2024-11-23 11:52 م

توافق حماس وإسرائيل حول وقف النار أشبه بتربيع الدائرة

عبر مدير عام "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات، د. عزمي بشارة، خلال لقاء خاص مع "التلفزيون العربي" مساء الجمعة، عن تشاؤمه من إمكانية التوفيق بين حركة حماس وإسرائيل في المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة، واصفا احتمال حصول ذلك بأنه أمر "أشبه بتربيع الدائرة"، مكررا موقفه بأنه لن يكون هناك يوم تالي في غزة لا توجد فيه مقاومة.

وقال إن قيادة فلسطينية موحدة هي من يستطيع انتزاع حل عادل للقضية الفلسطينية، لكنه بدا متشائما كذلك من إمكانية تحقق ذلك في المدى المنظور. وأوضح بشارة أن تعليق تسليم واشنطن قنابل لإسرائيل لن يوقف الحرب، مرجحا أن الإدارة الأميركية كانت على علم بخطة إسرائيل دخول رفح يوم الثلاثاء الماضي، وكشف عن رفض وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، تصورات 6 دول عربية لحل الدولتين.

على صعيد آخر، وصف بشارة احتجاجات طلاب الجامعات الأميركية ضد الإبادة الحاصلة في غزة، بأنها ثاني أكبر إنجاز لصمود الفلسطينيين، لافتا إلى أن ربط اليهود بإسرائيل هو معاداة السامية الحقيقية.

مفاوضات الهدنة واحتلال رفح واليوم التالي

وقال بشارة إن الأميركيين كانوا على علم بنية قوات الاحتلال دخول رفح واحتلال المعبر من الجهة الفلسطينية يوم الثلاثاء، مذكّرا بأن النقاش بين واشنطن وتل أبيب هو حول كيفية دخول رفح وليس حول الفكرة بحد ذاتها بما أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تزال داعمة لهدف الحرب المركزي وهو القضاء على حركة حماس بمعنى منعها من إدارة غزة مستقبلا. وفي هذا السياق، توقع بشارة أنه بعد إتمام احتلال رفح والعجز عن تحرير الرهائن، ستكون الفضيحة الكبرى لبنيامين نتنياهو الذي يعوّل على عملية رفح للقول إن المهمة أنجزت وعندها يبدأ التفاوض مع الأطراف التي ستدير غزة. لكن بشارة شدد في هذا الإطار على أنه "لن يكون هناك يوم تالي لا توجد فيه مقاومة على ما يبدو" في غزة.

أما بالنسبة للورقة التي قدمها الوسطاء لإبرام اتفاق هدنة وتبادل أسرى ورهائن بين إسرائيل وحركة حماس، فقد رأى بشارة أنه يصعب التوصل إلى تفاهم بين الطرفين حول وقف إطلاق النار والانسحاب بعيدا عن المحاور التي سيعبر من خلالها المهجّرون إلى مناطق سكنهم، إلى درجة أن التوفيق بينهما حول ذلك سيكون أشبه بتربيع الدائرة، لأن الطرف الفلسطيني يقول إنه بعد كل ما حصل، لن يقبل بأقل من وقف إطلاق النار، في مقابل تمسك إسرائيلي بـ"إكمال المهمة". واسترسل في شرح هذه النقطة قائلا إن الأزمة هي بين من يرفض وقف إطلاق النار بأي ثمن ومن يعتبر وقف إطلاق النار شرطا لا بد من تحقيقه.

وفي ما يتعلق بمسار الأيام الماضية من مفاوضات القاهرة، أوضح المدير العام لـ"المركز العربي" أن الأميركيين كانوا يروجون إلى صعوبة عودة الحرب بعد الهدن الطويلة في حال تم الاتفاق عليها، لكن بالنسبة لحركة حماس "كان هذا غير كافٍ فحاولت إدخال صياغات في النص توحي بأن التهدئة تعني وقفا دائما لإطلاق النار، وهو ما رفضته إسرائيل ورفضت التعبير عنه في الصياغات" على حد تعبير بشارة.

وردا على سؤال حول جدوى التفاوض في ظل هذا الاستعصاء، فسّر بشارة أن استمرار التفاوض سببه عدم رغبة أي طرف بالظهور كأنه يرفض التفاوض، بالإضافة إلى رغبة المقاومة بكسب الرأي العام وتثبيت أنها مرنة وتريد التوصل إلى تسوية في حين تريد إسرائيل فقط هدنة مؤقتة لاستعادة أسراها واستئناف الحرب بعدها. وتابع أن التفاوض كان يجري طيلة هذه الفترة على كافة الأمور الأخرى ثم يعودون إلى الأزمة الحقيقية، أي وقف إطلاق النار، "حتى أنهم وصلوا يوم الثلاثاء إلى تفاهم حول معظم البنود ما عدا وقف إطلاق النار والانسحاب".

