في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر الصحفي الأمريكي الاستقصائي، بوب وودورد، كتابه الجديد بعنوان “الحرب”، والذي أحدث ضجة واسعة وأطلق عليه البعض كتاب الفضائح. ومن خلال مئات الساعات من المحادثات السرية التي أجراها وودورد مع عدد كبير من المسؤولين في البيت الأبيض، يكشف كتابه عن تورط قادة عرب في دعم الاحتلال الإسرائيلي بالحرب الدائرة على غزة.
كما يروي وودورد طريقة الرئيس بايدن وكبار مستشاريه في اتخاذ القرارات المتعلقة بحرب “إسرائيل” الحالية في غزة، وكذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصولًا إلى الصراع على الرئاسة الأمريكية.
الكتاب افتقر إلى ذكر السياق فيما يتعلق بأحداث السابع من أكتوبر 2023، رغم أنه ذكر السياق والتطورات قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه تبني الرواية الإسرائيلية بحذافيرها لما جرى يوم 7 أكتوبر. ورغم ذلك، فإن هذا لا يقلل من أهمية الكتاب بشكل عام، خاصة أنه تضمن اقتباسات من اجتماعات ومكالمات شديدة السرية لزعماء عرب.
أكبر فشل استخباراتي
مثل نظرائهم الإسرائيليين، فوجئ مسؤولو الاستخبارات الأمريكية بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان: “إن هجوم حماس في 7 أكتوبر كان أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل”، في حين قالت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز: “لا شك أن هجوم 7 أكتوبر كان مفاجأة”.
بعد السابع من أكتوبر، فحصت هاينز التقارير التي سبقت طوفان الأقصى، ووجدت أنها تشير إلى تصاعد التوترات بين “إسرائيل” وحماس، لكن الهجوم الواسع لم يكن متوقعًا، وما لفت انتباه هاينز في هذه التقارير الاستخباراتية، هي معلومات عن تآكل الدعم السياسي لحماس واحتجاجات قام بها فلسطينيون في غزة ضد حماس، وقالت هاينز: “إنه أمر غير عادي”.
وفي أحد مشاهد الكتاب التي تدور بعد ساعات من هجوم طوفان الأقصى، ينقل وودورد قلق نتنياهو بشكل خاص من أن يشن “حزب الله” هجومًا على “إسرائيل” من الشمال لدرجة أنه اتصل بجاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأخبره بمعلومات كاذبة عن هجوم واسع يقوم به “حزب الله”، ثم قال له بلهجة ملحة: “جاك، نحتاج منك الآن أن تهدد حزب الله”.
بعد أن حصل سوليفان على موافقة بايدن، اتصل بمستشارة السياسة الخارجية ورئيسة هيئة الأركان، كيلي ماجسامين، وأمرها بأن تحرك حاملة الطائرات في البحر الأبيض المتوسط التي كانت تساعد أوكرانيا إلى شواطئ لبنان. بمكالمة تليفون من نتنياهو تحركت حاملة الطائرات إلى شواطئ لبنان في اليوم التالي للسابع من أكتوبر، لكن اكتشفت القيادة الوسطى الأمريكية أن المعلومات الإسرائيلية عن هجوم “حزب الله” كاذبة.
الكذاب نتنياهو
يكشف وودورد عن مدى الإحباط الذي أصاب بايدن تجاه نتنياهو ويصف العلاقة المتقلبة بين الرجلين في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ، فبينما أعرب بايدن علنًا عن دعمه القوي لـ”إسرائيل”، ففي الخفاء كان مستاء من نتنياهو وشتمه في كثير من الأحيان بألفاظ خادشة.
وفقًا لوودورد فبعد أن اغتالت “إسرائيل” أحد كبار قادة “حزب الله” فؤاد شكر، والقيادي البارز في حماس إسماعيل هنية، في أواخر يوليو/تموز الماضي، صاح بايدن في وجه نتنياهو عبر الهاتف قائلًا: “أنت تعلم أن صورة إسرائيل اهتزت في جميع أنحاء العالم”، رد نتنياهو: “هذا هنية أحد الإرهابيين، لقد رأيناها فرصة واغتنمناها، وكلما زادت قوة الضربة، زادت فرص نجاحنا في المفاوضات”.
