2024-11-24 09:02 م

مخطّط القرن العشرين للعراق ومخطّط القرن الواحد والعشرين للسعودية

كتب وليد الخالدي
لم يعد خافياً ما يخطّطه الصديقان الحميمان المرشد بنيامين نتنياهو والمريد المدعو جو بايدن لمستقبل كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة في مشرقنا، بل ولمستقبل مشرقنا ذاته بأسره، فقد أصبح ما يخطّطانه واضحاً وضوح الشمس في ضحاها. تصبو خطّة الصديقين الكبرى Master Plan إلى خلق تغيير جيوستراتيجي مصيري في موقع المشرق العربي في الباحة الدولية، بحيث يغدو جزءاً أبديّاً لا يتجزأ من المنظومة الأمنية الغربية برئاسة الولايات المتحدة، بما فيها الحلف الأطلسي المتنامي في أعقاب الحرب الأوكرانية، وذلك في وجه الدول العالمية الكبرى غير الموالية للغرب وعلى رأسها الصين وروسيا.
ويُحاكي هذا المخطط مخطّطاً غربياً سالفاً، حاولت بريطانيا والولايات المتحدة فرضه على مشرقنا في القرن الماضي عبر مشروع ما عُرف بحلف بغداد المردَف بمشروع أيزنهاور مع فوارق بين المخطّطين منها:
أولاً: كان العهد العراقي الهاشمي بقيادة نوري السعيد المخضرم المرتكز الأرخميدي Archamedean Fulcrum في مشروع مخطّط القرن الماضي، بينما مرتكز اليوم هو العربية السعودية بقيادة وليّ عهدها الشاب.
ثانياً: كان غاية مخطّط القرن الماضي تعبئة المشرق العربي في وجه الشيوعية السوفياتية، بينما غاية مخطط اليوم تعبئة المشرق العربي في وجه خليفة روسيا السوفياتية بقيادة بوتين Putin والصين في آن.
ثالثاً: كان هدف مخطّط القرن الماضي عملاً بمبدأ «فرّق تسد» العتيد إلى تجذير الخلاف العربي البيني وتأجيجه أي الخلاف بين الحواضر بغداد والرياض من ناحية والقاهرة الناصرية من الناحية الأخرى، بينما هدف مخطّط اليوم الجهنمي عملاً بالمبدأ إياه هو تجذير الخلاف البيني المذهبي الإسلامي وتجذيره، أي الخلاف بين أهل السنّة من ناحية وأهل الشيعة من الناحية الأخرى، وذلك باعتبار إيران الشيعية خطراً وجودياً على الأمة العربية. وأن الجوالي العربية الأصيلة الشيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية وسائر الأقطار العربية والإسلامية هي مجرد مخالب لأجهزة إيران الشيعية الأمنية مشهرة ضد سكان هذه الديار السنيين الآمنين وضد إسرائيل والمصالح الغربية في المشرق في آن.
واللافت كل الإلفات في المخططين أن كليهما يرميان إستراتيجياً إلى تحويل أنظار الرأي العام العربي بعيداً من الخطر الصهيوني الحقيقي القابع على سرّة العالم العربي: فلسطين ملتقى مغربه بمشرقه، بل إن الدافع الأكبر أصلاً لكلا المخططين إن هو إلا حرص الغرب العنيد على هذا التحويل تأميناً لمستقبل إسرائيل ولضمانه، واللافت كل الإلفات أيضاً، أن مخطط القرن الماضي تحاشى كلياً أي ذكر لإسرائيل بينما يجاهر مخطط اليوم وعلى رؤوس الأشهاد بأنه يحمل في طياته الحل المرتجى للقضية الفلسطينية، أما كيف يكون ذلك فيبشرنا مخطط اليوم بأن السر يكمن في دور السعودية والسعودية بالذات من حيث أنها المرشحة لتكون المرتكز الأرخميدي الإقليمي المعاصر لمخطط اليوم ولحل القضية الفلسطينية في آن. وهو المخرج الذي فتق لبنيامين نتنياهو طاهي هذا المخطط أصلاً الذي سلف أن سوّقه في حينه بنجاح إلى صاحب الصفقات دونالد ترامب عبر صداقة صهره اليهودي مع ولي العهد السعودي، وهو المخرج إياه الذي كرر نتنياهو تسويقه إلى خليفة ترامب الصهيوني العقائدي منذ نصف قرن وصديقه الحميم المدعو جو بايدن.
ولكن ما هو هذا الدور ولماذا العربية السعودية بالذات؟
يعود بعض الجواب إلى أنه إذا كانت ثمة آلهة تعبدها النخبة السياسية الأميركية فهي يقيناً آلهة المال، وبعضه الأهم أنه خلافاً للتطبيعيين الإبراهيميين السبّاقين الأربعة، فلا وزن أدبياً أو معنوياً، ولا صفة تمثيلية لأي منهم حتى تجاه رعاياهم هم ناهيك عن أي صفة رمزية مهما كانت تتعدى حدودها، بينما إضافة إلى قناطير السعودية المقنطرة فهي إلى كونها دولة كسائر أقرانها تحتل في آن منزلة لا تضاهيها منزلة أي دولة أخرى أينما كانت في هذا الكون طرّاً من حيث سموها ورفعة مقامها وفرادتها الرمزية الروحية بصفتها سادنة الحرمين الشريفين وهو ما يُملي على أُولي الأمر في الرياض وجائب وموجبات لا تنسحب على أي دولة عربية أو إسلامية سواها والتي حريّ بنا أن نتطرق إليها في معالجة تالية بإذن الله.
* مؤسس مؤسسة الدراسات الفلسطينية
المصدر: الاخبار اللبنانية