ترجمة حفصة جودة
الكلمات ليست كافية، قرارات الأمم المتحدة ليست كافية، الإدانات الرسمية ليست كافية، هذه المساعدات الهزيلة ليست كافية، كل ذلك كلمات جوفاء وتصرفات لا معنى لها.
يواجه الشعب الفلسطيني إبادةً جماعيةً، فـ”إسرائيل” تقتلهم عشوائيًا وتخرجهم من ديارهم وتدمر قراهم ومدنهم، لذلك يجب أن تتصرف الدول العربية بشكل لائق، لقد حان الوقت كي يقطع العالم العربي – بما في ذلك السلطة الفلسطينية – علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية مع “إسرائيل”، فكل الدول لا تستجيب إلا لمصالحها الشخصية وليس الالتماسات الأخلاقية.
ورغم أنني سأظل ملتزمًا دائمًا ببناء القضية على العدل، فإنني هذه المرة أود التركيز على: لماذا من مصلحة الدول العربية قطع العلاقات مع “إسرائيل” فورًا.
هناك سببان رئيسيان ترى الأنظمة العربية بسببهما حاليًا أن مصلحتها مرتبطة بالوضع الراهن، حيث تواصل فيه “إسرائيل” مشروعها الاستعماري الاستيطاني، بينما تتجاهل الدول العربية القضية الفلسطينيية.
الأول والأهم، أنهم يخشون من القوة العسكرية الإسرائيلية، وحقيقة أنها تملك قوة نووية، كما أن الدول العربية لا تعتقد أن مواجهة “إسرائيل” من مصلحتها، خاصة أن “إسرائيل” وحلفاءها الغربيين بإمكانهم تدمير الجيوش العربية.
ثانيًا، هذه الأنظمة لا ترغب في مواجهة القوى الغربية، فجميعهم يفهمون جيدًا أن “إسرائيل” ما هي إلا قاعدة استيطانية للغرب، ومنذ أن قرروا أنهم لن يستطيعوا مواجهة القوى الأمريكية، فقد قرروا العمل في نطاق هذه المعطيات، التي تحقق لهم فوائد اقتصادية أيضًا.
في الحقيقة، هذه الفوائد الاقتصادية الناتجة عن تلك المنهجية متركزة بشكل كبير في يد أقلية من النخبة السياسية والاقتصادية، قد يصل بعضها إلى الطبقة المتوسطة، لكن بشكل عام لا تستفيد غالبية شعوب المنطقة من تلك الترتيبات، ويرون أن النخبة الحاكمة فاسدة – وهم محقون في ذلك – لذلك قامت ثورات الربيع العربي.
الروح الثورية
رغم أن الأنظمة العربية تمكنت من قمع الثورات والحفاظ على سلطتها بالقوة من خلال السجن والتعذيب والقتل والرقابة التامة، فإنها لم تتمكن من قمع الروح الثورية، هذه الروح ستنهض ثانية وتطالب بإسقاط جميع الأنظمة.
وبينما ترى النخبة السياسية والاقتصادية أن هذه المشكلة يمكن التعامل معها من خلال الإجراءات الأمنية، كما فعلوا من قبل، إلا أنني أود أن أحذرهم من الخلط بين النتائج قصيرة المدى والاستقرار طويل المدى، والأهم من ذلك الخلط بين الثروة والكرامة والحرية الحقة والسيادة.
تدعم غالبية شعوب المنطقة فلسطين لعدة أسباب، من بينها أنهم يرون المعاناة الفلسطينية انعكاسًا لمعاناتهم ورغبتهم في الحرية والكرامة، فهم منبهورن برؤية الشعب الفلسطيني يقاوم هذا العتاد العسكري الإسرائيلي الأمريكي بموارد شحيحة، ودون أن تكون لهم دولة رسمية.
