2024-11-22 12:31 م

روسيا وإثيوبيا.. تاريخ من التحالف الطويل قد يؤثر في سد النهضة

2021-07-16
في الثامن من يوليو (تموز) من هذا الشهر، حذَّر المندوب الروسي في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، من «تصعيد الخطاب العدواني» في أزمة سد النهضة، ورغم إقراره بشرعية المخاوف المصرية السودانية، فإنه أوصى باستكمال المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وهو الحل الذي تتمسك به إثيوبيا.

وقد رأى إعلاميون مصريون في كلام المندوب الروسي تخليًّا عن الجانب المصري، فيما رأى آخرون أن المقصود بالخطاب كان إثيوبيا، لكن توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين روسيا وإثيوبيا بعد جلسة مجلس الأمن بأيام، طرح مزيدًا من الأسئلة حول التحالف بين روسيا وإثيوبيا، ودور موسكو في دعم إثيوبيا دوليًّا، سواء في ملف سد النهضة أم في صراع إقليم التيجراي الأخير، فما هو تاريخ العلاقة بين روسيا وإثيوبيا؟ وكيف يمكن أن تستفيد منها إثيوبيا دوليا

الدين عامل رئيسي.. علاقة تاريخية تمتد إلى العصر الإمبراطوري
تمتد العلاقة بين روسيا وإثيوبيا إلى القرن التاسع عشر، حين كان البلدان يحكمهما النظام الإمبراطوري، وبدأت روسيا القيصرية في البحث عن مد نفوذها لإثيوبيا بعد زيارة القس بورفيريج أوسبنسكي للقدس، بتكليف من المجمع المقدس، في مهمة سرية لتعزيز نفوذ بلاده في الشرق الأوسط.

كانت الزيارة في خمسينيات القرن التاسع عشر، وبعد مقابلة قساوسة إثيوبيين، أوصى أوسبنسكي بتعاون روسيا وإثيوبيا، قائلًا إنه يعتقد أنها «مؤهلة للصداقة مع روسيا بفضل تاريخهما الطويل، وثقافتها ودينها المميزين، ووحدتها السياسية، وفوق كل هذا صراعها مع المحمديين (يقصد المسلمين)»، لكن توصية أوسبنسكي لم تلق صدى إلا بعد وقتٍ طويل، وفي سبعينيات القرن التاسع عشر تجاهلت روسيا رسائل الإمبراطور الإثيوبي يوحنس الرابع، التي طلب فيها المساعدة في صراعه مع العثمانيين.

وفي نهايات القرن التاسع عشر، ظهرت محاولات فردية من مغامرين روس للتواصل مع إثيوبيا، بدأها المستكشف القوزاقي نيكولاي أشينوف في 1883، حين حاول إقامة علاقات دينية وسياسية بين روسيا وإثيوبيا، بعد أن وافق الإمبراطور أليكساندر الثالث – دون إعلان رسمي – على حملته التي سعى فيها لإقامة وجود روسي في القرن الأفريقي، لكن مستعمرة روسيا الجديدة التي بناها محل قلعة سجالو في جيبوتي لم تعش طويلًا بعد أن هاجمها الفرنسيون، لتفشل جهود أشينوف ويتبرأ منه الروس تفاديًا للمشكلات الدبلوماسية.

وفي عام 1889، أرسلت روسيا بعثة أصغر لكنها رسمية هذه المرة، ضمت الدبلوماسي الروسي فيكتور مشكوف، الذي عرض على الإمبراطور الإثيوبي الجديد، منليك الثاني، الدعم العسكري من القيصر، وكان يأمل في حصول روسيا على ميناء على البحر الأحمر. وعاد مجددًا في 1891 مع بعثة جغرافية، وقارب محمل بالأسلحة لدعمهم في صراعهم ضد الإيطاليين.

تبعت الكنيسة خطوات مشكوف بإرسال بعثة تبحث في إمكانية توحيد الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والإثيوبية، لكن الإمبراطور الإثيوبي لم يُبدِ اهتمامًا سوى بالدعم العسكري والعلمي، وأرسل مجموعة من الطلاب للدراسة في روسيا، كان أحدهم تكلا هواريات، الذي أصبح لاحقًا وزيرًا للمالية ومشاركًا في كتابة الدستور ومتحدثًا أمام عصبة الأمم لعرض قضية بلاده بعد العدوان الإيطالي عليها عام 1930.

وفي 1896 أرسلت روسيا بعثة طبية أنشأت أول مشفى حديث في تاريخ إثيوبيا، وفي 1898 أوفدت بعثة دبلوماسية فوق العادة إلى أديس أبابا رأسها السفير بيوتر فلاسوف، لتبدأ رسميًّا العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإثيوبيا.

