أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الأحد بيانًا دعت فيه إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري. وأشار البيان إلى أن هدم نظام المخلوع بشار الأسد الاستبدادي كان مكلفًا وصعبًا.
ودعت الجماعة إلى التكاتف لبناء دولة العدل والقانون على قاعدة السواء في الوطن في هذه الظروف المحيطة.
وأكدت الجماعة أنها تمد يدها إلى حكومة تسيير الأعمال برئاسة محمد البشير، وتقدم كل إمكاناتها لبناء الدولة السورية، ومؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
وطالبت في بيانها، بأهمية الإسراع في بناء مؤسسات دولة مستقرة ترتكز على القاعدة الشعبية الثورية التي قادت عملية التغيير. وشددت الجماعة على ضرورة أن تضم هذه المؤسسات تمثيلاً واسعاً لمختلف شرائح الشعب السوري لتحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة.
وبشأن القرار الأممي 2254، قالت الجماعة إنها تدرك أن الجزء الأول من القرار والمتعلق بإنشاء إدارة انتقالية بالمشاركة بين المعارضة والنظام لم يعد قائماً بعد سقوط النظام، ولكن البلاد ما زالت بحاجة إلى دستور جديد وانتخابات حرة.
دعت الجماعة إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري، ريثما يتم تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد يحافظ على هوية البلد ويصون حقوق جميع المكونات. يتبع ذلك إجراء انتخابات حرة تشريعية ورئاسية.
دعوى قديمة
وفي عام 2017 أطلق عدد من الثوار السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لدعم الدستور السوري عام 1950، بديلا عن دستور 1973 المعمول به في نظام البعث.
وقالوا إن دستور عام 1950 هو الدستور الوحيد الذي تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة واستطاع أن يمثل جميع الأطياف السياسية والدينية والعرقية، وبآلية ديمقراطية، واعتمد نظاما برلمانيا يقوم على التوازن والتعاون بين السلطات، وهي ضرورة حكمت ظروف المرحلة السائدة آنذاك.
لكن دستور 1950 لم يعمل به طويلا، فسرعان ما غير مع انقلاب حزب البعث، وتولي حافظ الأسد الحكم عبر انقلاب عسكري.
فصاغ على مقاسه لأول مرة الدستور 1973، وظل بدون أي تعديل إلا في استثناءين اثنين، الأول عام 1981 للتخلي وقتها عن علم اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، وقد ترك الأمر يوم إذ لحافظ لاختيار العلم البديل.
أما المرة الثانية التي عدل فيها الدستور فكانت عام 2000 لتعديل السن القانونية لرئيس الجمهورية من سن الـ40 إلى 34، بما يتناسب عند تلك المرحلة مع سن بشار الأسد لتوريثه الحكم الذي بقي على رأسه، متمسكا بذات الدستور حتى عام 2012.
وعقب انطلاق الثورة السورية قام بشار بإجراء تعديلات شكلية، ولم ينفعه إلغاء المادة الثامنة التي يحتكر بموجبها حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع والدولة.
وفي عام 1950، وضعت سوريا "دستور الاستقلال"، وهو أول دستور مدني من نوعه للبلاد. اطلعت اللجنة المكلفة بصياغته على 15 دستوراً أوروبياً وآسيوياً للوصول إلى "أرقى المعايير الممكنة".
وجاءت المادة الثالثة من الدستور لتحدد أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع"، وهو ما استمر في الدساتير اللاحقة.
حدد دستور عام 1950 صلاحيات رئيس الجمهورية، ومنح البرلمان دوراً تشريعياً أوسع من خلال منعه نقل صلاحياته التشريعية إلى الحكومة، حتى بشكل مؤقت. كما عزز الدستور من سلطة القضاء عبر إنشاء المحكمة الدستورية العليا لضمان مراقبة دستورية القوانين وحماية الحقوق.
كفل الدستور حرية الرأي والصحافة، والاجتماع والتظاهر، والمحاكمة العادلة، ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة لفترة طويلة، وحفظ حق الملكية والمشاركة في الحياة الاقتصادية وتأطير الملكية العامة للدولة، وحماية حقوق الفلاحين والعمال على وجه الخصوص.
كما يعتبر مرجعاً يمكن البناء عليه في الفترة الانتقالية لضمان المساواة بين السوريين كافة بمختلف قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم.
مصطفى السباعي ودين الدولة
لعب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا٬ وأول مراقب عام لها الشيخ مصطفى السباعي٬ دورا في صياغة دستور عام 1950.
فحين احتدم الجدل في البرلمان حول مسألة دين الدولة في دستور عام 1950، الذي شكلت جمعية تأسيسية لإقراره، وقف السباعي الذي كان عضوا في لجنة صياغة الدستور، ليدافع عن روح الإسلام المعتدل في وجه نواب حزب البعث وأتباع أكرم الحوراني في حزب الشباب.
وقال السباعي إن سوريا دولة برلمانية، وحق التشريع يعود فقط للبرلمان، فلا توجد سلطة دينية بإمكانها إرغام البرلمان على قبول دستور لا يقره البرلمان ولا يرضى به.
وأوضح السباعي أن الهدف من تسمية دين الدولة٬ هو لمنحها مسحة روحية وأخلاقية، تساعد في تحديد النظام والقانون، وأن المسألة عمليا مرتبطة بأكثرية السكان، وبما أن 90% من سكان سوريا مسلمون، يصبح الإسلام تلقائيا دينا للدولة.
وكانت هذه الردود الدفاعية كفيلة بوضع حدود للنقاش الذي امتد إلى الشارع، قبل أن يتقدم السباعي بمقترح حل الخلاف القائم، ومكن الجمعية التأسيسية من إقرار الدستور حين استبدل عبارة الإسلام دين الدولة، بأن الإسلام دين رئيس الدولة.
عُطل دستور 1950 أكثر من مرة بسبب تجدد الانقلابات العسكرية، ثم عُطل مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 حتى عام 1961 مع سنة الانفصال، حيث أعيد إحياؤه، وبقي معمولاً به حتى 8 آذار/مارس 1963، عندما سيطر حزب البعث على السلطة وألغى الدستور والحريات العامة وأغلق الصحف.
المصدر: عربي ٢١