كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن تهديد مصر "بالتوقف عن تأدية دور الوساطة" في المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، الثلاثاء الماضي، والذي يعد بمثابة انتهاك معاهدة كامب ديفيد. وبالتوازي مع ذلك، طالبت قوى سياسية مصرية باتخاذ خطوات جادة ضد الاحتلال، منها إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، المعروفة بمعاهدة كامب ديفيد، واتخاذ خطوات سياسية واقتصادية ودبلوماسية ضد الكيان الصهيوني، كما دعت إلى استخدام مصر كل الوسائل المتاحة لردع العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وتنص معاهدة السلام على الالتزام بانسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين إلى حدود ما قبل يونيو/حزيران 1967. وتحظر على إسرائيل وضع أي دبابات عند الشريط الحدودي مع مصر، وعرضه ثلاثة كيلومترات والمسمى بالمنطقة (د). ويشكل اجتياح معبر رفح انتهاكاً للمادة الثانية من اتفاقية السلام والملاحق الأمنية، التي تلزم الطرفين بعدم اللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للطرفين.
ويمثل هذا الاجتياح تهديداً محتملاً للأمن القومي المصري وسيادة الأراضي الفلسطينية، بحسب خبراء مصريين. كما امتدت انتهاكات الاحتلال للمادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد، والتي أنشأت مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية الإسرائيلية، إذ خالفت قوات الاحتلال هذه الاتفاقية بالاجتياح وإدخال المعدات الثقيلة إلى هذه المناطق. كذلك فقد انتهك الاحتلال، باقتحام معبر رفح، اتفاقية فيلادلفيا الموقّعة بين إسرائيل ومصر عام 2005، وهي الاتفاقية التي أعطت السلطات المصرية والفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي دور تنظيم الحركة على المعبر.
انتهاك معاهدة كامب ديفيد
وفي ظل انتهاك معاهدة كامب ديفيد من قبل إسرائيل، قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير معصوم مرزوق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما قام به الكيان الصهيوني في رفح يُعد تطوراً خطيراً، لأنه لا يعني استهانة الكيان بأرواح الآلاف من أهل فلسطين، بل يعني أيضاً استهانته بكل التحذيرات التي شملت كل دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة". ورأى أنه بالتالي "يتطلب ذلك من مصر اتخاذ خطوات جادة، تشمل تجميد اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني، وتقديم شكوى رسمية ضد الاحتلال في مجلس الأمن". وأضاف أن "خطوات مصر الجادة وأوراقها القوية للرد على اجتياح الاحتلال لرفح" وانتهاك معاهدة كامب ديفيد "لا ينبغي أن تقتصر على الجانبين السياسي والدبلوماسي، بل يجب أيضاً أن يشمل الجانب العسكري".
وتتمثل الخطوات العسكرية وفق مرزوق في "إعلان التعبئة الجزئية للقوات المسلحة المصرية، ونشر تشكيلات دفاعية في محاور الجيش الثالث (مقرّه مدينة السويس) والثاني (مقرّه الإسماعيلية شرق قناة السويس)، ونشر وحدات متنقلة للدفاع الجوي، مع التسريع في بناء قواعد صواريخ حول المنشآت الاستراتيجية مثل المطارات والموانئ والقواعد العسكرية". وأشار إلى أن انتهاك معاهدة كامب ديفيد "يعني أيضاً سقوط التزام الترتيبات الأمنية (مع إسرائيل) التي تم تعديلها أخيراً بالنسبة لمضيق تيران (بين شبه جزيرة سيناء وشبه الجزيرة العربية) ومن ثم ينبغي تأمين المضيق بشكل محكم، ونشر بعض القوات البحرية عند مدخله كرسالة قوية للاحتلال بأن احتلال معبر رفح لن يمر مرور الكرام".
