زار قائد أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، المملكة المغربية في رحلة رسمية دامت ثلاثة أيام، بدأت يوم الاثنين الماضي 18 يوليو (تموز) 2022. وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لقائد الجيش الإسرائيلي إلى المغرب، كما تعدّ خطوة جديدة في مسار ترسيخ العلاقات بين الجانبين، منذ تطبيعها في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وتأكيدًا على البُعد العسكري في هذه العلاقات.
وقد قوبلت هذه الزيارة بوقفة احتجاجية أمام البرلمان المغربي لمواطنين تظاهروا ضد استقبال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي واصفين إياه بـ«مجرم الحرب الصهيوني»، واعتبروا استقبال بلادهم لهذه الشخصية «جريمة كبرى».
وقد التقى الجنرال كوفاخي مع كل من المفتّش العام للقوات المسلحة الملكية الجنرال فاروق بلخير، بالإضافة إلى مدير الاستخبارات العسكرية المغربية، الجنرال إبراهيم حسني. وقد أبدى المغرب خلال المحادثات مع قائد الجيش الإسرائيلي اهتمامه بمشاريع صناعية عسكرية، وقد أشار بيان للجيش المغربي إلى أن اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي ناقشت فرص التعاون العسكري على مستوى التمرين والتدريب، إلى جانب الجانب العملياتي والمخابراتي».
«التطبيع مقابل الصحراء»: عنوان تحالف الرباط وتل أبيب
تحمل زيارة قائد الجيش الإسرائيلي للمغرب العديد من الدلالات؛ إذ تأتي هذه الزيارة بعد أسابيع قليلة من التمرين العسكري المشترك الذي شارك فيه الطرفان، وجرى في المغرب وحمل اسم «الأسد الافريقي»، في الفترة ما بين 20 و30 يونيو (حزيران) 2022، كما شاركت المغرب بوحدة متخصصة في مكافحة «الإرهاب» في تمارين عسكرية دولية مشتركة داخل إسرائيل، السنة الماضية، في إشارة إلى تنامي تعاون عسكري بين الجيشين المغربي والإسرائيلي.
على الصعيد العسكري تعد هذه ثاني زيارة لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى؛ إذ كانت الزيارة الأولى من نوعها لوزير الدفاع والمرشح السابق لرئاسة الوزراء بيني جانتس في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وهي التي شهدت توقيع اتفاقيات تعاون في الميدان العسكري. كما أن زيارة قائد في الجيش ذي المنصب العسكري، لا السياسي، مثل وزير الدافع جانتس، تحمل دلالات على عمق التعاون العسكري بين الطرفين.
وقّع المغرب اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في ديسمبر 2020 برعاية أمريكية، خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقد نصّت الاتفاقية على أن تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، مقابل تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل.
ويمثّل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا لصالح المغرب، ويحاول المغرب البناء عليه واستغلال دعم واشنطن وتل أبيب من أجل تحصيل المزيد من التأييد الدولي لمقترح «الحكم الذاتي» الذي يريد من خلاله إيجاد حلّ نهائي لقضية الصحراء الغربية، إلا أن جبهة البولسياريو الصحراوية المطالبة باستقلال الإقليم منذ السبعينات، والمدعومة من طرف الجزائر، تقف عائقًا أمام هذه المحاولات المغربية.
وكان الإعلان الثلاثي المشترك بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ينصّ على أن تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، وتقدّم دعمًا اقتصاديًا وتنمويًا للمغرب، وفتح قنصلية أمريكية في منطقة الداخلة الواقعة في إقليم الصحراء.
إلا أن المنتقدين لاتفاقيات التطبيع يشيرون إلى أن الولايات المتحدة لم تتمسك بالتزاماتها المُعلنة في الاتفاق المشترك، وصحيح أن الرئيس بايدن لم ينسحب من الاتفاقية – رغم المطالب الجزائرية – إلا أن المغرب لم يحصل على أي دعم اقتصادي وتنموي أمريكي، كما أن الولايات المتحدة لم تفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة الصحراوية، وبقي الملف الصحراوي يراوح مكانه إلى حدّ كبير داخل أروقة الأمم المتحدة دون حدوث فارق يُذكر في الملف، ولا يزال المبعوث الأممي للصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا يقوم بزيارات مكوكية بين المغرب والصحراء ومخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر.
تعاون عسكري استخباراتي ينمو في الظلّ
برز التعاون العسكري بين الطرفين منذ توقيع اتفاقية التطبيع، فإلى جانب مشاركة الجانبيْن في مناورات تدريبية مشتركة (مناورات «الأسد الأفريقي» التي جرت في المغرب في يونيو الماضي، وتدريبات قوات مكافحة الإرهاب في إسرائيل السنة الماضية) يبرز قطاع الصناعات العسكرية، وتحديدًا مجال الطائرات المسيّرة بدون طيّار، باعتباره ميدان رئيسًا من ميادين التعاون بين الجانبين.
إذ كشف تقرير لصحيفة «المونيتور» أنَّ المغرب اقتنى مؤخرًا نظام «سكايلوك» الجوي المضاد للطائرات بدون طيَّار، من تصنيع شركة «سكايلوك سيستام» التابعة لمجموعة «آفنون» الإسرائيلية، وهو النظام الجوي الذي جرى الإعلان عنه لأوَّل مرة في معرض دبي للأسلحة الذي أقيم في فبراير (شباط) 2021، والذي باستطاعته ضرب الأهداف المتمثِّلة في الطائرات بدون طيَّار.
