ترجمة وتحرير: نون بوست
قال محللون ومسؤولون سابقون لموقع "ميدل إيست آي" إن الزيارة المرتقبة للعاهل الأردني، عبد الله الثاني، إلى واشنطن من شأنها أن تعطي ضربة البداية لعهد جديد في العلاقات الدبلوماسية بين الأردن و"إسرائيل" في أعقاب التوتر الذي كان سائدا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق.
بدأت العلاقات بين الأردن و"إسرائيل" في العودة إلى طبيعتها تدريجيا بعد انتخاب نفتالي بينيت الشهر الماضي رئيسا للوزراء، حيث تسعى حكومته إلى تحسين العلاقات مع الأردن باعتباره أولوية في السياسة الخارجية.
كان البلدان قد أبرما اتفاق سلام سنة 1994، لكن علاقتهما تميزت بالتوتر خلال فترة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، بسبب خلافات بينه وبين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بما في ذلك معارضة الملك عبد الله خطة دونالد ترامب المثيرة للجدل المتعلقة بالشرق الأوسط، ناهيك عن علاقته المتوترة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بلغ الخلاف بين "إسرائيل" والمملكة الأردنية الهاشمية ذروته في شهر آذار/ مارس الماضي، في أعقاب قرار "إسرائيل" بإلغاء زيارة ولي العهد الأردني، الأمير حسين بن عبد الله، إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة.
دفع هذا القرار عَمّان إلى منع مروحية نتنياهو من التحليق فوق المجال الجوي الأردني في اليوم التالي، حيث كان متوجها إلى الإمارات العربية المتحدة. ردا على ذلك، أكدت تقارير أن نتنياهو رفض تزويد الأردن بالمياه. وقد أفادت الأنباء لاحقا أنه غيّر رأيه في أعقاب المكالمة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظيره الإسرائيلي، جابي أشكنازي.
لكن يمكن القول إن انتخاب رئيس وزراء إسرائيلي جديد ووصول بايدن إلى البيت الأبيض غيّر المعادلة. في هذا السياق، يقول ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، إن واشنطن تستغل التغيير الذي طرأ على القيادة الإسرائيلية لتحسين العلاقات بين البلدين.
وصرّح العبادي لموقع "ميدل إيست آي"، بأن "هناك انجذابا وتوافقا بين القادة الأردنيين والأمريكيين. وتحاول الولايات المتحدة اليوم المضي قدما لإحلال السلام بين الأردن وإسرائيل، بعد أن أصبحت هناك أغلبية في الحكومة تعارض نتنياهو".
وأضاف العبادي أنه "في حال ضغط الأمريكيون على إسرائيل، سوف يطرأ بالتأكيد تغيير على القضايا العالقة، على غرار قضية حل الدولتين والتوسع الاستيطاني. كما يمكن للأردن أن يلعب دورا حاسما في استئناف المحادثات مع إسرائيل".
وفاق ما بعد نتنياهو
في أحدث مؤشر على الوفاق، لجأ بينيت إلى قضية المياه لتهدئة العلاقة مع المملكة الأردنية الهاشمية، حتى أنه التقى سرا بالملك عبد الله الثاني في وقت سابق من هذا الشهر، وأبلغ الملك أن "إسرائيل" مستعدة لبيع المياه للأردن.
يتعارض هذا الموقف مع سياسات نتنياهو، الذي رفض الموافقة على تزويد الأردن بالمياه على النحو المنصوص عليه في معاهدة "وادي عربة" لسنة 1994. بموجب الاتفاقية، يتعيّن على "إسرائيل" أن تضخّ المياه من نهر الأردن وإعادة نقلها مرة أخرى إلى الأردن خلال فترات الجفاف، نظرا لأنها لا تزال واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه.
الجدير بالذكر أن الأردن يعاني هذا الصيف من نقص حاد في إمدادات المياه، حيث لا يمتلك سوى 400 مليون متر مكعب فقط من مخزون المياه، بينما يحتاج في الواقع إلى 900 مليون متر مكعب حسب وزارة المياه الأردنية. علاوة على ذلك، واجه الأردن صعوبة في الحصول على ثمانية ملايين متر مكعب إضافية من المياه في عهد نتنياهو، وقد هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ذات مرة بجعل "الأردن يعاني من العطش".
لكن الأمور تبدو مختلفة تماما في عهد بينيت. خلال اجتماع عُقد على الجانب الأردني في مقصورة الملك حسين بين وزيري الخارجية الإسرائيلي والأردني في الثامن من شهر تموز/ يوليو، وافقت إسرائيل على بيع 50 مليون مكعب متر إضافي من المياه سنويا للأردن، وذلك وفقا لوزارة الخارجية الأردنية.
وبعد مرور يومين على الاجتماع، أجرى الملك عبد الله محادثة هاتفية مع الرئيس الإسرائيلي المنتخب حديثا، إسحاق هرتزوغ، وتحدثا عن عملية السلام المعلقة بين "إسرائيل" والفلسطينيين وأهمية العلاقة بين الدولتين.
يقول أيمن الحنيطي، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، لموقع "ميدل إيست آي" إن تسريب فحوى الاجتماع السري بين العاهل الأردني وبينيت تم "عن قصد" لإظهار أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعمل على تحسين العلاقات مع الأردن. في المقابل، لم يرغب الأردن في الإعلان عن هذا الاجتماع لعدة أسباب، بما في ذلك حقيقة أن بينيت معروف بأنه يميني متطرف.
