ينزلق الشرق الأوسط سريعاً نحو حافة الهاوية مع استمرار عدوان إسرائيل على قطاع غزة، فهل تخرج الأمور عن السيطرة ويتجه الشرق الأوسط نحو حافة الهاوية؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يتناول الإجابة عن هذا السؤال مع بداية عام 2024، ورصد التقرير كيف أن الشرق الأوسط يقترب من حافة صراع إقليمي أوسع، وكيف أن الأحداث المتلاحقة خلال الأسبوع الماضي تشير إلى أن حافة الهاوية التي تمنعه من الانزلاق إليها قد تنهار سريعاً.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود من جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
"مناوشات" حزب الله والموقف في البحر الأحمر
في ظرف ساعات من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأ حزب الله في لبنان بإطلاق النار على بلدات وقرى شمال إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، وردت إسرائيل على ذلك بشن غارات جوية.
وفي الوقت نفسه، بدأ الحوثيون في اليمن في شن هجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر. وكانت الولايات المتحدة قد قامت على الفور بإرسال حاملتي طائرات والسفن الحربية المرافقة لهما إلى المنطقة لدعم حليفتها إسرائيل. وبعد أن تعرضت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق لهجمات متكررة من الجماعات المرتبطة بإيران، لم تتأخر واشنطن في الرد عليها.
وفي الوقت نفسه اندلعت احتجاجات في الضفة الغربية على قصف المدنيين في غزة، ولم يلبث المستوطنون اليهود المتطرفون أن استغلوا موجة الغضب الإسرائيلي ليستولوا على الأراضي الفلسطينية ويروعوا سكانها.
وبحسب الغارديان، فإن كل جبهة قتال من هذه الجبهات قد تشعل حريقاً هائلاً في الشرق الأوسط، وتشير الأيام القليلة الماضية إلى مدى السهولة التي قد يدفع بها التصعيد، سواء كان مقصوداً أم لا، إسرائيل إلى مواجهة مفتوحة مع إيران، وتجر معها الولايات المتحدة أيضاً.
إذ تسببت غارة جوية إسرائيلية على محيط دمشق في مقتل شخصية بارزة في الحرس الثوري الإيراني، السيد راضي موسوي، الذي كان مسؤولاً عن الاتصال العسكري بين سوريا وإيران. وبعد وفاة موسوي يوم الإثنين الماضي 25 ديسمبر/كانون الأول، أصدر الحرس الثوري الإيراني بياناً أعلن فيه أن "النظام الصهيوني الغاصب الوحشي سيدفع ثمن هذه الجريمة".
ولو تعرضت سفينة حربية أمريكية لهجوم، فسيواجه جو بايدن ضغوطاً شديدة للإتيان برد حاسم، في الوقت الذي يدخل فيه عاماً انتخابياً صعباً ويتطلع الجمهوريون إلى استغلال أي نقطة ضعف.
وخلال الساعات الأخيرة من العام المنصرم 2023، قالت حركة الحوثي اليمنية إن "قوات العدو الأمريكي أقدمت على الاعتداء على ثلاثة زوارق تابعة للقوات البحرية اليمنية، ما أدى إلى استشهاد وفقدان عشرة أفراد من منتسبي القوات البحرية".
وذكر المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع في بيان أن "القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية نجحت في تنفيذ عملية عسكرية استهدفت سفينة الحاويات ميرسك هانغتشو وكانت متجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، وذلك بصواريخ بحرية مناسبة"، وتابع أن "عملية الاستهداف جاءت رفض طاقم السفينة الاستجابة للنداءات التحذيرية للقوات البحرية اليمنية"، بحسب رويترز.
هل تدفع إسرائيل نحو انفجار الموقف؟
يوم الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، تعليقاً في إحدى الصحف الأمريكية يعبر فيه عن وجهة نظر كثيرين في الجانب المتشدد من المؤسسات الأمنية في إسرائيل والولايات المتحدة وهي أنه مكتوب عليهم محاربة وكلاء إيران إلى أن تحدث المواجهة المباشرة مع إيران.