أوراق مصر لردع إسرائيل
من جهته، حدّد الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد سيف الدولة، عدداً من الخطوات العاجلة التي يجب على القاهرة القيام بها رداً على الانتهاك الإسرائيلي لاتفاقية السلام، منها: تجميد العمل بالمادة الرابعة من اتفاقية السلام، والدفع بأعداد كبيرة من القوات والعتاد والأسلحة بالقرب من الحدود في سيناء لمواجهة المخطط الإسرائيلي للتهجير القسري. وشدّد في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة التوقف العاجل عن المشاركة في حصار قطاع غزة، وإلغاء اتفاقية فيلادلفيا التي تعطي لإسرائيل حق الفيتو على كل ما يخص معبر رفح، وفتح المعبر لإدخال المساعدات الإنسانية رغماً عنها، ومن بدون انتظار إذنها، مع وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإغلاق السفارات وسحب وطرد السفراء".
وأشار أيضاً إلى "ضرورة الإسراع في إعادة أهالي رفح والشيخ زويد، (المصريتين في سيناء)، والذين تم ترحيلهم من مدنهم في السنوات الماضية، من أجل إقامة منطقة حدودية عازلة، وذلك حتى يكونوا حائط صد ضد أي انتهاكات إسرائيلية متوقعة"، بعد انتهاك معاهدة كامب ديفيد. وأضاف أن هذه الإجراءات يجب أن تتزامن "مع إعادة فتح الأنفاق وحفر المزيد منها لإمداد ما يزيد عن مليوني فلسطيني بحاجاتهم الحياتية الأساسية في مواجهة حرب التجويع والتعطيش".
ولفت إلى أن الأوراق التي تمتلكها مصر لردع العدوان الإسرائيلي كثيرة تمتد من "إغلاق معبر طابا (مع إيلات في الأراضي المحتلة) وتجميد عمل اتفاقية طابا التي تبيح للإسرائيليين السياحة على شواطئ سيناء لمدة أسبوعين من دون تأشيرة، إلى وقف صفقة استيراد الغاز من دولة الاحتلال، وتجميد عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط، بالإضافة إلى تجميد اتفاقية الكويز التي تجبر المصنعين المصريين على اختيار شريك إسرائيلي إذا أرادوا تصدير منتجاتهم للولايات المتحدة". ودعا سيف الدولة إلى الاعتراف بشرعية المقاومة الفلسطينية ودعمها، وتزويدها بكل ما يمكنها من الصمود والنصر في مواجهة العدوان، مع "إعادة تشكيل سياساتنا وعلاقاتنا وتحالفاتنا الخارجية والإقليمية على أساس مناهض للهيمنة الأميركية".
بدوره، وصف أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، في حديث لـ"العربي الجديد"، موقف مصر من انتهاك معاهدة كامب ديفيد واحتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح، بأنه "شديد الحساسية والدقة". وأضاف أنه "في الوقت الذي تدرك فيه مصر أن الخطر قد اقترب من حدودها وأمنها القومي، فهي تدرك أيضاً وجود فرصة قوية لتحقيق التهدئة والوصول إلى صفقة تبادل الأسرى ووقف العدوان على القطاع". واستدرك أنور أنه "إذا شعرت مصر بأن الأمل في تحقيق المفاوضات الجارية في القاهرة اختراقات واضحة، فإن رد فعل مصر سيكون مختلفاً، وكذلك وسائل التعبير عن الغضب المصري ستتغير بشكل يراعي الغضب الشعبي ضد إغلاق الجانب الفلسطيني من معبر رفح". ولفت إلى أنه "في هذه الأجواء، تبقى في جعبة القاهرة، بحال مضى (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو في اجتياح رفح، العديد من الأوراق، منها: طرد السفيرة الإسرائيلية من القاهرة (أميرة أورون)، أو تجميد اتفاقية السلام لعدم الحصول على موافقة مصرية على دخول أسلحة ثقيلة (دبابات ومدرعات) للمنطقة د". من جهة ثانية رأى أنه "يمكن أن يتاح مجال أوسع (في مصر) للتعبير عن الغضب الشعبي تجاه العدوان الإسرائيلي".
المصدر: العربي الجديد