2024-12-04 09:05 م

تركيا «تغطّي» إشعال الشمال السوري: عودة الرهانات «الخاطئة»

2024-12-03

احتفت الصحف والأقلام الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية» بدخول الفصائل المسلحة السورية، حلب ومدناً أخرى مثل سراقب وغيرها، في وقت كان فيه الرئيس السوري، بشار الأسد، يؤكد في اتصال مع رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، أن بلاده «مصمّمة على محاربة الإرهاب حتى النهاية». وممّا جاء في عناوين بعض الصحف الموالية: «نظام الأسد ينهار»، «تحرير حلب»، «رفع العلم السوري (التابع للمعارضة) في حلب»، «الخريطة تغيّرت في ثلاثة أيام»، و«الحرب الأهلية من جديد».
في هذا الوقت، كان تركيز الناطق باسم الخارجية التركية، أونجو كيتشيلي، على العامل الكردي، إذ قال إن بلاده «تتابع عن كثب التطوّرات التي تدفع إلى توتّرات، يمكن أن يستفيد منها الإرهابيون (الأكراد) الموجودون في منطقتَي منبج وتل رفعت». وأضاف أن «اتفاقات أستانا تنصّ على تنظيف المنطقة من الإرهابيين، وهو ما لم تطبّقه الجهات الراعية لأستانا، الأمر الذي يضاعف قلقنا». ويتوافق ما طرحه كيتشيلي، مع ما ذكره مصدر تركي للكاتب عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، ألقى اللوم بالكامل على دمشق وشريكتَيها طهران وموسكو، مبرّئاً أنقرة من الهجمات، بالقول: «تركيا لبّت كل ما هو مطلوب منها في اتفاقات أستانا، لكن النظام لم يلتزم بها، فيما لم تلبّ روسيا وإيران ما يترتّب عليهما». وأشار سيلفي، نقلاً عن المصدر، إلى أن «الهجمات على إدلب تواصلت، فاضطرّت هيئة تحرير الشام إلى الرّد. كما أن حزب العمال الكردستاني لم ينسحب من شرقيّ الفرات لمسافة 32 كيلومتراً، والولايات المتحدة لم تنفّذ تعهداتها»، لافتاً إلى أن «أولوية تركيا هي محاربة الإرهاب. ولن تسمح للمجموعات الإرهابية في منبج وتل رفعت بالاستفادة من عدم الاستقرار».
ومع أن وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، حاول أن ينفي تورّط بلاده في هجمات المعارضة المسلحة، لكن ما لفت هو الغطاء الذي منحه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، للهجوم، وتبنّيه ضمناً له، بقوله إن «الهجوم يفتح الباب أمام العودة الطوعية للاجئين من تركيا إلى سوريا». وقد اعتبر، ضمناً، أن الهجوم «يعزّز البيئة الأمنية في سوريا». كما أبرزت الصحف التركية، أمس، قوله إنه «سينهي الإرهاب في الداخل والخارج»، في إشارة قوية إلى سعي أنقرة إلى الانتهاء من مسألة وجود «قوات سوريا الديموقراطية» في شرقيّ الفرات ومناطق تل رفعت ومنبج.
ولفت في كتابات الموالين، القول إن المعركة «انتقلت من العراق إلى سوريا»، وإن «احتلال حلب وتحريرها من النظام السوري هو الحلّ». ووفقاً لبنغين تونجا، في «ميللييات» الموالية، فإن تركيا «أنجزت، إلى حدّ كبير، مهمّتها في شمال العراق، ووزير الدفاع غولر قال إنها وضعت القفل على وادي الزاب. والآن، جاء دور سوريا لتكمل تركيا المهمّة». وأضاف: «الصورة التي يحاول الإرهابيون تصوير أنفسهم بها على أنهم جيش، لن تصنع منهم جيشاً. وسيقول هؤلاء إنهم سيقاومون، ولكن عندما يحين الوقت، فإن جيش تركيا سيمرّ ويسحقهم جميعاً». في المقابل، ثمّة تساؤلات طرحها المحلّلون الأتراك حول الأهداف الحقيقية لهجوم المعارضة، وما إذا كان في نية الأخيرة فتح معركة واسعة وكبيرة وصولاً إلى العاصمة دمشق نفسها، وهو الأمر الذي استدعى استنفار روسيا، وإيران التي أوفدت وزير خارجيتها، عباس عراقجي، إلى دمشق فأنقرة.
وفي هذا الإطار، كتب ياسين آقتاي، في «يني شفق» الموالية، أن «الحديث منذ الآن عن أسباب هجوم الفصائل المسلحة على حلب ليس صائباً، لأنه يمنح البراءة للأسد ويصوّره على أنه هو الضحية (...) إن هجمات المعارضة السورية ليست سبباً للأحداث، بل هي ذروة الغضب من الاضطهاد الذي تعرّضوا له، وهو ردّ فعل على التغييرات التي تطاول الأراضي السورية. كذلك، فإن النظام استمرّ في انتهاك اتفاقات أستانا. واستمر الأسد في الغطرسة برفض نداءات إردوغان للاجتماع من أجل مصلحته الشخصية لا غير. وكان عليه تقدير الفرصة بدلاً من المكابرة». وذكّر الكاتب بما كان قد كتبه، قبل سنتين، من أن «الطريق إلى حلّ جزء كبير من مشكلة اللاجئين، ومعظمهم من حلب، هو باحتلال حلب من جديد، أو أن تكون حلب منطقة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة»، واصفاً السيطرة على المدينة بأنها «تطوّر مهم للغاية لإيجاد حلّ لعودة السوريين إلى بلادهم من دون ضغط، وحماية أراضيهم من الجراحة الديموغرافية (الشيعية) التي كان يعمل عليها». ووفقاً لمصدر أمني رفيع، تحدث إلى «يني شفق»، فإن «تركيا كانت تمنع الفصائل من مهاجمة حلب وغيرها. والآن، لم يَعُد هذا المنع قائماً»، وإن «الهدف من الهجوم هو العودة، قبل أيّ شيء، إلى الوضع الذي كان قائماً عام 2019».