وقال بينيت في مقاله في صحيفة The Wall Street Journal: "لا بد من إسقاط إمبراطورية الشر الإيرانية. على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تدركا أن هدفهما الواضح إسقاط النظام الإيراني الشرير. وهو ليس ممكناً فحسب، وإنما حيوي لسلامة وأمن الشرق الأوسط والعالم المتحضر برمته".
ويوم الجمعة 29 ديسمبر/كانون الأول، انعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة العنف في الضفة الغربية، لكن الجلسة انجرفت سريعاً إلى مناقشة حرب إقليمية.
واعتبر المبعوث الإسرائيلي جلعاد أردان قضية عنف المستوطنين في الضفة الغربية محاولة إلهاء عن التهديد الذي يشكله حزب الله في لبنان. وقال أردان: "الوضع في شمال إسرائيل في طريقه إلى نقطة اللاعودة"، مؤكداً على تحذير متكرر من المسؤولين الإسرائيليين بأن بلادهم ستتولى الأمور بنفسها، ربما بإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان.
قال المبعوث الإسرائيلي: "إذا استمرت هذه الهجمات، أؤكد أن الوضع سيتصاعد وقد يؤدي إلى حرب شاملة. لا بد من محاسبة لبنان على العدوان الذي ينفَّذ من أراضيه".
بينما قال محمد خالد الخياري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، لأعضاء مجلس الأمن إن الجزء الأكبر من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله كان حول الحدود، إلا أن بعض الضربات كانت تتعمق في أراضي الطرف الآخر، وهذا "يثير شبح حدوث صراع لا يمكن احتواؤه وله عواقب مدمرة على شعبي البلدين".
وأضاف الخياري أن "خطر سوء التقدير وتزايد التصعيد يتفاقم مع استمرار الصراع في غزة".
أعربت لانا نسيبة، مبعوثة دولة الإمارات، عن قلق العالم العربي من أنه في غياب "قرارات جريئة وربما غير مريحة" لوقف الانجراف نحو صراع إقليمي، فما قد يحدث "أن يمتد جحيم غزة إلى الضفة الغربية وإسرائيل ولبنان وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط".
نتنياهو والهروب إلى الأمام
منذ عملية طوفان الأقصى العسكرية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 304 فلسطينيين قتلوا في الضفة الغربية، من بينهم 79 طفلاً، إلى جانب أربعة إسرائيليين، ثلاثة منهم جنود. وقُتل أربعة إسرائيليين آخرين في القدس الغربية في هجوم شنه مسلحون فلسطينيون في 30 نوفمبر/تشرين الثاني. وأصيب أحد القتلى برصاص جندي إسرائيلي بالخطأ.
قال خالد الجندي، الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن العدد غير المتناسب من القتلى الفلسطينيين يشير إلى أن القوات الإسرائيلية تفرط في القتل لردع أي انتفاضة قد تشهدها الضفة الغربية تضامناً مع غزة. وأضاف الجندي: "يتصور الإسرائيليون أنهم يمنعون انتفاضة ثالثة. لكنني أظن أن الطريقة التي يعملون بها هي ما قد تتسبب في حدوثها".
وأشار أيضاً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزيد من قابلية الوضع للاشتعال في المنطقة. ونتنياهو، الذي يحمّله الإسرائيليون بأغلبية ساحقة مسؤولية الثغرات الأمنية التي سمحت بوقوع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مهدد بخسارة منصبه السياسي، ولكن حين ينتهي القتال، أو على الأقل حين تقل حدته. ومن ناحية أخرى، فالتصعيد قد يبقيه في منصبه.
وقال الجندي: "نتنياهو، بصراحة، هو من يملي الشروط على جميع الجبهات – في غزة، وعلى حدود لبنان، وفي المنطقة برمتها- لأسبابه هو. فهذه حربه. وأعتقد أنه في كل يوم يستمر فيه هذا الوضع، فإننا نقترب من اكتساح هذه الفوضى للمنطقة برمتها".
وما يزيد الأوضاع خطورة هو أنه لا يبدو أن هناك خيارات جيدة بالنسبة لمستقبل عدوان إسرائيل على غزة، بحسب تقرير يرصد التداعيات المحتملة لأي مسار تختاره حكومة بنيامين نتنياهو، عنوانه "نظرة مستقبلية على الحرب الإسرائيلية لتدمير حماس" ونشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
المصدر: عربي بوست