2024-12-26 05:38 ص

مشاهد "قصر الرئيس" تثير جدلا واسعا في مصر.. والسيسي يرد

2024-12-25

موسيقى احتفالية ومساحات غنّاء من المياه والخُضرة تعبّد طريق القصر الرئاسي في العاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة، كانت تلك خلفية تقارير تلفزيونية لقنوات موالية للحكومة المصرية، فيما تحدث مذيعون ومذيعات بحماس كبير عن حجم الأعباء الاقتصادية، والديون الضخمة، التي تعانيها دول المجموعة الإسلامية الثماني.

واجتمع، الخميس قادة مجموعة دول الثماني (مصر، تركيا، إيران، باكستان، بنغلادش، إندونيسيا، نيجيريا، ماليزيا) إضافة لرئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، أصغرهم 70 عاما، داخل قاعة اجتماعات فخمة داخل القصر، ساروا إليها بتؤدة بين قاعات عدة معبدة بالرخام ومزينة باللوحات والآيات القرآنية، لمناقشة شعار قمتهم الحادية عشرة: "الاستثمار فى الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: تشكيل اقتصاد الغد".

وفي القصر ذي المساحة الشاسعة ، استُخدمت رموز من الحضارة الفرعونية ضمن الهندسة الخارجية خصوصاً، وفي الداخل تزين سقف قاعة رئيسية للاستقبال بخمس آيات قرآنية ورد فيها ذكر مصر، إحداها حملت مفارقة كبيرة بالنسبة للعديد من المصريين الذين انتقدوا مشهدية البذخ العالية عبر محطات التلفزة ولقطات الكاميرات الطائرة، وكانت "ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تُبصرون"(51، الزخرف).

وبين الامتعاض والإشادة، غزت صور ومقاطع فيديو ومعلومات متضاربة عن القصر الرئاسي الجديد وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، ليس بين المصريين فحسب، إنما لآخرين خارجها.

هذا الأمر دعا جهات رسمية أبرزها السيسي نفسه، لإصدار تعليقات حول مصدر الأموال التي بنت قصرا جديدا في عهد الرئيس الذي استلم الحكم في يونيو 2014 بعد إطاحة الرئيس المنتخب السابق محمد مرسي بالتزامن مع تظاهرات حاشدة، وهو حدث وثق أيضا داخل إحدى قاعات القصر  بلوحة فنية ضخمة.

القصر وديون مصر
أثارت مشاهد استعراض القصر الرئاسي الجديد، الخميس الماضي، حتى الآن الكثير من انتقادات المصريين، الذين رأوا فيه مثالاً صارخاً على التناقض في الرؤية الحكومية والواقع على الأرض الذي يعاني معه نحو 60% من سكان مصر، الذين يعيشون إما تحت خط الفقر أو قريباً منه.

وفي عام 2022، نشرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) دراسة عن الفقر باستخدام أول مؤشر وطني للفقر متعدد الأبعاد (MPI)، ورد فيه أن أكثر من شخص بين كل 5 أشخاص (21% من السكان) يعاني من الفقر متعدد الأبعاد.

ووفق التقرير، يُعتبر الشخص فقيرا إذا كان يعاني من الحرمان في 29% أو أكثر من 19 مؤشرا عبر 7 أبعاد تشمل: التعليم، الصحة، السكن، الخدمات، التوظيف، الحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي (ما يعادل الحرمان في بُعدين أو أكثر من الأبعاد السبعة).

مضافاً لذلك، فإن مصر تعاني من ديون خارجية تقدر من 160.6 مليار دولار، وفق بيانات نشرها البنك المركزي في أغسطس الماضي.

ومنذ عام 2015، زادت الديون الخارجية لمصر التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 107 مليون نسمة، بمقدار 4 أضعاف لتمويل إنشاء عاصمة جديدة، وبناء بنية تحتية، وشراء أسلحة، ودعم الجنيه المصري.

واتهم البعض الحكومة باستخدام المال العام لبناء القصور والعاصمة الإدارية نفسها، إذ لا يرى العديد من المصريين أن ذلك يمثل أولوية لدولة تعاني من أزمات اقتصادية عد، خصوصاً أن الرئيس السيسي لطالما كرر في تصريحاته أهمية أن يصبر الناس ويتقشفوا في استهلاكهم ويتناولوا طعاماً بسيطاً، وبأنه يسعى عبر خططه و"رؤية مصر 2030" للحد من الفقر بأشكاله والقضاء على الجوع.

والسبت، قال السيسي، في ما اعتبر تعليقا على الجدل الحاصل، خلال جولة تفقدية في أكاديمية الشرطة إن شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية "تحملت تكلفة إنشاء المباني" فيها.

وأضاف "لما بدأت شركة العاصمة كان حسابها صفر، معهاش (لا تملك) حاجة، اليوم شركة العاصمة بعد ما عملت ده، عملت (مباني) الحكومة كلها، عملت مدينة الثقافة والفنون كلها بالمستوى اللي أنتم بتشوفوه، ويقولك أنتم بتجيبوا الحاجة دي منين؟... شركة العاصمة عملت مسجد مصر، وعملت الكاتدرائية وحي المال والأعمال، والرئاسة.. كله".