لكن إحباط بايدن من نتنياهو ازداد مع استمرار الحرب وقناعته بأن نتنياهو يتحرك دون استراتيجية واضحة، واشتكى بايدن لأحد أقرب مساعديه في البيت الأبيض من كذب نتنياهو باستمرار وتجاهل تعليماته، قائلًا: “نتنياهو ابن عاهرة، وكذاب لعين وشخص دنيء للغاية”، بل ذهب بايدن إلى أبعد من ذلك وقال: “إن 18 من أصل 19 شخصًا يعملون مع نتنياهو كاذبون”.
ورغم كل هذه المرارة التي يرويها وودورد في كتابه، وإحباطات وانعدام ثقة بايدن تجاه نتنياهو على مدار الأشهر الماضية، فإنه رفض وقف إمداد “إسرائيل” بالأسلحة، واستمر في تقديم مليارات الدولارات من المساعدات، وفشل في منع وقوع كارثة إنسانية في غزة، أو الضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار.
وفي حين كانت نائبة الرئيس هاريس تظهر تعاطفها مع معاناة الفلسطينيين في وسائل الإعلام، تفاجأ نتنياهو منها وأثارت غضبه لأنها مثلت تناقضًا مع نهجها الأكثر ودية في اللقاءات التي دارت بينهما، يقتبس وودورد من السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هيرتزوج قوله عن هاريس: “إنها تريد أن تكون صارمة في الأماكن العامة، لكنها لم تكن أبدًا كذلك في الغرف الخاصة”.
ووفقًا لوودورد، فإن بادين أدخل هاريس في مكالماته مع نتنياهو، وأرسلها في مهام دبلوماسية إلى الزعماء العرب، ولا توجد مرة واحدة اختلفت فيها هاريس جوهريًا مع دعم بايدن المستمر لـ”إسرائيل”.
بلينكن والقادة العرب
يحتوي كتاب وودورد على تفاصيل مهمة عن لقاءات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مع الزعماء العرب عقب السابع من أكتوبر 2023، فأصوات الزعماء العرب هي الأكثر بروزًا في الكتاب، ويندهش البعض لرؤيتهم مكشوفين ومتوحدين في الموقف إلى هذه الدرجة، والأسوأ عدم تلويح أي منهم بأي ورقة لإنهاء معاناة الناس في غزة.
في صباح يوم الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هبطت طائرة بلينكن في “إسرائيل”، وذهب مباشرة للقاء نتنياهو في الغرفة الخاصة بالحرب، قال نتنياهو: “نحن بحاجة إلى ثلاثة أشياء: الذخيرة، والذخيرة، والذخيرة”، فرد بلينكن: “نحن نقف معكم، نحن نقف معكم، نحن نقف معكم”.
ثم تحول بلينكن إلى سؤال نتنياهو عن وضع المدنيين في غزة؟ كان رد نتنياهو سريعًا على سؤال بلينكن، إذ قال: “سندفعهم جميعًا إلى خارج غزة نحو مصر”، تفاجأ بلينكن وقال للقادة الإسرائيليين، سأتحدث مع قادة العالم العربي في الأيام القليلة المقبلة وبعدها أعود إليكم.
لم يكمل بلينكن ليلته في تل أبيب، واستقل طائرته إلى الأردن، وفي صباح اليوم التالي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التقى بالملك الأردني عبد الله الثاني، والذي قال لبلينكن: “حذرنا إسرائيل من حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس، لكني لا استطيع قول ذلك علنًا”.
بعد بضع ساعات، سافر بلينكن إلى الدوحة للقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قال الأمير لبلينكن، “إن قادة حماس في الدوحة لم يعرفوا أي شيء مسبقًا عن هجمات 7 أكتوبر”، وأضاف الأمير، “من الممكن أن يكون السنوار قد فعل ذلك بمفرده”.
قال بلينكن للأمير: “نحن نقدر أهمية وجود قناة مفتوحة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن، ولكن عندما ينتهي هذا الأمر، لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد مع المكتب السياسي لحماس”، وفي طريقه إلى طائرته، كان بلينكن منبهرًا من القطريين، فقد وضعوا الأساس لصفقة الرهائن بعد ستة أيام من الحرب.