هذه الأفكار سترتد سريعًا على الأنظمة التي تدعي أنها تمثلها، فقد بدأوا يسألون لماذا فشل النظامان المصري والأردني في إغاثة الفلسطينيين في غزة، ولماذا لم تستغل السعودية نفوذها على إمدادات النفط للضغط على أمريكا، لوقف دعمها للحرب الإسرائيلية.
بينما تستطيع هذه الأنظمة منع شعوبها من التعبير عن تلك التساؤلات كمطالب شعبية، فإن هذه التساؤلات ستظل في قلوب الناس وعقولهم، وستناقشها المجتمعات في العالم العربي أجمع، لذا ما مصلحة تلك الأنظمة في تغيير مسارها الآن؟ باختصار، الجواب هو الشرعية.
في العادة لا تتمتع الأنظمة الاستبدادية بعلاقة دستورية مع شعوبها، بل علاقة مبنية على الخوف، ورغم أن شرعية أي نظام حاكم قد تستمر بالقوة لفترة طويلة من الزمن، فإنها تصبح شرعية غير مستقرة وغير فعالة.
وأسهل طريقة تستطيع بها تلك الأنظمة تطوير علاقة دستورية مع شعوبها، اتخاذ موقف صلب في مواجهة “إسرائيل” وأمريكا، في الحقيقة يمكن للمعاناة الفلسطينية توفير شرعية دستورية لتلك الأنظمة بين شعوبها، وحينها فقط تصبح هذه الأنظمة حرةً وذات سيادة.
حمل الشعلة
هناك مكانة خاصة في التاريخ تحتاج لمن يملأها، تحتاج لقائد حقيقي ينهض ويحمل شعلة التحرير الفلسطينية، لكن المنهجية الحاليّة للدول العربية ستجعلها على هامش التاريخ، لأن كلماتهم وأفعالهم تعبر عن عجزهم عن معارضة المطالب الاستعمارية للإمبراطورية الأمريكية، لكي يدخلوا متن التاريخ، عليهم أن يغيروا تفكيرهم وأن يتخذوا موقفًا جريئًا ضد “إسرائيل” والقوة الاستعمارية الأمريكية.
لا يعني ذلك بالضرورة الدخول في حرب مع “إسرائيل” أو أمريكا، فالضغط الاقتصادي والسياسي يمكن أن ينجح بفعالية، وربما أكثر من أي وقت مضى.
تمتلك الدول العربية نفوذًا اقتصاديًا بارزًا، ورغم أن هذا الطريق سيكون طويلًا وصعبًا، فإنهم لن يقطعوه وحدهم، فبالفعل قطعت البحرين وبوليفيا العلاقات الرسمية مع “إسرائيل”، بينما سحبت تشيلي وكولومبيا سفيريهما منها، وهناك دول أخرى ستدعم منهجية تصعيد الضغط السياسي والاقتصادي على أمريكا و”إسرائيل”.
يمكن لتحالف عالمي من الدول أن يصبح قوةً جبارةً إذا واجهوا القوة الاستعمارية الأمريكية بشكل جماعي ومباشر وصريح، بهدف طردها من المنطقة، وبالطريقة نفسها يمكن دفع “إسرائيل” للتخلي عن مشروعها الاستعماري الاستيطاني.
باتخاذ تلك الإجراءات، يمكن للدول العربية أن تتحرك من حاشية التاريخ إلى كتابته، والظروف مواتية الآن، فالناس حول العالم – خاصة في الجنوب العالمي، وفي شمال أمريكا وأوروبا أيضًا – ضجروا من الاستعمار الأمريكي الأوروبي.
فهل قادة العالم العربي مستعدون للتقدم والوفاء بوعد إنهاء الاستعمار؟ لأن الناس مستعدون بالفعل، يحتاجون فقط ألا يقف قادتهم في طريقهم، بل يساعدون الشعب الفلسطيني في نضالهم نحو الحرية، إن اللحظة المناسبة مواتية الآن، ويمكن أن تبدأ بقطع الدول العربية علاقتها مع “إسرائيل”.
المصدر: ميدل إيست آي