وأشار السيسي إلى أن الشركة تقوم بتأجير المنشآت التي نفذتها، مثلما تؤجر مبان للحكومة بمبلغ يصل إلى 10 مليارات جنيه (حوالي 200 مليون دولار) سنوياً.

وحساب الشركة لدى البنوك يحتوي على 80 مليار جنيه، و"لها فلوس عند المطورين العقاريين اللي باعت لهم أرض كمان ممكن توصل إلى 150 مليار جنيه"، وفق تصريح السيسي.

وفي مقابلة مع قناة "صدى البلد" المصرية، الجمعة، قال خالد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، إن العاصمة الإدارية بما فيها القصر الرئاسي، جميعها أصول تمتلكها الشركة ومؤجرة للحكومة بعقد 49 سنة، مؤكدا أن الحكومة ملتزمة بالسداد.

وتبلغ مساحة العاصمة الإدارية 170 ألف فدان، وتشمل المرحلة الأولى لمشاريعها بناء مقار حكومية، ومدينة طبية عالمية، وأخرى رياضية، وقرية ذكية، وقاعات مؤتمرات دولية، ومدينة معارض، ومناطق خدمية وتعليمية، إضافة إلى مناطق للمال والأعمال، وطرق حضارية، وفق بيانات الرئاسة المصرية.

و⁠أطلقت الحكومة المصرية مرحلة ثانية بداية العام الجاري 2024 بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار.

وفي عام 2019، قدّر رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة السابق، أحمد زكي عابدين، تكلفة المدينة للسنوات التالية بنحو 58 مليار دولار، "من مبيعات الأراضي والاستثمارات الأخرى".

دول الثماني
"خزّان بشري كبير"، عبارة وصف فيها إعلامي مصري أهم مورد لدول الثماني النامية في مستهل قمتهم الخميس الماضي، لكن هذا الخزّان المتزايد، من يُنقذه من الفقر والعوز؟

بحسب تقرير لمركز الدراسات العربية الأوراسية، صدر في مارس 2024، فإن المنظومة (D-8) التي تأسست عام 1997بمبدأ وهدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ما زالت غارقة في عوائق وتحديات.

كما أن متوسط معدلات البطالة في البلدان النامية الثماني المسجلة لديها أعلى مقارنة بالدول النامية في العالم وغير الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.

ولا تزال معظم هذه الدول الثماني غير قادرة على وضع أطر اقتصادية مواتية، وتزويد الشركات الأجنبية بالبنية التحتية التنظيمية والمادية الكافية.

وقد أظهر إجمالي رصيد الديون الخارجية للبلدان النامية الثماني اتجاها متزايدا. ففي 2014، زاد إجمالي الدين الخارجي بنحو 50 مليار دولار، مقارنة بقيمته في العام السابق، ليصل إلى (1.1) تريليون دولار.

كما لا تزال المساعدة الإنمائية الرسمية (القروض) تشكل مصدرا مهمًّا لتمويل البلدان النامية الثمانية.

 
أكثر من 30 قصراً
لم تُنشر بيانات رسمية بشأن تكلفة إنجاز القصر الرئاسي الجديد، إلا أن مصادر عدة تداولت تقديرات غير مؤكدة له. وفي "رسالة" وجهها حساب موقع "الموقف المصري" المستقل ، مرفقاً بإنفوغرافيك، إلى الرئيس السيسي، قال إن صح الرقم المتداول بنحو 220 مليون دولار، فهو يكفي لإنجاز المشروعات الآتية التي تحتاجها مصر.

وقبل القصر الرئاسي الذي استقبل مجموعة الدول النامية الثمانية (D-8)، تم تشييد قصرين آخرين في عهد السيسي، أحدهما في مدينة العلمين في الساحل الشمالي لمصر، والثاني في العين السخنة على البحر الأحمر.

كما تم تطوير وتحديث قصور تاريخية، أبرزها قصر الاتحادية (العروبة) في ضاحية مصر الجديدة، شرقي القاهرة.

وعدا عن هذه القصور، تمتلك مصر مجموعة قصور من الحقبة الملكية، لا تزال صالحة للاستخدام، وتم ترميم العديد منها لتتناسب وفعاليات ثقافية ورسمية على أشكالها، منها قصر عابدين، والمنتزه، والقبة، ورأس التين، والبارون، والأمير محمد علي، وسعيد باشا، والجوهرة.

ووفق وسائل إعلام محلية يُقدّر عدد القصور بأكثر من 30 قصرا واستراحة رئاسية، لكن أغلبها لم يُستغل بالشكل الصحيح، خصوصا أن العديد منها تحوّل لمزارات ومتاحف.

رحمة حجة- واشنطن
المصدر/ الحرة