منذ انتخاب بينيت، واصلت "إسرائيل" سياسات توسيع المستوطنات وتدمير منازل الفلسطينيين في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة، مع تزايد عمليات اعتقال الفلسطينيين في القدس الشرقية، وحملات القمع العنيفة وهجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية.
زيارة الولايات المتحدة وإحياء العلاقات
يأتي الضغط من أجل تحسين العلاقات وسط حملة "وأد الفتنة في الأردن" وصدور أحكام بالسجن ضد رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد بسبب تورطهما المزعوم في مؤامرة لاستبدال الملك عبد الله الثاني بأخيه غير الشقيق الأمير حمزة.
وقد أُحبطت محاولة الانقلاب، التي كشف عنها موقع ميدل إيست آي، بعد أن اعترضت أجهزة المخابرات الأردنية رسائل صوتية ونصية متبادلة بين عوض الله وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ناقشا فيها طريقة زعزعة استقرار حكم الملك عبد الله.
لاحقا، تمت مشاركة هذه الرسائل مع واشنطن، مما دفع بايدن إلى التعبير عن دعمه القوي للملك عبد الله بعد ساعات من إلقاء القبض على مدبري الفتنة المزعومين. في غضون ذلك، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن كلا من ترامب وبن سلمان ونتنياهو حاولوا تقويض وصاية الملك عبد الله على المواقع المقدسة في القدس بسبب دوره الملحوظ كعقبة أمام ما يطلق عليه "صفقة القرن" وتطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل".
من المتوقع أن تمهد زيارة الملك عبد الله المرتقبة إلى واشنطن في 19 تموز/ يوليو الطريق لتحسين العلاقات بين الأردن و"إسرائيل". ومن المنتظر أن تشمل الزيارة أول لقاء بين بايدن وزعيم عربي في البيت الأبيض، وهناك تكهنات بأن الملك سيلتقي مع بينيت في نفس التوقيت.
ويشير الحنيطي إلى أنه "من المفترض أن تؤدي هذه الخطوة إلى إصلاح العلاقات والتمهيد لإحياء المفاوضات. وما يهتم له الأردن حقا هو ضمان الوصاية الهاشمية على القدس، وهو ما كان موضوع نقاش جدي خلال الاجتماع السري بين الملك وبينيت".
في نفس ذاته، انتشرت تسريبات بأن ولي العهد الأردني، حسين بن عبد الله، سيزور القدس في غضون شهرين. وقد ورد هذا الخبر في مقال لوزير البلديات السابق حازم قشوع نشر يوم 7 تموز/ يوليو بموقع عروبة الإخباري الأردني. لكن عندما تواصل موقع "ميدل إيست آي" معه مع الوزير السابق للتعليق، لم يؤكد الخبر أو ينفيه، بينما حذف الموقع لاحقا أي إشارة للزيارة من المقال.
ويقول عدد من المحللين السياسيين الأردنيين لموقع "ميدل إيست آي" إن اللقاء الذي سيجمع بين الملك وبايدن سيتطرق في المقام الأول للقضية الفلسطينية والقدس، والحاجة الملحة لوقف عمليات الإخلاء القسري في القدس وضرورة الحفاظ على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة.
ومن بين القضايا الأخرى المتوقعة في المحادثات، الملف السوري وسماح الولايات المتحدة للأردن بتطوير علاقاته الاقتصادية مع دمشق من خلال تجاوز قانون قيصر الذي يفرض عقوبات مالية على نظام بشار الأسد لارتكابه جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وقد صرّح النائب محمد المومني، المتحدث السابق باسم الحكومة الأردنية، لموقع "ميدل إيست آي" أن الإدارة الأمريكية الجديدة "تمتلك على ما يبدو فهما عميقا للموقف الأردني فيما يتعلق بالمنطقة".
وأشار المومني إلى أن محادثات واشنطن ستركز على "كيفية الوصول إلى حل الدولتين في ظل حكومة إسرائيلية جديدة وقيادة فلسطينية توافق على الترتيبات المنتظرة"، مضيفا أنه سيتم مناقشة القضية السورية من حيث أهميتها بالنسبة للاستقرار الإقليمي.
وقال حمادة فراعنة، المحلل والنائب السابق بالبرلمان الأردني، إن زيارة الملك لواشنطن ستتضمن محادثات تتعلق بالمساعدات المالية المخصّصة للفلسطينيين، وإعادة فتح السفارة الفلسطينية في واشنطن، وإعادة تأكيد بايدن على حل الدولتين "رغم صعوبة تنفيذه".
ويعتقد فراعنة أن المسؤولين الإسرائيليين سيلتقون بالأردنيين في واشنطن بعد لقاء الملك مع بايدن، لكن هذا اللقاء لن يكون خاليا من الشروط، ويوضح قائلا: "لدى الأردن عدد من الشروط قبل الموافقة على عقد اجتماعات منتظمة مع الإسرائيليين، بما في ذلك ضرورة احترام حرمة المسجد الأقصى، وضرورة وقف الاستيطان، والسماح بتحسين العلاقات الاقتصادية بين الأردن وفلسطين".
المصدر: ميدل إيست آي