الاتحاد السوفيتي.. دعم لتحرر إثيوبيا واستخدامها للضغط على مصر
تراجع الاهتمام الروسي بإثيوبيا بعد قيام الثورة الروسية في 1917، ورغم هذا التراجع كانت روسيا القوة العظمى الوحيدة التي دعمت إثيوبيا في عصبة الأمم بعد الاجتياح الإيطالي عام 1935، وفي 1943، افتتح الاتحاد السوفيتي سفارةً له في أديس أبابا، وكانت إثيوبيا أول دولة يوجه لها الاتحاد السوفيتي مساعدات ضمن برنامج المساعدات الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن هذه الخطوات عجزت عن جعل الإثيوبيين حليفًا أمنيًّا للسوفيت طوال الخمسينيات والستينيات، خاصة في ظل العلاقة القوية بين الإمبراطور الروسي هيلا سيلاسي والولايات المتحدة، ولهذا بحثت موسكو عن فرصة أخرى في منطقة البحر الأحمر، وتوجهت نحو إقامة علاقات ودية مع الصومال، خاصةً في ظل طرد الرئيس المصري، أنور السادات، للخبراء الروس عام 1972 مما تسبب في هزة كبيرة في علاقة الحليفين المصري والروسي آنذاك.

وبعد وصول نظام الديرج الماركسي لحكم إثيوبيا في 1974، ازدهرت العلاقة مع الاتحاد السوفيتي الذي دعم إثيوبيا عسكريًّا في 1976، ووصل الدعم إلى إمداد إثيوبيا بما يقارب 100 مليون دولار من العتاد العسكري، كان مشروطًا بقطع العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، وكانت العلاقات في ذلك الوقت بين أمريكا وإثيوبيا قد وصلت لأسوأ أحوالها بدايةً من الاعتراض الأمريكي على انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم تعويض الشركات الأمريكية المصادرة أملاكها، وإعلان قيام الدولة على مبادئ الماركسية اللينينية عام 1976.

حاولت موسكو في الوقت نفسه أن تبقي على علاقتها مع الصومال، حتى في ظل الحرب التي شنتها مقديشيو على إثيوبيا، لكنها مالت ناحية إثيوبيا بعد طلب مسؤولين صوماليين دعمًا أمريكيًّا لبلادهم، فرفض بريجنيف، رئيس الاتحاد السوفيتي وقتها، مد الحكومة الصومالية بالمزيد من الأسلحة، وقابله رد صومالي بإلغاء معاهدة الصداقة بين البلدين، وطرد الخبراء السوفيت من البلاد، بل قطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.

وكان دور الاتحاد السوفيتي، إلى جانب كوبا وجنوب اليمن، محوريًّا في استعادة إثيوبيا للأراضي المتنازع عليها في حربها ضد الصومال، ونقل الاتحاد السوفيتي ما تقدر قيمته بمليار دولار من المعدات والأسلحة إلى إثيوبيا في خلال ستة أسابيع، إضافة إلى 12 ألف جندي كوبي، ونحو 1500 خبيرٍ سوفيتيٍّ.

وبعد نهاية الحرب في 1978، ساعد السوفيت الإثيوبيين على استعادة السيطرة على مدن إريتريا من جبهة التحرير الإريترية التي تحكمت في أغلب تلك المدن، رغم الدعم السوفيتي والكوبي السابق لهذه الجبهة.

وفي العام نفسه، وقَّع البلدان اتفاقية الصداقة التي نصت على بنود عسكرية مهمة، منها:

يحق فقط للمسؤولين المحددين من كل دولة الاطلاع على الصفقات العسكرية.
اتفق زعيما الدولتين على التعاون العسكري، شرط أن تضمن كل دولة قدراتها الدفاعية.
اتفق الطرفان على ألا يدخل أحدهما تحالفًا أو تجمُّعًا دوليًّا يمكن أن يضر بالطرف الآخر.
اتفق الطرفان على ألا ينفذ أحدهما أي أعمال عدائية أو يشترك في إجراءات موجهة ضد الطرف الآخر.
استمر الدعم السوفيتي في السنوات التالية، وكان حاسمًا في صد هجوم صومالي جديد عام 1980، وفي مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا في 1982، وساعد السوفيت الزعيم الإثيوبي، منجستو هيلا مريام، على تثبيت حكمه والانفراد به بعد قضائه على الأحزاب الماركسية المنافسة فيما عرف بـ«الإرهاب الأحمر»، ورغم أن البعض يرى أن التحالف مع السوفيت زاد من الانشقاقات في الجبهة الداخلية لإثيوبيا، فإنه بالتأكيد أنقذها من حرب طويلة الأمد مع الصومال.

ومع وصول ميخائيل جورباتشوف لمنصب الأمين العام للحزب الشيوعي، خفت الدعم السوفيتي لإثيوبيا، بسبب التعديلات الأيديولوجية الضخمة التي تبناها جورباتشوف، وبسبب مجاعة 1983-1985 التي أحدثت ضجة دولية ضد نظام الحكم، وأخيرًا، بسبب التغير الكبير في العلاقة بين الشرق والغرب.

