إذا تمكن خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، فإنها ستكون واحدة من أغرب الحكومات في تاريخ إسرائيل، حكومة لا يجمع أعضاءها شيء سوى العداوة لنتنياهو.
فلقد وحَّد نفتالي بينيت، الذي يقود حزباً يمينياً صغيراً، ويائير للبيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية من التيار الوسطي، جهودهما في محاولة لتشكيل ائتلاف متنوع من شأنه إطاحة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول عهداً في إسرائيل.
وتستند الحكومة المقترحة لمجموعة واسعة من الأحزاب منها الوسطي واليساري واليميني، إذ يعتمد صمود التحالف أو سقوطه على التعاون بين ثمانية أحزاب صغيرة نسبياً، ذات أيديولوجيات غير متجانسة وأجندات متضاربة في العديد من القضايا.
وهناك احتمال أن يكون هذا الائتلاف هشاً، نظراً لأنَّه يغطي نطاق الطيف السياسي الإسرائيلي العصيّ على السيطرة من اليسار إلى اليمين، ويعتمد على دعم حزب عربي إسلامي صغير.
كما يمكن أن يمثل الائتلاف المُقترَّح، الذي أطلق عليه المؤيدون "حكومة التغيير"، تحولاً عميقاً لإسرائيل، وإنها لما يوصف بنظام نتنياهو، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وبعد الجمود الطاحن الذي أدى إلى 4 انتخابات غير حاسمة في غضون عامين، وفترة أطول من السياسة الاستقطابية وشلل الحكومة، تعهد مهندسو التحالف بإعادة إسرائيل إلى ما وصفوه بـ"المسار الصحيح".
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكانهم تشكيل حكومة، وإزاحة نتنياهو، السياسي المخادع الذي أعاد تشكيل السياسة الإسرائيلية من جذورها، بحلول الموعد النهائي المحدد في منتصف ليل الأربعاء 2 يونيو/حزيران.
ولكن حتى لو تمكنوا من تشكيل حكومة يظل هناك غموض شديد حول كيفية تسيير أمورها ومقدار التغيير الذي يمكن أن تُحدثه الحكومة الإسرائيلية المسماة بـ"حكومة التغيير"، في ظل أن أطرافها لا يتفقون على شيء
واحد من الظواهر اللافتة في محاولات تشكيل هذه الحكومة هو دور القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس، التي كانت على استعداد للعمل مع كل من المؤيدين والمعارضين لنتنياهو، منذ انتخابات مارس/آذار 2021، واستخدام نفوذها لانتزاع تنازلات للجمهور العربي.
وبدأ حزب بينيت اليميني والحركة الإسلامية بزعامة عباس تعاوناً غير متوقع في الآونة الأخيرة، واكتسبت العلاقات قوة مع اقتراب تفويض نتنياهو لتشكيل الحكومة من نهايته.
كلا الحزبين هما الوحيدان اللذان رفضا في انتخابات شهر أبريل/نيسان 2021، دعم الكتلة الدينية اليمينية لنتنياهو، أو "كتلة التغيير" المنافسة التي تسعى للإطاحة به، وهو الموقف الذي أدى إلى إعطاء الزخم لفكرة الائتلاف المختلط بين اليمين واليسار، الذي تجري محاولات تشكيله حالياً.
وسبق أن التقى رئيس القائمة الموحدة منصور عباس ذو التوجهات الإسلامية، مع رئيس تحالف "يمينا" اليميني المتطرف نفتالي بينيت، لأول مرة، في إطار الاتصالات لتشكيل الحكومة.
وقال بيان مشترك لكلا الحزبين بعد الاجتماع: "ناقش الجانبان مواقف كلا الحزبين على ضوء الوضع السياسي الحالي، الاجتماع كان جيداً".
وهاجم رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش بينيت بسبب لقائه بعباس، الذي ينتمي حزبه إلى جماعة الإخوان المسلمين ويرفض الصهيونية، وقال السياسي اليميني المتطرف: "إن حكومة مع عباس مثل حكومة مع حماس".
وكان سموتريتش قد أحبط خيار اعتماد نتنياهو على القائمة العربية الموحدة لتشكيل حكومة، لكن جهود نتنياهو لجذب دعم عباس أعطت منافسيه شرعية عامة أكبر للعمل مع الحزب العربي، الذي لم يكن أبداً جزءاً من أي حكومة، حسبما ورد في تقرير لموقع The Times of Israel.
يختلف نهج منصور عباس عن التهج التقليدي للأحزاب العربية في إسرائيل، إذ يعمد لطرح خطاب جديد وفتح قنوات تواصل مع رئاسة الحكومة والأحزاب الإسرائيلية ولكن البعض يرى أنه قد يؤدي إلى تحويل نضال المجتمع الفلسطيني في مواجهة مشروع استعمار استيطاني إلى نقاش حقوق أقليات وكأن عرب 48 جاءوا من خارج البلاد.