توقفت طائرة بلينكن في البحرين، وهناك سمع أيضًا نفس الكلام الذي سمعه في الأردن، ثم توجه وفريقه المرهق لقضاء ليلتهم في الرياض، كانت تلك هي الدولة الرابعة التي يزورونها، وفي صباح اليوم التالي 14 أكتوبر/تشرين الأول، التقى بلينكن بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.
قال فيصل لبلينكن: “كان على إسرائيل أن لا تأمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مرارًا، فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين”، ثم واصل وزير الخارجية السعودي قوله: “الجماعات الإرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فقط، بل تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين، ونحن قلقون من تداعيات ما تقوم به إسرائيل في غزة على أمننا جميعًا، وما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ، فداعش جاءت بعد القاعدة وهي أسوأ منها”.
سأل بلينكن عن دعم السعودية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، فأجاب وزير الخارجية: “لن ندفع دولارًا واحدًا لتنظيف فوضى نتنياهو”، بعد ذلك، طار بلينكن إلى أبو ظبي للقاء رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، والذي أصر على عدم إيقاف الحرب حتى استئصال حماس في غزة.
وقال لبلينكن: “يجب القضاء على حماس، لقد حذرنا إسرائيل مرارًا من أن حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، يمكننا أن نمنح إسرائيل المساحة والوقت للقضاء على حماس، لكن يجب على إسرائيل أن تساعدنا أيضًا من خلال السماح بدخول المساعدات الإنسانية وإنشاء مناطق آمنة للتأكد من عدم قتل المدنيين، بجانب السيطرة على عنف المستوطنين في الضفة الغربية”.
في نفس اليوم عاد بلينكن إلى الرياض لأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على الاجتماع، بالنسبة لبلينكن، فمحمد بن سلمان “مجرد طفل مدلل”، وعندما التقى معه في الليل، قال ابن سلمان لبلينكن: “أريد فقط أن تختفي المشكلات التي أحدثها السابع من أكتوبر”، وعندما سأله بلينكن عن التطبيع، أخبره ابن سلمان أن التطبيع لم يمت، لكنه لا يستطيع المضي قدمًا في الوقت الحالي.
وقبل عودته إلى “إسرائيل”، عرج بلينكن على القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان للسيسي هدفان فقط: الحفاظ على اتفاقية السلام مع “إسرائيل” التي تم التوقيع عليها عام 1979، ورفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر.
ثم بعد لقائه بالرئيس المصري، التقى بلينكن وفريقه بوزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل، الذي قدم لبلينكن وفريقه معلومات وخرائط جمعتها المخابرات المصرية عن أنفاق غزة، وقال “إن حماس متجذرة بعمق في غزة ومن الصعب هزيمتهم”.
وفي رسالة موجزة من كامل لوزير الخارجية الأمريكي، والتي أخبره أن ينقلها إلى نتنياهو، نصح قائلًا: “يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة بريًا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم”، وأدرك بلينكن وفريقه أن كامل لم يكن يمزح، وبالفعل نقل معلومات أنفاق غزة ورسالة كامل إلى نتنياهو.
أخيرًا هبطت طائرة بلينكن مرة أخرى في تل أبيب صباح يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول واجتمع الوزير مع نتنياهو وعدد قليل من المسؤولين الإسرائيليين، قال لهم بلينكن: “نحتاج منكم السماح بدخول المساعدات الإنسانية”، انفجر نتنياهو رافضًا الفكرة تمامًا، وقال: “الشعب الإسرائيلي لن يتسامح مع تقديم مساعدات لهؤلاء النازيين”.
حاول بلينكن تغير رأي الإسرائيليين، وقال لهم: “منذ الجولة الأخيرة لي بالمنطقة، التقيت بأصدقائكم وبأشخاص ليسوا أصدقاء، لكنهم ليسوا أعداء لكم، والشيء الوحيد الذي سمعته منهم مرارًا وتكرارًا هو أنهم يدعمون ما تقومون به، لكنهم لا يستطيعون قول ذلك علنًا”، وأضاف بلينكن مستشهدًا بكلمات رئيس الإمارات محمد بن زايد: “كما قال لي أحد أصدقائكم، إسرائيل تحتاج أن تمنحنا مساحة”.
