2024-11-24 08:26 م

فتور في العلاقات المصرية الاماراتية وتوتر غير مرئي بين القاهرة والرياض

2021-02-26
عبدالسلام بنعيسي
إذا كان قد حدث تحوّلٌ كبيرٌ في السّياسة المِصريّة نحو الشّمال، بانفِتاحها أكثر على الأردن والعِراق في تحالفٍ جديد، وسط أنباء عن فُتور عُلاقاتها مع الإمارات وتَوَتُّر غير مرئي مع المملكة العربيّة السعوديّة، فما هي الأسباب الكامنة خلف هذا التوتر الذي طرأ على العلاقات بين هذه البلدان العربية الثلاث، ولماذا تتحاشى القاهرة الإعلان عنه، ولا يبادر الإعلام المصري إلى تناوله وشرح دواعيه وإجلائها للرأي العام في أرض الكنانة، وفي محيطها العربي والإسلامي؟؟
يبدو أن السبب الرئيسي للتوتر المكتوم في العلاقات المصرية من جهة والإماراتية والسعودية من جهة أخرى يعود في جزء مهمٍّ منه إلى التطبيع الساخن الذي تشهده، بالأساس، العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب، ويتمُّ ذلك بإيعاز ومباركة من الرياض، فهذا التطبيع الذي يمضي بهذه الوتيرة المتسارعة والإيقاع المحموم، والتغزل المبالغ فيه من طرف بعض المسؤولين السياسيين والإعلاميين الإماراتيين بالصهاينة، ودون التنسيق حول الأمر مع صاحب القرار المصري، لا يمكن أن ترضى عنه القاهرة، وتقبل به كما يتبلور على هذا النحو أمام ناظرها..
لتنذكر أنه في سنة 1996 وحين قام شمعون بيريز، وكان وقتها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بزيارة لسلطنة عمان لفتح مكتب للاتصال الإسرائيلي هناك، وخُصِّصَ له استقبال حارُّ في مسقط، أثار هذا الأمر حفيظة الخارجية المصرية وقتئذ، واتضح الانزعاج المصري من ذلك الاستقبال العماني الحارُّ لرئيس الحكومة الإسرائيلية في حملة إعلامية مصرية عنيفة شُنَّت على بيريز، وتم نعته وقتها في الصحافة المصرية، بأوصاف قدحية وساخرة أثارت غضبه، وعبَّر عن احتجاجه عليها لدى القيادة في القاهرة..
لا تمانع القيادة المصرية الحالية قيام الأردن بتطبيع علاقاتها بإسرائيل، حتى إن كنا نختلف مع المصريين والأردنيين حول الأمر، فإن للدولة الأردنية كما لنظيرتها المصرية ما قد تبرران به اللجوء إلى التطبيع، فبواسطته استردت كل واحدة منهما جزءا من أرضها، والأردن كما مصر، بلد مجاورةٌ للكيان الصهيوني، وهي تقوم بالتطبيع تحت ضغط الضرورة والحاجة.
 ويبدو قيام السلطة الفلسطينية بإقامة علاقات مع دولة الاحتلال قرارا مفهوما، فالأمر من وجهة نظر القاهرة والسلطة الفلسطينية، يندرج في سياق سعي الفلسطينيين لتحرير أي شبرٍ من أرضهم المحتلة، تحريرها تحت أي عنوان أو تعلة، ولكن بماذا يمكن تبرير قيام الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها بإسرائيل، التطبيع المصبوغ بكل هذه الحفاوة والحماس المبالغ فيهما؟؟؟
حين تكثف الإمارات العربية المتحدة، بدعم من المملكة العربية السعودية، علاقاتها بإسرائيل، وتعمل على إعطائها زخما اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كبيرا وقويا، فالأمر سيتمُّ على حساب المصالح الوطنية المصرية، سواء كانت هذه المصالح اقتصادية أو عسكرية أو استراتيجية.
بالثورة المالية الكبيرة التي تحظى بها الإمارات العربية المتحدة، وبالزخم التجاري والمالي الذي يندلق فيها، وبالموقع الجغرافي الذي تتمتع به، فإن تمكُّنَ الكيان الصهيوني من هذه الدولة العربية، ومدًّ أخطبوطه العسكري والاستخباراتي والاقتصادي فيها، سيجعل من هذا الكيان العنصري المستفيد الأكبر، من التطبيع الحاصل مع دول الخليج، التطبيع الذي تقوده أبوظبي، بحماسة منقطعة النظير..