ولكن عندما اندلعت الأزمة الأخيرة، وما صاحبها من مواجهات بين العرب واليهود في إسرائيل، توقع العديد من المحللين أنه سيكون من الصعب على القائمة العربية الموحدة أن تلعب دوراً محورياً من جديد، لكنها لم تستبعد التوصل إلى اتفاق بمجرد استعادة الهدوء.
وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن تلعب القائمة العربية دوراً رسمياً في ائتلاف لابيد بينيت، فإن الحكومة المحتملة ستعتمد على دعمها لتمرير تصويت بالثقة والقدرة على السيطرة على البرلمان، ولعب بعض المشرعين العرب دوراً مماثلاً من خلال دعم حكومة إسحاق رابين من الخارج في التسعينيات.
الخاسر الأكبر هو الليكود.. ولكن هل انتهى عهد نتنياهو؟
تشير الاحتمالات إلى أنَّ الخاسر الأكبر حتى الآن هو نتنياهو وحزبه المحافظ الليكود، وهو الحزب الأكبر إلى حد بعيد، بعد أن فاز بـ30 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة المكونة من 120 مقعداً. إضافة إلى أنَّ الحزبين الأرثوذكسيين المتطرفين اللذين يشكلان أقوى حلفائه سيكونان خارج الحكومة.
لكن حتى في الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو أخطر تحدٍّ لقيادته منذ سنوات، فإنه لا يزال في قلب المنافسة. وقد حصل على لقب "الساحر" لسبب، هو قدرته على المناورة بنفسه من الزوايا الضيقة.
ويعتبر بينيت أكثر ميلاً لليمين المتطرف، وبينما قلَّل نتنياهو من إمكانية تطبيق حل الدولتين رفض بينيت، وهو مناصر متشدد دينياً للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة، علناً، مفهوم الدولة الفلسطينية ذات السيادة، ويدعو إلى ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة. ومع ذلك على الرغم من أنَّ الائتلاف سيضم العديد من الأحزاب التي تختلف حول هاتين المسألتين، فقد وافقوا على السماح لبينيت بأن يصبح رئيساً للوزراء أولاً.
ورغم أنَّ حزب بينيت، رجل الأعمال السابق في مجال التكنولوجيا الفائقة ووزير الدفاع، لم يَفُز سوى بسبعة مقاعد في انتخابات مارس/آذار، فإنَّ مكاسبه الانتخابية المتواضعة كانت كافية لجعله محوراً لأي تحالف مستقبلي، وقد استغل نفوذه مع كلا الجانبين في محاولة للمساومة في طريقه إلى المنصب الأعلى.
وإذا صمدت الصفقة الائتلافية فسيأتي يائير لابيد بديلاً لبينيت في النصف الثاني من ولاية مدتها أربع سنوات.
كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع موضوع المستوطنات؟
لا يعرف ماذا سيكون الموقف إذا تولى بينيت، المتطرف، حكومة تعتمد على دعم حزب عربي، وهل ينفذ سياسته المتشددة تجاه المستوطنات، وماذا ستفعل القائمة العربية الموحدة في هذه الحالة.
وفي خطاب متلفز، مساء الأحد 30 مايو/أيار، قال بينيت إنه ملتزم بتعزيز الوحدة الوطنية.
أما شريكه لابيد فيقدم نفسه كمدافع عن العلمانيين من الطبقة الوسطى الإسرائيلية، وحصل حزبه على 17 مقعداً. وأعرب لابيد منذ البداية عن استعداده لتقديم تضحيات شخصية من أجل إزاحة نتنياهو، بما في ذلك التنازل عن حقه في تولي رئاسة الوزراء في الحقبة الأولى للحكومة رغم أنه المكلف رسمياً بتشكيلها.
بهذا التنازل عن الدور الأول في التناوب على رئاسة الوزراء، مهَّد لابيد، الذي وصفه خصومه من اليمين بأنه يساري خطير، الطريق أمام السياسيين اليمينيين الآخرين للانضمام إلى التحالف الجديد المناهض لنتنياهو.
ما الذي يعرقل الائتلاف الجديد؟
أمام لابيد حتى منتصف ليل الأربعاء، 2 يونيو/حزيران، لإبلاغ الرئيس رؤوفين ريفلين بأنه تمكن من تشكيل ائتلاف صالح. وبمجرد أن يصدر هذا الإعلان لديه ما يصل إلى سبعة أيام لتقديم الحكومة إلى البرلمان للتصويت على منحها الثقة.
ومع ذلك، كان الائتلاف يعمل على تسوية بعض الخلافات بشأن التعيينات الوزارية حتى قبل أقل من يومين من الموعد النهائي. ومع اعتماد مصير الائتلاف الجديد على هامش ضيق وكل صوت فردي، كان شركاؤه يتسابقون لإتمام الاتفاق، مدركين أنَّ نتنياهو ورفاقه كانوا يبحثون عن منشقين محتملين.
