داخل سوق العمل ، وازدات مؤسساتهم ضخامة وتوسع ، لا تجدهم ينصتون   لما جاءت به الثوره من حق العامل البسيط في التكريم آدميا وماديا داخل مصنعه أو مؤسسته التي يعمل بها، ستسألني كيف ؟ وتتهمني بالظلم والتجني علي أصحاب الأعمال.  ولكنك ستفاجأ بي ، أقول أن كثيرا من قطاعات العمل الخاص المصرية لا تبرم عقد عمل بينها وبين عمالها ، وإنما يتم تعيينه شفهيا فقط بنطق اللسان ، وكذلك لا تطبق عليهم أيا من التأمين الصحي أو الاجتماعي ، ولا تسمح لهم برصيد أجازات من أي نوع مهما كانت خبرته أو شهاداته أو ظروفه !!
 وتري في حال القطاع الخاص بالأخص أن غياب العامل من عمله ليوم أو أكثر، ومهما أظهر من ظروف طبيعية أو آخري قهرية لبيان سببه غيابه ، فالعامل يتحمل ضريبة غيابه وقتيا وتخصم أيام الغياب من راتبه في الحال ، ثم توجه له قائمة طويلة من الانذرات التأديبية غليظة اللهجة سواء الكتابية أو الشفهية ، وربما يوقع عليه الجزاء    أشد قليلا ، فيكون غياب اليوم الواحد ، بأجر ثلاثة أيام كاملة من الخصم ، وحينئذ لا تري صاحب العمل ينظر للعامل المتضرر بعين الرحمة ، ويخضع العامل للجزاء الذي يوقع عليه والذي يراه خفيف الضرر ، من أن يؤذي كرامته ويضيق صدره بسيل  الشتائم الهائل الذي ينطلق كالمدفع من لسان صاحب العمل !!
أخطاء تسربت داخل تنظيم السوق العمل المصري منذ زمن كبير ، حتي أصبحت تري الأميين يمتلكون ويديرون بأنفسهم كبري المؤسسات التي تختاج لمتخصيين ، وعلي علم كبير ووعي لإدارتها. حتي أن صديق لي حكي ذات عن صاحب أفران عيش بلدي ، بني مدرسة خاصة وصار رئيسا لمجلس ادارتها ، وقد فعل فعلته مقاول كان يرتدي الجلباب البلدي ثم خلعه وارتدي البدلة الكاملة والبالطو باهظ الثمن عندما صار صاحبا ومتصرفا عن مدرسة خاصة ومستشفي وخلافه ، وترك مهنة المقاوله التي تفكرة بأيام الشقاء التي يدعو عليها ألا تعود !! 
أما موظف الحكومة المصري ، فلا يتوقف لسانه عن الشكوي من تدني دخله ، وقلة الزيادات السنوية علي راتبه الذي يراه بسيطا ، ولا يكفي لقضاء مصروفات أسرة تتكون من أقل عدد من الأفراد . ورغم ذلك تري نظرات الحسد والغيرة تتصوب نحو موظف الحكومة الذي يعاني كغيره من حال مصر ، وكأن من لا يعرف يعتقد أن موظفو الحكومة منعمون عن غيرهم . وتجد موظف القطاع الخاص والفلاح وصاحب العمل الحر يتمني أن يكون موظفا حكوميا ولو بأقل الدخل ، لرؤيتهم أن العمل بالحكومة هو الضمان الأكيد لمستقبل صاحبه ، ولا سلطان عليه أو تسلط من أحد ، وكثيرا ما توجه نظرة حسد حارقة إلي معظم موظفي الحكومة بمصر، بسبب كمية الفراغ الوقتي الشاسع طوال يوم عملهم لقلة ما يسند إليهم من أعمال ، ووجود زيارة كبيرة في عدد الموظفين .
أما الفلاح المصري ، فحالة لا يختلف كثيرا عن موظف الحكومة الذي لا يئن من الشكوي ، أو عامل القطاع الخاص الذين يتحمل لانعدام الدخل البديل للانفاق علي ذويه. وللعلم أن الفلاح المصري كان ولا يزال صاحب الدور الأهم في المجتمع ، وكان يحق لمن يمتلك فدانين أو أكثر من الأراضي الزراعية أن يقوم ببناء قيراط أرض علي رأس ما يمتلك ، ولكن مع الوقت وتفشي الازدحام السكاني في مصر اضطر كثير من أصحاب الاراضي الزراعية أن يبني علي أراضي زراعية مخالفين للقانون ، ولديهم الاستعداد أن يواجهوا الامر الغير قانوني أو يدفعوا الغرامة ، خاصة وأن في مصر مثل تلك القضايا تظل في المحاكم سنوات كثيرة حتي يحكم فيها القضاء ، وربما بالبراءة .  
كان المتوقع من تلك المعاملات الصعبة من جانب أصحاب الأعمال المصريين أن يضجر منهم شباب الوطن ، ويتحرون الفرص الأفضل عندما تأتي للفوز بها ، ولكنها  باتت معدومة الوجود في ظل الأيام الحرجة التي نحياها بسبب مخلفات وآثار الثورات من تخريب وحرق وقتل ودهس لا يتوقف . 
ولذا عندما دب اليأس وتطاول الاحباط النفسي في صدور الشباب وكاد أن يقتل فكرهم ، بدأوا يفيقون من غفلتهم ، ويلملمون ما تبقي فيهم من جهد متناثر ، وعزموا علي أن يقتلوا الكسل الذي استشري فيهم ، ويودعوا تراب الوطن ، ومن ثم يتسربون خارج مصر أفرادا وأفواجا وجماعات ومجموعات إلى شتى دول العالم ، بهدف الثراء ، لأنهم وجدوا أن السفر والعمل خارج مصر هو السبيل الوحيد والمضمون لجمع المال الكثير وتحقيق الثراء الفاحش في أسرع وقت ممكن . 
ثورات قامت لأجل الاصلاح والتغيير، ولأجل حل أزمة مصير لملايين المواطنين ، شارك فيها الثوار من كافة فئات المجتمع ، خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، يسبقهم كل هذا المطالبة بتوفير الغذاء الآمن لأجل الحياة .. مجرد الحياة حتي يأتي الأجل ، ويلحقوا شهداء الوطن علي خير.. ولأجل مصير أفضل .. الكل ينتظر ثمار الثورات التي تحاكي بها العالم وزعمائه .. ثورات العزة .. ثورات الكرامة والمستقبل المشرق القادم ... القادم بالخير !!