2024-11-24 06:59 م

مصارحة من منطلق الحرص-رئيس الوزراء الفلسطيني بين التكليف والرؤية.. المنطلقات السليمة والبرامج الصادقة لكسب ثقة الشعب

القدس/المنــار/ قبل الدخول في صلب الموضوع الذي يتناول مسألة تكليف الدكتـور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الفلسطينية التاسعة عشرة، لا بد من الاشارة الى بعض النقاط تذكيرا وتعليقا ومقدمة لما سنطرحه ونحن نتناول بعض الجوانب في هذه المرحلة المفصلية، ومنها رؤية رئيس الوزراء المكلف وما يتمناه الشعب من قواعد سليمة حقيقية وجادة للتطبيق على غير ما سبق.
جاء في كتاب التكليف: "أن الوزارة الجديدة مدعوة لقيادة وتعظيم وتنسيق جهود الاغاثة في قطاع غزة ووضع خطط توحيد مؤسسات الدولة، ومواصلة عملية الاصلاح في جميع المجالات ومكافحة الفساد وتعزيز ثقافة الشراكة والحوار بين أطياف ومكونات المجتمع وضمان حرية عمل وسائل الاعلام، واتخاذ الاجراءات للتحضير لانتخابات شاملة رئاسية وتشريعية، وضرورة سيادة القانون وتحقيق الأمن للموان وسرعة الوصول للعدالة"، وهذا يعني أن الوزارات السابقة وجميعها كلفت من قبل الرئيس قصرت في تحقيق وانجاز هذه المطالب، وعهد الى المكلف الجديد الدكتور محمد مصطفى بالابحار الفوري والقيام بهذه المهمة.
وهنا نطرح بعض الملاحظات الهامة والضرورية قبل أن نخاطب بهذه الرسالة المفتوحة المكلف الجديد برئاسة الحكومة ورؤيته التي طرحها قبل اعلان التشكيل الوزاري الذي سيخوض معه معركة "أنجاز المطالب".
* الملاحظة الأولى، هي أن هذا التكليف لم يتم التوافق عليه، كما هو منتظر، وبالتالي، كيف ستكون عليه الشراكة والحوار بين مكونات المجتمع، وملف المصالحة واصل الترحال في عواصم الشرق والغرب دون جدوى.
* الملاحظة الثانية: ان قيادة وتنسيق جهود الاغاثة في قطاع غزة بحاجة الى توافق مع جهات عارضت التكليف الجديد، ومنها ما هي اطراف رئيسة ومتجذرة في قطاع غزة، من الصعب تجاوزها، وقد لا يستطيع المكلف بالتشكيل الوزاري الجديد انجاز هذا المطلب، خاصة وأن هناك العديد من الجهات الخارجية تعمل بوضوح ووقاحة للسيطرة على القطاع وتدجينه وحتى فصله عن جناحه الثاني، الضفة الغربية، وتملك من الوسائل والامكانات ما تعجز السلطة الفلسطينية عن مواجهتها، بل تنظر الى هذه السلطة على انها شريك، أو وسيلة لتحقيق أهداف عدوانية.
* الملاحظة الثالثة: ان التشكيل الحكومي المرتقب فرضته ضغوط خارجية تحت غطاء اجراء الاصلاحات واجتثاث الفساد، ولهذه الجهات الضاغطة مفهومها الخاص ازاء ما طلبته.
* الملاحظة الرابعة وهي الأهم: ان هذا التشكيل جاء بعد أشهر من يوم السابع من اكتوبر الذي افرز معادلات جديدة من الصعب ان لم يكن من المستحيل مسحها او القفز من فوقها وهذه الحقيقة يفترض في المكلف الجديد ادراكها جيدا.
* أما الملاحظة الخامسة، فهي ضرورة الالتفات الجاد والفعلي لنبض الشارع، والوقوف على مطالبه وتطلعاته، بمنظار صادق بعيدا عن التقارير الوهمية الكاذبة والوشوشات المدمرة، وهنا تجدر الاشارة الى أن المتفحص لموقف الشارع من خطوات التكليف والرؤى والتشكيل يجد أن ليس هناك اهتماما بما يدور، بمعنى أوضح، أن الاحباط مسيطر، ولم يعد هناك اكتراث بمثل هذه الخطوات لأنه لم يشعر بنتائج ايجابية من مثيلاتها في السابق.