وفي الصحيفة نفسها، كتب سادات إرغين أنّ «من الصعب القول، في هذه المرحلة، إن الحرب الأهلية في سوريا قد بدأت من جديد. مع ذلك، فإن جبهة جديدة قد فُتحت وتغطّي جغرافيا تمتدّ من حلب إلى إدلب». ولفت إرغين إلى أن «هجوم حلب وتقدُّم الفصائل أَظهرا التفكّك الخطير في صفوف الجيش السوري، وضعفه. وفي ظل انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، وإيران بحزب الله في لبنان، فإن الأسد بات في موقع صعب لجهة فاعلية الدعم الخارجي»، مشيراً إلى أن «الفشل في صدّ الهجوم، أو حتى توقّعه، لا يسرّ بوتين ولا الأسد، ويعكس ضعف الاستخبارات الروسية، وهذا أمر مقلق للطرفين». وبحسب إرغين، فإن «تأثير الهجوم على مسار المصالحة بين دمشق وأنقرة يعتمد على مَن الذي سيحمّله الأسد مسؤولية ما يحصل. وهل يمكن أن يكون الهجوم فرصةً للبحث عن مسار مختلف يجعل التواصل ممكناً بين إردوغان والأسد؟ أم العكس هو الذي سيكون، فيتشدّد الأسد أكثر تجاه تركيا ومسار المصالحة معها؟».
أما الكتّاب المعارضون لإردوغان فتحدثوا عن الشراكة التركية - الإسرائيلية التي تعمل على المكشوف. وفي هذا الإطار، رأى محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، أن «حلب هي جبهة إسرائيل الجديدة»، وأن «ما يلفت النظر أولاً، هو أن المجموعات المسلحة، بما فيها هيئة تحرير الشام، والجيش الوطني الذي أسّسته تركيا، قد هاجمت حلب فوراً بعد وقف النار في لبنان. أي أن إسرائيل أوقفت الحرب في لبنان لتبدأ الحرب عبر المجموعات المسلحة في حلب». وقال غولر إن «إسرائيل، منذ بداية الحرب على سوريا، شريكة هذه الفصائل، بحيث إن هذه الأخيرة لم تقم بأيّ هجوم على إسرائيل، فيما كانت تبتهج كلما قامت إسرائيل بضرب إيران. وكانت جبهة النصرة، قبل أن تتحوّل إلى هيئة تحرير الشام، متعاونة فعليّاً مع إسرائيل كلّما هاجمت القوى الأطلسية سوريا، وكان التعاون كاملاً عبر جبهة الجولان». وتساءل: «إذا كانت المصادر الأمنية تقول إن الهدف قبل أي شيء هو العودة إلى ما قبل عام 2019، فهذا يعني أنّ هناك أهدافاً أخرى لاحقة، فما هي؟»، علماً أنه لا يستبعد أن يكون الهدف هو ما كان يصرّح به الناطقون باسم «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» عن «ولاية (محافظة) حلب الـ 82» على أساس أن عدد ولايات تركيا 81.
فهل الهجوم محاولة من أنقرة للضغط على الأسد للقبول بشروطها قبل وصول ترامب، الذي يتوقّع «العدالة والتنمية» أن يسحب قوات بلاده من سوريا؟ وإذا كانت طهران قد أعلنت أن الهجوم يشكّل انتهاكاً لاتفاقات أستانا، فأيّ فائدة لتركيا في ذلك؟ أيضاً، تساءل غولر عمّا هو «مكسب أنقرة من الهجوم الذي يثير ارتياح إسرائيل ويستهدف سوريا وإيران وروسيا؟ أم أن أنقرة تريد من موسكو وطهران تقديم تنازلات، وما هي تلك التنازلات؟ وهنا، يمكن ذكر ما كان فيدان قد قاله من أن أكراد سوريا يعرفون واجباتهم تجاه تركيا. وهل من رابط بين دعوة العدالة والتنمية - الحركة القومية، أوجالان للتحدث أمام البرلمان التركي وواجبات الأكراد، والهجوم على حلب؟».
وفي جريدة «آيدينلق»، كتب محمد يوفا أن «حسابات نتنياهو في فلسطين ولبنان لن تتحقَّق، إن لم يأخذ سوريا أو يضعفها. والعكس صحيح؛ لذا، تسخّن جبهة حلب من جديد. ونتنياهو الذي لم يربح في لبنان، يريد إنهاء سوريا ومن ثم العودة لضرب لبنان». وأضاف: «لكنها جهود ستذهب هباءً، ولذلك يجب قراءة ما يجري في سوريا بناءً على مشروع الشرق الأوسط الكبير». ورأى يوفا أن على الحكومة التركية ألّا تكرّر خطأ «ندفع واحداً ونقبض ثلاثةً»، و«ألّا ينخدعوا أنهم بإسقاط حلب سيربحون، بل على العكس سيخسرون أضعافاً مضاعفة. حتى الحمار لا يقع في الحفرة نفسها مرتين!».
المصدر: الاخبار اللبنانية