لكن جورباتشوف نجح في الحفاظ على العلاقات دون أن تنقطع حتى سقوط منجستو، ومع قيام حكومة انتقالية تقودها الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، أعلن الزعيم الروسي دعمه لها، وتواصلت النخبة السياسية السوفيتية مع النخبة الجديدة في إثيوبيا.

وأعاد البلدان بناء علاقتهما على أسس جديدة، فتجردت العلاقة من أي خصائص سياسية مبنية على الرابط الأيديولوجي بينهما، لتصبح متوافقة مع مبادئ سياسة «التفكير الجديد» التي جلبها جورباتشوف، ويقول المؤرخ الروسي الأمريكي، سيرجيوس ياكوبسن، إن الساسة الروس ذوي البصيرة في العهد ما قبل السوفيتي كانوا ينظرون إلى الاختراق السلمي لإثيوبيا باعتبار أن مكاسبه تفوق التحكم في مقدراتها فقط، فهو مدخل واعد للتأثير في مصر ودول حوض النيل، ولإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، وللبقاء قريبًا من البريطانيين.

روسيا وإثيوبيا اليوم.. فصل جديد يشبه الفصول السابقة
تركزت العلاقات بين روسيا وإثيوبيا تاريخيًّا على التعاون دينيًّا وعسكريًّا، وبدرجة أقل، اقتصاديًّا، وما زالت هذه المجالات هي ما يجمع البلدين حتى اليوم، وقد وصل عدد المسيحيين الأرثوذكس إلى نحو 36 مليون نسمة في 2010، لتصبح بذلك ثاني أكبر دولة بعد روسيا في عدد السكان الأرثوذكسيين، وتستمر الكنيسة الروسية في التواصل مع نظيرتها الإثيوبية وتبادل الدعوات.

ومع عودة روسيا لقارة أفريقيا، كانت حليفتها القديمة إثيوبيا على رأس اهتماماتها، فوقعت في 2019 اتفاقًا للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع أديس أبابا، بعد توقيع مذكرة تفاهم في 2017، وجاء التوقيع في الوقت الذي استضافت فيه روسيا عددًا من الزعماء الأفارقة في قمة «روسيا-أفريقيا»، وعرضت وقتها الوساطة بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة، وشهدت تلك القمة وعدًا روسيًّا بإسقاط الديون عن إثيوبيا، المقدرة بنحو 164 مليون دولار، وكان آخر مستجدات التعاون الإثيوبي الروسي هو توقيع اتفاق تعاون عسكري تركز على «تحويل قدرات قوات الدفاع الوطني في مجالات المعرفة والمهارة والتكنولوجيا».

أزمة التيجراي وسد النهضة.. ماذا يمكن أن تقدم روسيا لإثيوبيا في الأزمات الدولية؟
تحظى روسيا – مثل الولايات المتحدة والصين – بعلاقات إستراتيجية متينة مع الأطراف الثلاثة لأزمة سد النهضة، وهو ما يمنعها من اتخاذ موقف صريح مساند لإحدى هذه الدول، بل جعلتها هذه العلاقات تعرض الوساطة بين الأطراف أو المساعدة في التفاوض، المرة تلو الأخرى، وربما يكون حتى الآن من المستبعد أن تتخذ روسيا موقفًا مساندًا لأحد أطراف الصراع، في ظل مصالحها المشتركة مع الأطراف الثلاثة.

مصر هي حليف روسيا القديم ومن بين كبرى الدول التي تعتمد على السلاح الروسي، ووصلت مبيعات الأسلحة الروسية لمصر إلى نحو 4.3 مليارات في العقد الأخير، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أما السودان، فيملك في يده فرصة يبحث عنها الروس منذ زمن طويل، وهي إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو اتفاق ما زال السودانيون يبحثون في جدواه، وينص الاتفاق على إنشاء قاعدة إمداد وصيانة للبحرية الروسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وتصل طاقتها الاستيعابية لنحو 300 شخص، وفي المقابل، يحصل السودان على أسلحة وعتاد عسكري من روسيا.

ويمكن أن تستغل روسيا تشابك هذه التحالفات في منافسة الولايات المتحدة في نفوذها على هذه الدول، مثلما فعلت مع الصومال سابقًا، ومع إثيوبيا نفسها إبان حكم هيلا سيلاسي، وفي أحيان أخرى تدافع روسيا عن حلفائها ضد الولايات المتحدة، خاصةً في مجلس الأمن، مثلما فعلت مع إثيوبيا في أزمة إقليم التيجراي حين أجهضت – بالتعاون مع الصين – قرارًا لمجلس الأمن حول الصراع، معللة رفضها بأنه شأن داخلي.

المصدر/ ساسة بوست