2024-11-25 06:51 م

نعم ...انها حرب على "ثقافة القومية العربية"

2014-02-16
بقلم: معن بشور*
ليس جديداً على أبناء الأمة العربية ان يعرفوا من سياسي فرنسي بارز حضر ندوة دولية في لندن حول الشرق الأوسط، انه سمع من مشارك اسرائيلي بارز كلاماً يقول" ان لا تسوية ولا صلح ولا سلام مع ثقافة "القومية العربية".

فهذا الكلام الذي كشف عنه الصحافي البارز جان عزيز في مقالة له في جريدة "الاخبار" في 11/2/2014 جاء على لسان المسؤول الصهيوني بعد ان وجّه المسؤول الفرنسي السابق اسئلة منهجية من نوع "ماذا نريد من اسقاط سوريا؟ ولصالح اي بديل مقبل؟" وذلك بعد ان فوجئ هذا المسؤول الفرنسي "بالندوة الاوروبية" حول الشرق الاوسط، كما جاء في الدعوة الاصلية تتحول الى ندوة يشارك فيها أمريكيون واسرائيليون وتنحصر مداولاتها بسوريا تحديداً، "وبشكل خاص كيفية تكوين تحالف امريكي – اوروبي – اسرائيلي هدفه اسقاط دمشق في اسرع وقت".

واللافت في موضوع الندوة وتاريخ انعقادها في شباط/ فبراير2011 الذي سبق الاحداث السورية، وقبل ان تنجح "الاجندات الخارجية" في استغلال "المطالب المشروعة" وفي تغليب الخارجي من العوامل على "الداخلي" منها، وفي طغيان الخطاب "الطائفي" على الخطاب الوطني والقومي، وفي "سيطرة العنف والارهاب" على الطابع السلمي والديمقراطي للاحتجاجات، وهذا ما حذرنا منه منذ بداية الاحتجاجات.

وليس جديداً هذا الحقد القديم – الجديد على القومية العربية الذي يتحكم بالسياسات الاستعمارية والصهيونية وملاحقها المحلية، فقد رأينا هذا الحقد، وعلى امتداد عقود طويلة، في الحرب المستمرة على كل تطلع قومي، وسلوك وحدوي، ولغة عربية جامعة، لكن الجديد هذه المرة هو في التركيز على "ثقافة القومية العربية" وليس فقط على القومية كهوبة ورابطة، او كأنظمة وحركات، او كبرامج ودعوات.

لماذا هذه الحرب على ثقافة القومية العربية؟

انها الحرب على ثقافة جامعة لكل المكونات التي يتشكل منها الوطن العربي الكبير الممتد من المحيط الى الخليج، ومن جبال طوروس وخليج الاسكندرون في الشمال الى جبال اليمن وساحل عمان في الجنوب، سواء كانت المكونات دينية او مذهبية او عرقية، بل هي الثقافة التي ساهم في بنائها وترسيخها وأعلاء شأنها عرب مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون عرب وغير عرب.

والحرب على "ثقافة القومية العربية" هي ايضا حرب على الخندق الأخير الحافظ لهوية الامة واستقلالها، والحاضن الأشمل لنهضتها وتنميتها وتجددها الحضاري، خصوصاً بعد ان نجح اعداء الامة في حروبهم ضد أنظمة وأحزاب وحركات، وشخصيات قومية عبر "شيطنتها" والصاق أبشع التهم بها وشن حروب شرسة ضدها، مستغلة دون شك في حروبها واتهاماتها تلك أخطاء وخطايا وقعت بها هذه الأنظمة ، والاحزاب والحركات، وحتى الشخصيات.

والحرب على "ثقافة" القومية العربية هي حرب على العقل العربي نفسه، كما على العقلانية التي تحصن رؤانا من الضبابية، وتحرر سلوكنا من العصبوية، وتحول دون انزلاق علاقاتنا المجتمعية الى آتون الاحتراب.

الحرب على ثقافة القومية العربية هي حرب على الاسلام الذي أطل على الانسانية بلسان عربي، ومن خلال نبي عربي، ومن أرض عربية ، انها حرب على الاسلام الذي شكل محتوى روحياً وثقافياً وحضارياً للعروبة، تماماً كما شكلت العروبة وعاء جامعاً تجلّت من خلاله فضائل الاسلام السمح وفي مقدمها الانفتاح والتواصل مع كل الرسالات السماوية الاخرى لا سيّما المسيحية منها التي حمل مؤمنون بها رسالة النهضة العربية، فحفظوا في أديرتهم لغة القرآن الكريم ونشروا ثقافة العرب في كل اصقاع العالم، بل ان الحرب على ثقافة القومية العربية هي لتدمير الجسور بين المسلم والمسيحي من جهة، وبين المسلم والمسلم من جهة ثانية فاذا كان الاسلام هو دين توحيد في السماء، فالثقافة القومية العربية هي ثقافة وحدة على الارض.

بل ان الحرب على "ثقافة القومية العربية" هي حرب على الجذر الاصلي لكل مقاومة عربية، سواء كانت مقاومة لاحتلال الارض او لاحتلال الارادة، وأياً كانت راياتها العقائدية وسياسية، اسلامية او يسارية، ليبرالية او وطنية، ما دامت وجهتها هي فلسطين وكل ارض محتلة او ارادة مستلبة او موارد منهوبة.

فتدمير ثقافة القومية العربية (والتي تعاقبت على تدميرها دول كبرى، ومراكز دراسات وأبحاث، وأجهزة اعلامية، ومثقفون باعوا اقلامهم وعقولهم، والتي جرى تشويهها بمختلف السبل والوسائل مستغلة دون شك ثغرات وعثرات وامراض نخرت بالحركة القومية العربية) هو الذي يفتح الباب واسعاً امام ثقافة التفتيت والتقسيم والتشرذم، ثقافة اطلاق الهويات الفرعية والعصبيات الفئوية على حساب الهوية الوطنية والقومية الجامعة.

ومن هنا فكل قوى النهضة والاستقلال والتنمية والحرية والعدالة في الامة، أيّاَ كانت جذورها العقائدية، مدعوة الى ان ترى ان مهمة الدفاع عن الثقافة القومية العربية هي مهمة جماعية تصغر امامها كل مهمة أخرى أو هم آخر، لا سيّما اذا كان في ذلك الهم تغليب للذاتي على الموضوعي ، وللشخصي على الوطني، وللحزبي الضيّق على الوطني الواسع، وللفئوي المحدودعلى القومي الشامل.

*المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية