سكت، أخيراً، دويّ الطائرات والمدافع والصواريخ، ليعلو صوت السياسة. لا يعني ذلك أن المعركة انتهت، بل إن فصلاً جديداً منها قد بدأ ربّما، إنما بأدوات وأساليب مغايرة. فصلٌ تبدي المقاومة استعدادها التامّ للتعامل معه، سواءً في المفاوضات حيث يُراد، على ما يبدو، انتزاع تنازلات منها لم تُحصّل بالحرب - وإن كان الموقف المصري يُولّد إلى الآن ارتياحاً غير مسبوق -، أو في الميدان، حيث تُظهر جاهزية عالية لصدّ أيّ عدوان إسرائيلي جديد، على قاعدة «إن عُدتم عُدنا»، و«لمعركتنا فصول لم تُكتَب بعد». هكذا، تنظر المقاومة إلى اليوم التالي، فيما على ضفّة العدو يَظهر التخبّط سيّد الموقف. أسئلة كثيرة تحضر على طاولة صانع القرار الإسرائيلي حول الفشل وأسبابه وكيفية حصْره والحدّ من تداعياته، سواءً في الدائرة الأولى الفلسطينية، أو في الدوائر الأبعد، في حين لا يبدو صبّ الاتهامات على بنيامين نتنياهو إلّا محاولة لصرف الأنظار عن الفشل المؤسّسي، الذي يكفي فزع الجيش من دخول القطاع برّاً للتدليل عليه. على أيّ حال، تُدرك إسرائيل أن ما بعد "سيف القدس" لن يكون كما قبلها، تماماً مثلما تُدرك ذلك فصائل المقاومة، وعلى رأسها «حماس» التي بدأت ترتيب أوراقها لإعادة علاقاتها مع سوريا، ضمن الاستثمار المتوقّع والمجدي في نتائج الجولة الأخيرة. أمّا الضفة الغربية وأراضي الـ48، فلن تعود إلى «القمقم» كما تحكي بعض التوقّعات، إذ إن الثأر الذي بدأ لن ينتهي قريباً، وما خَطَّتْه مواجهة أيار لن يكون من السهل محوه، بل سيحفر عميقاً، إن على صعيد وحدة الشعب الفلسطيني، أو المواجهة مع الاحتلال، أو الاشتباك مع «سلطة أوسلو».
(الاخبار اللبنانية)