المؤكد هو أن الاستفادة الصهيونية الخارقة من التطبيع مع الدول الخليجية ستكون مصر هي من سيدفع فاتورته العالية وكلفته الباهظة، فالتحكم في الرأسمال الخليجي سيصبح تحكما إسرائيليا، واللوبي المالي الصهيوني هو الذي سيحدد لهذا الرأسمال الخليجي الجهات والأماكن والبلدان التي سيستثمر فيها، وطبعا ستكون القبلة الأولى التي يتوجه إليها رأسمال العرب الخليجيين بأمرٍ من الصهاينة هي دولتهم المحتلة للأرض الفلسطينية، ولن يصل لمصر إلا ما قد يتبقى على الطاولة..
كما أن الحماية العسكرية التي تعمل إسرائيل من أجل بسطها بالقبب الحديدية على المنطقة الخليجية، ستجعل من الكيان الإسرائيلي أقرب إلى الخليجيين من باقي الدول العربية، وعلى رأس هذه الدول التي ستتضرر من ذلك هي مصر التي تعتبر أكبر دولة في محيطها العربي، وكانت تتصرف إلى عهد قريب على أساس أن المحيط الخليجي يشكل مجالا حيويا لها، ويمثّل عمقها الاستراتيجي، لكن يبدو أن إسرائيل في طريقها لكي تسحب من مصر هذا العمق الاستراتيجي وتستولي عليه لنفسها، ويجرى ذلك بفضل التطبيع الذي تمضي فيه أبوظبي بحماس غير مسبوق..
ليست مصر ضد التطبيع بشكل مطلق، إنها تريده تطبيعا مرفقا بشروط عربية محددة، ألا وهي الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقوقه المنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من الأراضي العربية التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن يتمَّ التطبيع في إطار عربي واحدٍ وبشكل مدروس ومنسق ومتدرج، وبما لا يؤدي إلى استفراد إسرائيل بكل دولة عربية على حدة، لكي تخرج هي المستفيد الأكبر منه، وبما يضُرُّ بالمصالح العربية.
ففي هذا السياق الذي يأخذه التطبيع، وكما تقوده الإمارات، فإن الهيمنة على المنطقة برمتها ستصبح للدولة العبرية، وكلمتها ستعدو هي العليا بين جيرانها، ولن يبق لأرض الكنانة إلا الفتات مما يتركه لها الصهاينة. بفضل تغلغلها في الخليج، وتوغلها في خيراته، وبالإمكانيات التي تتوفر لها، ستصير تل أبيب، هي عاصمة الشرق الأوسط برمته، وسيغيب ذلك الوهج الذي كان للقاهرة حتى حدود الساعة، وسيعدو دورها هامشيا وثانويا، وسينعكس الأمر على تنميتها واقتصادها وعلى إنسانها..
مفهومة ومبررة إذن الأسباب التي تجعل العلاقات المصرية والإماراتية والسعودية متوترة، ولكن بشكل مكتوم، فنظرا للظروف المحيطة بمصر عربيا، حيث سوريا وليبيا والعراق واليمن مدمرة ومسحوقة، وحيث تهدد إثيوبيا مصر بالتعطيش، ويضرب الإرهاب من حين لآخر في سيناء، وحيث الأزمة الاقتصادية مستفحلة، فإن القاهرة لا تملك ترف الإعلان عن توتر العلاقات مع الإمارات والسعودية.
مصر تداري غضبها وتخفيه، فهي في موقف لا تحسد عليه، لأنها تجني نتائج سياسة كانت سبَّاقةٌ في المضي فيها، سياسة أدت بها في النهاية، إلى هذا المأزق الذي يحيط بها من كل اتجاه ومن كل ناحية، مأزق من صُنْعها وصُنْع أشقائها الذين ظلت تسايرهم، وتجاملهم، ويشترون بعض مواقفها لعقود طويلة..
كاتب مغربي
المصدر/ رأي اليوم