خلاف حقيقي بين بايدن ونتنياهو؟

وردا على سؤال غالبا ما يطرح بخصوص وجود خلاف حقيقي من عدمه بين بايدن ونتنياهو، أجاب بشارة بأن هناك خلافا حقيقيا بالفعل لكنه يتمحور حول الأدوات. وأشار إلى أن هناك امتعاض من قبل حلفاء إسرائيل من طول الحرب ومن عجز تل أبيب عن القضاء على المقاومة ومن هذا العدد من الضحايا المدنيين، مع أن الأميركيين يتفقون مع إسرائيل على ضرورة القضاء على حماس، ويتفقون معها على ضرورة الدخول إلى رفح، لكن رغم ذلك يريدون تحقيق هذا الهدف من دون أن يحرجهم، لأن الأمر أصبح شأنا داخليا في أميركا في سنة انتخابية. وخلص بشارة إلى أن لا تغيير حقيقيا في الدعم الأميركي بالمال والسلاح والسياسة لإسرائيل. وبالنسبة إلى تعليق تسليم واشنطن قنابل وقذائف محددة لتل أبيب، لم يجد بشارة في تلك الخطوة إلا "حدا أدنى لن يمنعهم من الاستمرار في الحرب" لأن كل بقية الأسلحة مستمرة في تغذية آلة القتل الإسرائيلية.

اليوم التالي مجددا

أما عن خطط إسرائيل وأميركا لما يعرف بـ"اليوم التالي" للحرب في غزة، فقد لفت بشارة إلى أن إسرائيل استغلت العدوان لتوسيع الاستيطان في الضفة والتخلص من بؤر المقاومة هناك، ولتغيير العلاقة مع عرب الداخل، "لكنهم ظلوا من دون أي إستراتيجية تتعلق بغزة ما بعد الحرب". وأضاف عن هذا الموضوع أنهم (الإسرائيليون) يطرحون كلاما كاستلام قوة فلسطينية عشائرية مع قوة دولية أو عربية زمام إدارة القطاع، وقلل من أهمية هذا الكلام لأن "العشائر غير موجودة بمعزل عن الأحزاب والفصائل في المجتمع الفلسطيني". وتوقع بشارة أن يعني انسحاب إسرائيل من غزة اليوم استلام حماس السلطة لأنها القوة المنظمة الكبرى في القطاع، وتوقف عند خلو الأجندة الأميركية أيضا من أي تصور واضح لمرحلة ما بعد الحرب، بدليل أن المسؤولين الأميركيين طلبوا من 6 دول عربية (من بينهم فلسطين) إعداد تصورات لحل الدولتين واجتمع وزراء خارجية الدول الست وصاغوا أوراقا، وحين رآها بلينكن رفضها جميعها، وفق ما يكشفه بشارة الذي يجزم بأن الأميركيبن "ليس لديهم أي تصوّر عن حل الدولتين لأنهم في سنة انتخابية".

وبرأي بشارة، قد تكون هناك دول عربية راغبة بالتورط في المشاركة بإدارة غزة ولكنها لن تقدم على مثل هذه الخطوة في ظل وجود حماس في حالة متماسكة نسبيا، فضلا عن سبب آخر هو أن التصور العسكري الإسرائيلي ينص على أن يبقى الجيش حاضرا في غزة وجاهزا للتدخل وتنفيذ عمليات في أي توقيت يريده، وهذا يعني حرب مقاومة مفتوحة وبالتالي لن يقدم أي طرف على الدخول إلى غزة لإدارته.

فراغ القيادة الفلسطينية الموحدة

وأعرب بشارة عن أسفه لأن الفراغ يُترجَم بعدم وجود قيادة فلسطينية موحدة تقول للعالم إن "القرار يعود للفلسطينيين، وترغم العالم على التسليم بالحل العادل"، معربا عن عدم تفاؤله بأن هذا سيحصل على الأقل في المدى القريب. وفصّل الحديث عن هذه النقطة بالإشارة إلى أن هذه المقاومة التي تدرك أنها عاجزة عن إدارة الخراب "قد توافق على تسلم حكومة فلسطينية أو إدارة ما، يحصل توافق عليها، وتكون لديها مرجعية وطنية لتدير الأوضاع في القطاع". واستغرب أن الإدارة الأميركية ترفض الاعتراف بأن هذا هو الحل الوحيد المنطقي والمشرّف حاليا، وكأنها لا تفكر بشكل سياسي هذه الفترة بل تمرر الأيام لكي تصل إلى موعد الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

وبحسب تقدير بشارة، لا حل إلا بالتفاوض، حتى أن يتسحاق رابين وصل إلى هذا الاستنتاج بعد الانتفاضة الأولى، لأن لا وجود لحركة تحرر وطني في التاريخ تنتصر عسكريا، بل تنتصر عندما يصل الاستعمار الاستيطاني إلى نتيجة أن التكلفة أصبحت غير قابلة للاحتمال مثلما حصل في جنوب إفريقيا والجزائر.