وفي رسالة موجزة من كامل لوزير الخارجية الأمريكي، والتي أخبره أن ينقلها إلى نتنياهو، نصح قائلًا: “يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة بريًا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم”، وأدرك بلينكن وفريقه أن كامل لم يكن يمزح، وبالفعل نقل معلومات أنفاق غزة ورسالة كامل إلى نتنياهو.
أخيرًا هبطت طائرة بلينكن مرة أخرى في تل أبيب صباح يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول واجتمع الوزير مع نتنياهو وعدد قليل من المسؤولين الإسرائيليين، قال لهم بلينكن: “نحتاج منكم السماح بدخول المساعدات الإنسانية”، انفجر نتنياهو رافضًا الفكرة تمامًا، وقال: “الشعب الإسرائيلي لن يتسامح مع تقديم مساعدات لهؤلاء النازيين”.
حاول بلينكن تغير رأي الإسرائيليين، وقال لهم: “منذ الجولة الأخيرة لي بالمنطقة، التقيت بأصدقائكم وبأشخاص ليسوا أصدقاء، لكنهم ليسوا أعداء لكم، والشيء الوحيد الذي سمعته منهم مرارًا وتكرارًا هو أنهم يدعمون ما تقومون به، لكنهم لا يستطيعون قول ذلك علنًا”، وأضاف بلينكن مستشهدًا بكلمات رئيس الإمارات محمد بن زايد: “كما قال لي أحد أصدقائكم، إسرائيل تحتاج أن تمنحنا مساحة”.
خلال القمة المناخية الأخيرة، التقت هاريس بقادة مصر والأردن والإمارات وأجرت مكالمات هاتفية مع آخرين، بما في ذلك أمير قطر. قال ملك الأردن لهاريس إنه لا يحب حماس، ويشعر بالضغط من الاحتجاجات الغاضبة في شوارع بلاده كلما استمرت هذه الحرب. وكان جميع وزراء الخارجية العرب مقتنعين بأن “إسرائيل” لا يمكنها هزيمة حماس بشكل فعال ما لم تكن هناك خطة سياسية واضحة.
أرسلت هاريس تقريرًا إلى الرئيس أخبرته فيه أن القادة العرب يكرهون حماس ويرغبون في تحسين علاقاتهم مع “إسرائيل”، كما يدعمون التخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، لكنهم لا يستطيعون إعلان ذلك إلا إذا استؤنفت المحادثات نحو إقامة دولة فلسطينية.
كذلك سجل وودورد في كتابه لقاء مهم في 8 يناير/كانون الثاني 2024 جمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وكبار مستشاريه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مخيمه الشتوي بمدينة العلا، دخل بلينكن الخيمة الضخمة وجلس على الأرض، وسأل محمد بن سلمان بشكل مباشر، “هل تريد المضي قدمًا في التطبيع؟”
قال ابن سلمان: “أريد القيام بذلك بشكل عاجل والعودة إلى رؤية 2030 بالتطبيع مع إسرائيل”، سأل بلينكن، ما الذي تطلبه من “إسرائيل” لإتمام التطبيع؟ أجاب ابن سلمان: “أحتاج إلى أمرين لتبرير التطبيع: الهدوء في غزة أولًا، ثم مسار سياسي واضح نحو دولة للفلسطينيين”.
التنسيق المذهل
أطلقت إيران في 13 أبريل/نيسان عملية “الوعد الصادق” التي بدأت بسرب من 150 طائرة مسيرة نحو “إسرائيل”، بجانب 30 صاروخ كروز، و 110 صواريخ باليستية، وفي أثناء ذلك، اتصل الجنرال مايكل كوريلا بوزير الدفاع السعودي وأبلغه أن يفتح مجال بلاده الجوي، فأخبره الأخير بأن الولايات المتحدة لا تستطيع دخول الأجواء السعودية من دون موافقة ولي العهد وأخيه.
