2024-11-24 01:27 م

نزار بنات و “قبور الثورة بلا ثقافة والثقافة بلا ثورة”

2021-06-25
بقلم: حمدي فراج
كأن الحزن واليأس توأمان ، يقودان بعضهما ، فكم من يائس أصبح حزينا ، وكم من حزين أصبح يائسا . هذا وصف مبسط للحالة الذاتية التي ألمّت بي بعد نبأ مقتل نزار بنات .

حزن ملأ رئتي على الفقدان ، والرئة الاخرى على نحو عشرين فلسطينيا بينهم وبين نزار عشرون قاسما مشتركا ؛ فلسطينيتهم ، وطنيتهم ، بيوتهم ، لغتهم ، دينهم ، شجرة زيتونهم او / و دالية عنبهم ، وربما ان بعضهم يحمل نفس اسمه ويدخن سجائره الرخيصة . لماذا يطرقون بابه ، بابنا ، الساعة الثالثة والنصف فجرا ؟ ماذا فعل لكي يصدر الامر بإعتقاله ؟ يأتيك الجواب : انه قال اشياء كثيرة ضد السلطة . أسالك ماذا فعل ، تجيبني بأنه قال . وهل الرد على “قال” بأن يضرب حتى الموت ؟

و بدأ الحزن يتبدد ، فيحل محله اليأس الذي اكرهه حد العمى ، خاصة بعد موقعة “سيف القدس” وما شكلته من حالة نهوض جماهيري فلسطيني وعربي وأممي ، وأدركت ان هناك من يعمل على تيئيسنا ، فتتولد عنه حالة عارمة من الاحباط ، تدفع الآخرين كف تعاطفهم معنا والانفضاض من حول قضيتنا العادلة ؛ أنظر كيف يفعلون بأنفسهم ، انهم يفتكون بمعارضيهم ، انهم ضد الرأي والرأي الآخر ، ويقفز سؤال : لماذا تم تعريته ؟ ألا يجوز اعتقاله بملابسه ؟ في عام 1985 صدر ربما لاول مرة في تاريخ السجون الاحتلالية اجراء ما يسمى بالتفتيش العاري على الاسرى ، كنا في سجن الخليل ، وتداولنا في الامر ، وقال القيادي الفتحاوي محمد الحوراني ، اليوم هو عضو في المجلس الثوري ، قال يجب ان نتصدى لذلك ، وتطوع ان يكون هو أول المتصديين ، وذهب الى غرفة التعرية ، ورفض الانصياع لهذا الاجراء المذل ، وضرب ضربا مدميا ومبرحا ، لكنه في النهاية انتصر عليهم و اوقف الاجراء ضدنا كلنا ، فكيف الآن تتم ممارسته من قبلنا ضد بعضنا ؟
يفتحك اليأس الحزين على صفحة من التمنيات الفارغة ، لو فعلنا كذا لما وصلنا الى كذا ، لو قدمنا المتورطين في صفقة الاسمنت المصري الى المحاكمة لما قتل نزار ، لو قدمنا مدير شرطة نابلس الذي اقتحم جامعة النجاح للمحاكمة لما قتل نزار . لكن من قال ان الحزن اليائس لا يفتح على الغضب ، انه الشعور الثالث المصاحب ، وربما يكون الابن الشرعي في تزاوجهما ، انه الذي قاد الشعوب الحرة ان تصبح حرة ، تنظر الى رؤسائها على انهم موظفون لديها ، تمكن محاسبتهم كل اربع سنوات مرة ، وعندما صفع مواطن الرئيس الفرنسي ، كانت لائحة الاتهام : الاعتداء على موظف اثناء تأديته وظيفته وحكم بالسجن اربعة اشهر .

اين مرسوم الحريات قبل ثلاثة أشهر من حق نزار في الكلام ، بل في ممارسته حقه الالهي في الحياة ؟ أم انه ألغي مع الغاء الانتخابات ؟
نزار بنات ، قبر آخر يضاف الى “قبور الثورة بلا ثقافة ، والثقافة بلا ثورة” المنتشرة في بيد العرب الكبرى و سجونها المتلاصقة “سجّان يمسك سجّان” .