الرؤية والرد على التكليف
بداية، انه حمل ثقيل أُلقي على كاهل الدكتور محمد مصطفى في مرحلة مفصلية وظرف عصيب، وتكاثر لجهات معادية شقيقة وقريبة وخارجية، ولا أعتقد أن هذه الجهات تريد خيرا حقيقيا وتحولات اصلاحية جادة وجذرية لشعبنا.
وفي ضوء الرؤية التي طرحها المكلف برئاسة الحكومة يمكن القول أنها محبوكة جيدا وطرح ثقة بينه وبين الشارع فليست هناك مؤسسات فاعلة في الساحة الفلسطينية لمناقشتها، وبالتالي هذا يتطلب من الدكتور محمد مصطفى الحذر وعدم الاستهانة والاستفادة من الماضي دروسا، وعثرات وتجاوزات وركود وظلم في أغلب الاحيان، فالتجارب هي خير معلم، وكلما كان هناك اقتراب من الشارع وسماع مواقفه وشكواه، كلما تزايدت الامال بالنجاح. 
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، هل مقاييس اختيار الوزارة في الحكومة العتيدة تختلف عن تشكيل سابقاتها، أي بعيدا عن المحسوبية والاستزلام والشراكات والمنافع الذاتية، وهل هناك استفراد لاشخاص بعينهم في هذا الاختيار لا يقيمون وزنا واهتماما للمقاييس السليمة، بعيدا عن الشخصنة والاحقاد والقدرة والكفاءة والفهم؟؟
ان حسن ودقة الاختيار احد أعمدة النجاح في مسار الحكومة يمنحها القدرة على العمل والانتاج لما فيه خير أبناء الشعب الذي يعيش معاناة حادة مؤلمة أملا في النجاح وسياسة تخفف عن كاهله الهموم والالام والاحزان.
ومن حرصنا على نجاح مهمة رئيس الوزير الجديد، نسأل هل لديه القدرة على اجتثاث الفساد، ووقف التسيب والاستبداد داخل المؤسسات والوزارات، وهل يقدم بجرأة على سماع المظالم داخلها، وهل يعيد النظر في قرارات غير سليمة متخذة، ووضع حد للاحتكار والتفرد وسياسة تحويل المواقع الى مزارع موروثة عن الاباء والاجداد، وهل يسارع رئيس الوزراء الجديد الى اتخاذ حاشية مؤتمنة تبعده عن الاخطاء وتضع بين يديه النصائح والتقارير السليمة، بدون نكاية وشماتة بعيدا عن الاحقاد الشخصية، على قاعدة ان الدين النصيحة والمستشار مؤتمن، ففي التاريخ الكثير من التجارب والدروس في مقدمتها، كيف أن قيادات سقطت بفعل بطانتها!! هناك أمور وقضايا عديدة داخلية من السهل البحث عنها والاطلاع عليها، حيث الخلل والظلم والتصرفات الفردية من منطلق شخصي، فما الذي يمنع أن يفتح رئيس الوزراء أبوابه للمظلومين، ليضعوا مظالمهم على طاولته، لدراستها، ومنحهم حقوقهم التي هضمت بجرة قلم!!
أبناء هذا الشعب، يدركون الكثير من المسائل والقضايا والممارسات التي تبعث على الالم وتثير فيهم الدهشة، يكتمون الغيظ، لعل يتم تدارك الامور ويزول العبث، وينتهي الظلم ويتوقف التسيب والنهب وتتم مساءلة ومحاسبة الفاسدين الصغار والكبار، ان فاسدا واحدا يسيء لقيادة بأكملها ويساهم في اسقاطها ويوما سينقلب ضدها ويتهمها، وما دام كان الاختيار بتكليفك رغم ما يقال، فانك تملك الحق في اصلاح الامور، ولا شك أنك على علم بأغلبها، وما تحتاجه هنا، هو الجرأة التي ستلقى الدعم من شعبك داعما ومؤيدا فالقائد يستمد قوته من أبناء شعبه.