على الفور أرسل بريت ماكغورك كبير مستشاري الرئيس بايدن رسالة عاجلة إلى ابن سلمان، قال فيها: “نحتاج الوصول إلى مجالك الجوي، الرجاء إعطاء الأمر لوزير دفاعك”، فأعطى ابن سلمان الأمر وتم فتح المجال الجوي لطائرات 15-F الأمريكية.
قاد منسقو الجيش الأمريكي مع السعودية والأردن الدفاع عن “إسرائيل”، وعندما أعلنت إيران انتهاء عمليتها العسكرية، كانت الولايات المتحدة وشركاؤها قد اعترضوا وأسقطوا معظم صواريخ إيران وطائراتها المسيرة.
حاول بايدن ثني نتنياهو عن الرد على إيران وقال له: “لقد فزت، قضيت على القيادة الكاملة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، ولأول مرة هزمناهم في تحالف من السعودية والأردن وفرنسا والمملكة المتحدة هذا أمر مذهل”، وأضاف: “لا داعي لاتخاذ خطوة أخرى، لا تفعل شيئًا”. وبالنهاية، شن نتنياهو ضربة محدودة ضد إيران، ولم يعترض بايدن.
أوكرانيا.. في طريق الحرب
في أحد مشاهد الكتاب التي تدور أحداثها بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا، يشكو بايدن إلى صديق مقرب له من التعامل الفاتر للرئيس السابق أوباما مع غزو بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014، ثم إرساله قوات خاصة إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا في نفس العام، فقد ألقى بايدن باللوم على أوباما في الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويقتبس وودورد من بايدن قوله: “أوباما لم يأخذ بوتين على محمل الجد أبدًا، لقد أخطأنا في عام 2014، لم نفعل شيئًا، فقط منحنا بوتين ترخيصًا للاستمرار بعد ضمه لشبه جزيرة القرم، كان فوزًا سهلًا لبوتين مع القليل من العواقب السلبية على روسيا، لهذا السبب وصلنا إلى هذا الوضع اليوم”.
ويروي وودورد الخطوات الاستباقية التي اتخذها بايدن وإدارته لمواجهة بوتين قبل أن يغزو أوكرانيا، ففي خريف عام 2021، قدمت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز ومدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز إلى بايدن وإدارته معلومات سرية للغاية تُظهر بشكل قاطع أن بوتين قد وضع خطة لغزو أوكرانيا بـ175 ألف جندي.
وفي العديد من الاجتماعات المغلقة في النصف الثاني من شهر أكتوبر 2021، درس بايدن وسوليفان وبيرنز أفضل السبل لمواجهة بوتين بالمعلومات الاستخباراتية التي جمعتها الولايات المتحدة لتوضيح التداعيات على روسيا.
لقد واجه بايدن بوتين مرتين في عام 2021، أولًا في مؤتمر عبر الفيديو، ثم في ما وصفه وودورد بـ”مكالمة ساخنة” لمدة 50 دقيقة، والتي هدد فيها بايدن بفرض عقوبات اقتصادية وقطيعة كاملة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
وخلال مؤتمر عبر الفيديو في الساعة 10:00 صباحًا يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 قال بايدن لبوتين، “إذا قمت بغزو أوكرانيا فستكون هناك عواقب باهظة على روسيا”، لكن نفى بوتين بشكل قاطع أن روسيا لديها أي خطط لغزو أوكرانيا، وطالب بضمانات أمنية بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو أبدًا، لكن كانت طلبات بوتين بالنسبة لبايدن وإدارته متطرفة.
وأراد بادين لقاء بوتين وتحذيره وجهًا لوجه، لكن فريقه نصحه بأن لا يفعل، فإذا سافر شخصيًا إلى روسيا لتحذير بوتين وحاول إقناعه بالتراجع، ومضى بوتين قدمًا في الغزو، فسيُنظر إلى بايدن على أنه فشل ويبدو ضعيفًا.
وبالنهاية قرر بايدن إرسال مدير المخابرات المركزية بيل بيرنز إلى بوتين، وحسبما ينقل وودورد عن بيرنز، فقد عبر بوتين خلال لقائه ببيرنز عن إحساسه باستحقاق الهيمنة على أوكرانيا، وبدا على قناعة بأن الجيش الروسي لن يواجه تحديًا كبيرًا في أوكرانيا، كذلك رأى بوتين أن زيلينسكي ضعيف وأن الأوكرانيين سيستسلمون بسهولة، وأوروبا مشتتة، والولايات المتحدة تعاني من عواقب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.