أما صحيفة «أفريكا أنتليجنس» فقد ذكرت أنَّ المغرب وإسرائيل يعملان على تطوير مشروع صناعة طائرات «كاميكاز»، وهي عبارة عن طائرات بدون طيَّار تستخدم في الهجوم على أهداف أرضية من خلال الارتطام بها، أي تتحوَّل إلى صاروخ يحمل متفجِّرات وتتَّسم بالدقة والفعالية.
وكانت صحيفة «إسبانيول» الإسبانية قد ذكرت بأن المغرب سيوّقع مع إسرائيل اتفاقًا من أجل بناء قاعدة عسكرية في إقليم الناظور شمال المغرب؛ وهو ما أثار حفيظة الجارة الشمالية إسبانيا، التي تنظر إلى التحالف العسكري بين المغرب وإسرائيل بعين متشكّكة، خصوصًا أن هذه الأخبار المتداولة عن قاعدة عسكرية في الشمال المغربي تقترب جغرافيًا بشكل كبير من مدينة مليلة، المستعمرة الإسبانية التي يطالب المغرب باسترجاعها.
بالإضافة إلى الجزائر التي اعتبرت اتفاقيات التطبيع بين المغرب وإسرائيل، بالخصوص التصريحات العدائية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي ضد الجزائر أثناء زيارته للمغرب، أحد أسباب قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجار الغربي.
إذ صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد خلال زيارته للمغرب في 13 يوليو 2021، قائلًا: «نحن نتشارك مع بعض القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربًا من إيران وتشن الآن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب». كما تنظر الجزائر إلى تزايد التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل بعين قلقة، وهو ما دفع بسباق التسلّح بين الطرفين إلى زيادة وتيرته بصورة أكبر من قبل.
«ضرورة تُبيح المحظور»: هكذا سوّق القصر لقرار التطبيع على المستوى الشعبي
الانعكاسات الداخلية لاتفاقية التطبيع جاءت شديدة المحدودية؛ ففي الوقت الذي كان القصر الملكي سابقًا يخشى من ردّ الفعل الشعبي من إعلان العلاقات مع إسرائيل بصفة علنيّة، وهي التي لم تنقطع طوال السنوات الماضية بصفة سريّة باعتراف الطرفين، إلا أن اتفاق التطبيع قد جرى تمريره بأقلّ الأضرار، وسوِّق للرأي العام باعتباره «ضرورة» تخدم المصلحة الوطنية من أجل استرجاع وحدة التراب المغربي، في إشارة إلى قضية الصحراء.
كما أن القصر الملكي لم يتحمّل وحده ضريبة اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، بل نجح في إرباك المشهد السياسي من خلال تحميل حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي – الذي ضلّ طوال تاريخه يرافع دفاعًا عن القضية الفلسطينية على المستوى الخطابي – مسؤوليةَ التوقيع على هذه الاتفاقيات من خلال رئيس الوزراء والأمين العام السابق سعد الدين العثماني، وهو ما فتك بشعبية الحزب إلى حدّ كبير، وكان – حسب محللين – أحد أسباب هزيمته المدوّية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سبتمبر (أيلول) 2021.
وعليه يمكن القول بأن القصر الملكي نجح في ضرب عصفورين بحجر واحد: تحجيم النفوذ السياسي للإسلاميين وإحراجهم أمام جمهورهم وحاضنتهم الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية، وعدم تحمل القصر وحده مسؤولية قرار التطبيع أمام الرأي العام.
على جانب آخر لم تنجح المظاهرات والاحتجاجات التي عمّت عشرات المدن المغربية بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني، في إلغاء هذا القرار، مع تضييق أمني من طرف السلطة على هذه الاحتجاجات. وقد سوّق النظام المغربي لعملية التطبيع باعتبارها «الحلّ الوحيد» من أجل الإغلاق النهائي لقضية الصحراء وانتزاع اعتراف دولي بمغربية هذا الإقليم المتنازع عليه، ولكن بعد أكثر من سنة ونصف على هذا الاتفاق، لا يبدو أنّ هذا الهدف قد تحقّق بصورة نهائية.
أما المبرر الثاني الذي عملت وسائل الإعلام المغربية القريبة من السلطة على الترويج له، فقد كانت العلاقات المتوتّرة مع الجارة الجزائر التي أغلقت حدودها مع المغرب منذ سنة 1994 ردًّا على فرض المغرب لتأشيرة السفر على الجزائريين، ثم أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية بصفة تامة مع الجار الغربي في أغسطس (آب) 2021 بعد سلسلة من الخلافات السياسية المتصاعدة.
وعليه روّج النظام المغربي لخطوة التطبيع باعتبارها «فكًّا للحصار» الذي تفرضه الجزائر على المغرب، ومحاولة لفتح آفاق دولية جديدة من خلال تقوية العلاقة مع تل أبيب بدل المراهنة على التعاون مع المحيط المغاربي المتوتّر.
وفي المقابل تحصل إسرائيل على موطئ قدم نادر وثمين في منطقة المغرب العربي وزيادة قائمة الدول العربية المطبّعة رسميًا معها وانعكاسات ذلك على تراجع القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدّمه المغرب كمدخل لأسواق منطقة غرب أفريقيا، حيث يخوّل الاتفاق لإسرائيل تسويق بضائعها عن طرق المغرب، فيما يملك علاقات اقتصادية وسياسية متنامية مع دول «إكواس».
ويطمح الطرفان المغربي والإسرائيلي، إلى جانب التعاون العسكري، إلى زيادة التبادل التجاري بينهما، ورفع قيمة هذا التبادل من 130 مليون دولار إلى نصف مليار دولار سنويًا، حسب وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية، أورنا باربيفاي التي زارت المغرب في فبراير الماضي.
المصدر: ساسة بوست