احتجاجات الجامعات الغربية الإنجاز الثاني للصمود الفلسطيني

وبدا بشارة شديد الاهتمام بما يحصل في الجامعات الغربية من احتجاجات طلابية مؤيدة للحق الفلسطيني، واعتبر أن هذا الحراك "مهم جدا ومفصلي وقد يكون الإنجاز الثاني للصمود الفلسطيني بعد إفشال تهميش القضية الفلسطينية". وقال عن هذا الموضوع: لم نشهد منذ النكبة مثل هذا التفاعل مع قضية فلسطين بين النخب ممن سيكون لهم تأثير كبير في المستقبل مهنيا واجتماعيا وطبقيا وسياسيا. وبحسب تعبيره، قد تكون الحركة الطلابية الحالية أهم أخلاقيا من الحراك ضد حرب فيتنام في ستينات القرن الماضي، لأنّه في حالة فيتنام، كان المحتجون يناضلون ليس فقط ضد قتل الفيتناميين، بل أيضا لكي لا يُساقوا هم إلى الجيش وإلى الحرب.

وشدد على أن هذه فرصة كبيرة للتأثير على الرأي العام الأميركي على المدى البعيد لأنه ثبتت في هذه الحرب أهمية الدول الغربية وأميركا لإسرائيل التي لم تتمكن من الدفاع عن نفسها من دون أصدقائها. وتوقف بشارة عند واقع أن "حماس" حركة خطابها ديني بينما المحتجون في أميركا دافعهم في تأييد القضية الفلسطينية أخلاقي نابع من قيم العدالة والتحرر الوطني، "بالتالي يجب أن تكون لغة المقاومة الفلسطينية قادرة على مخاطبة هذا الرأي العام بمفاهيمه وأدبياته". ولاحظ أن الحراك الحالي أكثر سلمية من حملة "حياة السود مهمة" وأكثر سلمية من حراك الستينات في أميركا ضد حرب فيتنام، لذلك يتم استفزازهم من قبل أنصار إسرائيل لاستدراجهم إلى العنف. وكرر رأيه بأن هؤلاء الطلاب "قادرون على إحداث التأثير المباشر وسنرى ذلك في الانتخابات الأميركية" في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وردا على سؤال، أوضح بشارة أن كلام نتنياهو عن احتجاجات الطلاب في أميركا "يندرج في سياق عجرفته وتعامله مع الأميركيين بوصاية وأسلوب تلقين وهذا لا بد أنه أصبح يثير نفورا وكرها في أميركا خصوصا في صفوف اليهود الأميركيين".

معاداة السامية والمحكمة الجنائية الدولية

واحتل موضوع معاداة السامية حيزا واسعا من حوار "التلفزيون العربي" مع المفكر العربي عزمي بشارة، المعروف بتخصيصه جزءا من إنتاجه الفكري لهذا الموضوع بالذات. وقال إن تهمة معاداة السامية أصبحت وسيلة "لتغيير الموضوع" ولممارسة إرهاب فكري لأن الضحية حاليا هي الشعب الفلسطيني، "وبمجرد أنك تستخدم كلمة إبادة فهذا يعني تجريد إسرائيل من صفة الضحية". وقبل أن يعود إلى السياق التاريخي الاجتماعي لكره اليهود ثم لمعاداة السامية، قال بشارة إن "ربط اليهود بإسرائيل هو معاداة السامية" الحقيقية.

وشرح بشارة الإطار التاريخي لمعاداة السامية الذي وصفها بـ"العنصرية القبيحة ككل العنصريات وقد أدت إلى المحرقة النازية". وذكر أن اللاسامية عبارة حديثة وُلدت منذ منتصف القرن التاسع عشر حين أصبح هناك عداء اجتماعي لليهود في أوروبا بغطاء ديني، ثم تم تعزيز تلك الكراهية بنظرية أعراق تزعم اختلاف حجم جمجمة اليهود مقارنة بغيرهم. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، يتابع بشارة، أصبح هناك نفور دولي من العداء للسامية وأصبحت هي العنصرية الوحيدة التي يحاسَب عليها قانونياً في الغرب، لذلك أكثر عنصرية مرفوضة ومُجمع عليها في الغرب، هي العنصرية ضد اليهود وإنكار المحرقة. وتوقف بشارة عند محطة مفصلية في جعل معارضة إسرائيل معادلة لمعاداة لاسامية، وهي مؤتمر بوخارست عام 2016 لمنظمة "التحالف الدولي لتذكر المحرقة" International Holocaust Remembrance Alliance.

ونصح بضرورة أن يكون هناك هجوم مضاد لتهمة اللاسامية لا من موقع الدفاع. وختم بشارة حواره برد على سؤال حول الكلام الجدي عن احتمال توجيه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لمسؤولين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، وشدد بشارة على ضرورة التمييز ما بين المحققين في قضية جرائم الحرب الإسرائيلية، وبين المدعي العام للمحكمة (كريم خان) من ناحية أن المستوى الأعلى من المحكمة لديه حسابات ويتعرض لضغوط سياسية كبيرة. وبتحليله، فإن مجرد ارتباك إسرائيل واضطرارها إلى ممارسة الترهيب والضغط والتهديد بهذا الشكل، إنما يدل على مدى أزمة إسرائيل وضعفها، ذلك أنها في الماضي لم تكن مضطرة لا إلى التهديد ولا إلى قمع حرية التعبير لكي تفرض خطابها الصهيوني وروايتها.

المصدر: العربي الجديد