الرؤية.. المطلوب والتحذير
في الرؤية التي طرحها الدكتور محمد مصطفى، جاء أن "الخطوة الاساسية في استعادة ثقة الشعب وضمان الشرعية تكمن في الالتزام باجراء الانتخابات الديمقراطية والتهيئة لاجرائها رئاسية وتشريعية كخطوة وطنية وضرورية لتفعيل المؤسسات الديمقراطية".
الانتخابات لم تجر منذ سبعة عشر عاما، والظروف خلالها لم تكن صعبة كما هي اليوم، فقطاع غزة تحت الاحتلال والقصف وحرب الابادة، وقوى عديدة تتكالب عليه دون توضيح، مع أنه كان بالامكان اجراء هذه الانتخابات سابقا بعيدا عن اية ذرائع كانت تطرح.. أما اليوم وفي الظروف الصعبة المأساوية في الساحة، فان اجراءها سيأخذ سنوات طويلة، وهنا، هل ستكسب الحكومة العتيدة ثقة الشعب من خلال الاصلاحات الحقيقية الجادة التي تنتظرها؟!
وهل يستطيع رئيس الوزراء الجديد السعي عبر خطوات سليمة المساهمة في رأب الصدع الذي يضرب الساحة الفلسطينية منذ سنوات طويلة، يتابع الدكتور محمد مصطفى في رؤيته "مع الوعي التام بأن المعطيات على أرض الواقع في الضفة والقدس والقطاع يجب ان تكون في وضع يفضي الى ضمان ان تكون الانتخابات ممثلة لأبناء شعبنا بشكل حقيقي وشامل"، والسؤال هنا، كم من السنوات نحتاج حتى تجري هذه الانتخابات، مع التذكير هنا، بأن فرصا ضاعت على امتداد سنوات طويلة، تم تجميد هذا الموضوع!!
وجاء في الرؤية المطروحة أيضا: "الحكومة المقبلة عازمة على مواصلة وتعزيز مسيرة الاصلاح المؤسسي كمتطلب وضرورة وطنية، لكسب ثقة الشعب عبر برنامج اصلاح شامل" وهنا، هل تستطيع حكومة الدكتور محمد مصطفى تحقيق هذا المطلب، ووضع اليد على الجرح ومعالجته عمليا، وخلع قواعد الفساد المستشري، ووضع حد لاباطرة هذا الفساد، داخل الحكم وخارجه.
أما عن تعزيز سيادة القانون، فالمعضلة كبيرة، ولا بد من اصلاح حقيقي للقضاء يحفظ للمواطن كرامته وحقه، دون استغلال لفئة بعينها أو أشخاص وضعوا أنفسهم فوق القانون، وأن تكون استقلالية القضاء حقيقية لا مجرد شعار يرفع كالعادة، فاستقلاليته جزء من مكافحة الفساد، هذا الفساد الذي تعترف به رؤية رئيس الوزراء المكلف، وهل بالامكان تعزيز بنية الدولة التي اصيبت بخلل واضح.
ان الوصول الى نظام حوكمة صلب ومتين، بحاجة الى خطوات صادقة جريئة، مستندة الى المساءلة والمحاسبة، وعدم التسامح مع أي شكل من أشكال الفساد، كما تضمنته رؤية رئيس الوزراء محمد مصطفى، فهل يمتلك الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك، ومن الجرأة والحزم لوضع حد لهذا الخلل الذي ضرب بنية الدولة، كما اشارت اليها الرؤية المطروحة.
اما النقطة التي حملتها الرؤية المتمثلة في التصميم الذاتي كفلسطين والمجتمع الدولي لانجاز تغيير حقيقي على المستويات المختلفة وفق "اللحظة الفارقة"، وما دام الوقت قد حان ، كما جاء في الرؤية، فيجب الاعتراف بأن السابع من اكتوبر وضع القضية الفلسطينية على سلم أولويات دول العالم، ومن هنا، يفترض أن يكون المنطلق، وادراكه جيدا دون تأويل أو تهميش أو تصغير وتسخيف.
ختاما، ومن حرصنا على سلامة الساحة والسعي وصولا لتطلعات شعبها، نتمنى لرئيس الوزراء المكلف كل التوفيق بحمل الامانة، والقدرة على تنفيذ رؤيته التي هي عبارة عن طلب الثقة من شعبه، في غياب المؤسسات الدستورية، مع التمسك بالتزامه المساهمة في تحقيق الوحدة الوطنية.