وقال لابيد، يوم الإثنين 31 مايو/أيار: "لا تزال هناك الكثير من العقبات في طريق تشكيل الحكومة الجديدة. ربما يكون هذا أمراً جيداً لأنه سيتعين علينا التغلب عليها معاً. وهذا هو أول اختبار لنا".
إليك القضايا التي سيحاولون التوافق عليها
من المقرر أن يضم التحالف الذي سيشكله لابيد، الذي يقود حزب يش عتيد، وبينيت، الذي يقود يمينا، عدة أحزاب متباينة، من بينها حزب ميرتس اليساري العلماني، الذي لم يكن في الحكومة منذ 20 عاماً، وحزب الأمل الجديد بقيادة جدعون ساعر، الذي انشق عن الليكود لكنه يواصل دعم أجندة اليمين.
ويعارض حزب ميرتس بقيادة نيتسان هورويتز الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة، ويؤيد حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفصل الدين عن الدولة. بينما يدعم حزب الأمل الجديد الإصلاح القضائي والتوسع الاستيطاني والضم النهائي لأجزاء من الضفة الغربية ومعارضة قيام أية دولة فلسطينية مستقبلية جنباً إلى جانب إسرائيل.
لكن بدلاً من محاولة معالجة هذه القضايا الأكثر إثارة للانقسام، التي لطالما استقطبت المجتمع الإسرائيلي، أشار قادة ما يسمى بتحالف التغيير إلى أنهم سيتجنبونها، على الأقل في العام الأول، حسب تقرير The New York Times.
وأعرب هورويتز، زعيم ميرتس، عن اعتقاده أنَّ هناك "أساساً للعمل معاً" من خلال التمسك بمسائل أكثر عملية وتكنوقراطية مثل بعض البنية التحتية المهملة منذ فترة طويلة في إسرائيل.
وتتمثل إحدى المهام الأولى للحكومة الجديدة في إقرار ميزانية الدولة المتأخرة لعام 2021.
وقال العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين إنَّ العنصر الرئيسي الذي سيساعد في إبقاء هذا الائتلاف متماسكاً هو الرغبة الموحدة في إزاحة نتنياهو من رئاسة الحكومة، وحذروا من أنه بمجرد تحقيق ذلك قد لا يصمد بعدها طويلاً.
ماذا سيفعلون بنتنياهو؟
إذا وصل ائتلاف لابيد- بينيت للحكم، فمن المرجح أن يعود نتنياهو إلى زعامة المعارضة، وهو المنصب الذي شغله قبل انتخابات 2009.
وفي أثناء محاكمته بتهم الفساد، من المحتمل أن يُحرَم من أية فرصة لإجراء تغييرات من شأنها السماح له بنوع من الحصانة البرلمانية.
لكن مستقبل نتنياهو السياسي في خطر، إذ يمكن أن يسفر عن تشكيل أغلبية معارضة له في البرلمان عن تمرير تشريع يحد من عدد فترات تولي منصب رئيس الوزراء، أو يمنع أي مرشح متهم بارتكاب جرائم من الترشح لمنصب رئاسة الحكومة.
نتنياهو من جهته أوضح أنه لا ينوي الاستسلام.
وقال نتنياهو عن الائتلاف الذي تم تشكيله ضده: "هذه ليست وحدة أو شفاء أو ديمقراطية"، هذه حكومة انتهازية، حكومة الاستسلام، حكومة الاحتيال، حكومة القصور الذاتي، لا يجب تشكيل حكومة كهذه".
ويحاول نتنياهو بشتى الوسائل إفشال نجاح هذا التحالف، لأنه يعلم جيداً أنه سيطيح به من منصبه، فففي رسالة إلى المستشارين القانونيين بالرئاسة والبرلمان قال حزب ليكود الذي يتزعمه نتنياهو إن لابيد (المكلف بتشكيل الحكومة) ليس مخولاً له تسليم رئاسة الوزراء إلى بينيت.
لكن مكتب الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين قال رداً على ذلك إنه لا يوجد سند قانوني لما ادعاه حزب "ليكود"، لأن لابيد سيؤدي اليمين كرئيس للوزراء بالتناوب.
كما أطلق نتنياهو، البالغ من العمر 71 عاماً، محاولة في اللحظة الأخيرة يوم الأحد الماضي عبر اقتراح تحالف ثلاثي يضمه هو وبينيت وسياسياً يمينياً آخر هو جدعون ساعر، تضمن عرضه أن يتناوب الثلاثة على رئاسة الوزراء، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC.
لكن ساعر، النائب السابق عن حزب الليكود، كشف العرض بسرعة، وكتب على تويتر: "موقفنا والتزامنا كان ولا يزال تغيير نظام نتنياهو".
(عربي بوست)