وبالنهاية توصل مدير الاستخبارات المركزية إلى استنتاج مفاده: “الأمر يتجه لأن يكون أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”، واتصل بيرنز بالرئيس الأوكراني وشرح له بالضبط ما دار بينه وبين بوتين.
وعندما تلاشت الآمال في التوصل إلى تسوية مع روسيا، حاولت الإدارة الأمريكية إقناع حلفائها والرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن الروس يستعدون للهجوم. وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2022، التقى بيرنز مع الرئيس الأوكراني في كييف، وأخبره بأن غزوًا روسيًا سيحدث في غضون أسابيع، قال بيرنز: “ستأتي القوات الروسية مباشرة عبر حدود بيلاروسيا وستحاول الاستيلاء على كييف وإسقاط نظامك”.
ونصح زيلينسكي بوضع خطة لإدارة البلاد إذا ما تم القبض عليه أو قتله، لكن لفترة قصيرة شك زيلينسكي في أن روسيا تخطط لغزو بلد كامل يبلغ سكانه 44 مليون نسمة، إضافة لذلك، أخبره القادة الأوروبيون أن التوقعات الأمريكية مبالغ فيها وأن بوتين خلال محادثاته الخاصة معهم صمم على أنه لن يغزو أوكرانيا. لكن زيلينسكي في نهاية المطاف أخذ تحذير مدير المخابرات الأمريكية على محمل الجد.
ثم بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا، وصف بايدن بوتين بأنه “تجسيد للشر”، وقال لمستشاريه في المكتب البيضاوي: “اللعين بوتين، سأقوم بإلغاء ترخيصه”. وفقًا لما جاء في الكتاب، يستخدم بايدن هذه الكلمة – fuck – البذيئة غالبًا مع مساعديه وفي اجتماعاته الخاصة.
ويكشف وودورد أن أحد أكثر المشاهد دراماتيكية في هذه الحرب، هي انزعاج بايدن وفريقه من أن يستخدم بوتين الأسلحة النووية، والتي لم تكن مجرد افتراضات، ففي أواخر سبتمبر/أيلول 2022، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية أن بوتين يائسًا بشأن الخسائر في ساحة المعركة لدرجة أنه يفكر بجدية في استخدام أسلحة نووية تكتيكية، وقال فريق الأمن القومي لبايدن أن هناك مؤشرات بنسبة 50% بأن يستخدم بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا.
أصدر بايدن تعليماته لمستشاره للأمن القومي جاك سوليفان بأن يتحدث مع الروس على جميع القنوات، كما تحدث بايدن مباشرة مع بوتين محذرًا إياه من عواقب كارثية إذا استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، وشجع الرئيس الصيني شي جين بينغ على الضغط على بوتين، وهو ما قام به، وكذلك فعل وزير الدفاع لويد أوستن الشيء نفسه مع نظيره الروسي سيرجي شويجو، وهدده قائلًا: “أنا زعيم أقوى جيش في تاريخ العالم”.
في الواقع، كانت الأسلحة النووية بمثابة الظل الحاضر في كل مداولات الأمريكان والروس السرية، ووفقًا لوودورد، فقد استبعد بايدن تمامًا الرد النووي الأمريكي إذا حدث استفزاز نووي روسي في أوكرانيا. ومن الواضح أن الصراع الدائر في أوكرانيا، وضع الإدارة الأمريكية في موقفين محيرين ومخيفين لا يمكن الفوز فيهما. بعبارة وودورد “التوازن الصعب”.
وهو ما عبر عنه الرئيس بايدن عندما قال لمستشاره للأمن القومي: “إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تمثل مأزقًا حقيقيًا، إذا لم ننجح في إخراج روسيا من أوكرانيا، فسنكون قد سمحنا لبوتين بالإفلات من العقاب، وإذا سمحنا لنجاح أوكراني كبير في أرض المعركة، فإننا نواجه احتمالًا قويًا لأن يستخدام بوتين الأسلحة النووية، لذا فإننا عالقون”.
الصراع على الرئاسة الأمريكية
يقارن وودورد بين نمط قيادة بايدن وسلفه ترامب، ويرسم صورة بايدن كرجل دولة حازم وهادئ حتى في أصعب اللحظات. وعلى النقيض، يرسم صورة مخيفة للرئيس السابق، إذ يجعله متهورًا وأنانيًا، لديه ميول فاشية وغير لائق لقيادة البلاد.
بحلول صيف عام 2024، كثرت الأسئلة حول قدرة بايدن على البقاء في سباق الانتخابات وخاصة بعد أدائه في المناظرة مع ترامب. وحسب وودورد الذي ينقل عن مستشاري بايدن، فقد كانت تجربتهم مع الرئيس مختلفة عما أظهره في الفعاليات العامة.
وبعد انتهاء مناظرة بادين مع ترامب، عمت حالة من الذعر بين الديمقراطيين، وبدأ المتبرعون بالتخلي عن بايدن، كما انتشرت موجة من الدعوات العامة داعية لانسحاب بايدن، بل وحتى حملة ضغط من قبل العديد من حلفائه السياسيين المقربين، بما في ذلك نانسي بيلوسي.
في البداية، تمسك بايدن بموقفه وأصر على عدم الانسحاب، وأرسل رسالة من صفحتين إلى زملائه الديمقراطيين، أعلن فيها التزامه بشدة بالبقاء في السباق والركض حتى هزيمة دونالد ترامب.
وفقًا لوودورد فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكن هو من دفع بايدن نحو قراره بالانسحاب، ففي أثناء تناولهما العشاء معًا، طرح بلينكن على الرئيس بلطف – وهو صديق مقرب لبادين منذ 20 عامًا – فكرة الانسحاب من السباق، وقال لبايدن إن القصة قد انحرفت ومن المستحيل تغيير مسارها لأن الحديث يدور حول تصرفاتك في الفعاليات العامة، وقال بلينكن لبايدن: “لا أريد أن أرى إرثك مهددًا”.
ثم قدم نظريته: “إذا أدى القرار إلى بقائك وفوزك بإعادة الانتخاب، فهذا رائع، أما إذا أدى إلى خسارتك، فهذه هي الإشكالية”، بعد يومين على هذا العشاء مع بلينكن، أعلن بايدن في 21 يوليو/تموز الماضي انسحابه من السباق الرئاسي، وأيد نائبته هاريس، ما سمح حسب وودورد بتجنب الاقتتال الداخلي في الحزب الديمقراطي.
أما أحد أكثر الجوانب التي أثارت ضجة الرأي العام الأمريكي حول كتاب وودورد، فهي كشفه عن محادثات خاصة بين الرئيس الروسي وترامب بعد أن غادر الأخير البيت الأبيض، يزعم الكتاب نقلًا عن مساعد لترامب لم يذكر اسمه أن ترامب اتصل ببوتين سبع مرات منذ أن ترك البيت الأبيض، وبعث إليه سرًا أجهزة فحص فيروس كورونا خلال تفشي الوباء عام 2020 في وقت كانت الولايات المتحدة تواجه نقصًا في الأجهزة.
لقد جدد كتاب وودورد مخاوف العديد من الأمريكيين من أن ترامب على علاقة وثيقة بالزعيم الروسي، لدرجة أن الكرملين نفى يوم الأربعاء الماضي ما أورده وودورد في كتابه من أن ترامب تحدث إلى بوتين سبع مرات بعد أن غادر الرئاسة، لكن أكد بيان الكرملين أن ترامب أرسل إلى بوتين أجهزة اختبار كوفيد 19 خلال ذروة الوباء.
في حين نفى ترامب أي شيء عن اتصالات بينه وبين بوتين وما يتعلق بأجهزة كورونا، وأيضًا نفى المتحدث باسم حملة ترامب ستيفن تشيونغ ما ورد في كتاب وودورد، وقال: “إن كتاب وودورد ينبغي استخدامه كمناديل في الحمام.. لا شيء حقيقي في هذه القصص المختلقة التي كتبها بوب وودورد”. وقد استعملت هاريس الكتاب ضد ترامب في حملتها الانتخابية.
المصدر: نون بوست