غرقت الفصائل الفلسطينية كافة في النقاش التفصيلي حول الانتخابات، من دون وضعها أصلاً في ميزان الحاجة والفائدة. سكت الكلّ على الطريقة والتوقيت اللذين اختارهما رئيس السلطة، محمود عباس، لإجراء الانتخابات، وتحديداً «حماس» التي قبلت «المراسيم» كما هي من دون اعتراض. يريد عباس انتخاب «المجلس التشريعي»، ثمّ الرئاسة، فـ«المجلس الوطني لمنظمة التحرير»، والأخيران تحصيل حاصل لخريطة القوى التي ستظهر في الأول. لكن مع احتياطات «أبو مازن» لضمان بقائه على كرسيّه، وإعداده خططاً لاحتواء «حماس» أو تقليل نسبة تمثيلها، تواجه «فتح» انقسامات خطيرة قد تُشظّي الحركة في حياته قبل رحيله، وهو السيناريو الذي لم يكن يحسب له حساباً ويعمل الآن بقوة على منعه. الثابت الوحيد أنه ما دام حيّاً، فلن يتزحزح عن منصبه، وأن ما اضطره إلى إجراء الانتخابات ليس سوى الطلبَين الأميركي - الأوروبي، والعربي، لاعتبارات كلّ طرف. أمّا «حماس»، التي تدافع بأنها «مضطرة» لخوض الانتخابات وأن ضغوطاً تمارَس عليها - في تكرار لسيناريو 2006 -، فقرّرت العمل على حصاد الغالبية لو أمكن، فيما لا تزال «الجهاد الإسلامي» على موقفها السابق، مع إمكانية للمشاركة في انتخابات «الوطني» في ما إذا كانت ستؤدي إلى تغيير في عقيدة «منظّمة التحرير». بين هذا وذاك، تُقيّم فصائل المنظّمة والشخصيات «المستقلّة» النسب التي يمكن أن تحصل عليها لتتخطّى عتبة الدخول، والتحالفات الأفضل في حال اضطّرت لها. منذ أن أصدر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مرسوماً رئاسياً بتحديد موعد للانتخابات، جرّاء طلب أميركي ــــ أوروبي ــــ عربي تحت عنوان تجديد «الشرعيات» وترتيب الإقليم، بدأت الخلافات «الفتحاوية» الداخلية تطفو على السطح، ما ينذر بانقسامات داخل الحركة التي قد تخوض الانتخابات بثلاث قوائم: الأولى تابعة لـ«اللجنة المركزية» وتدعم عباس، والثانية يدعمها الأسير مروان البرغوثي وفئة الشباب، والثالثة لتيار القيادي المفصول محمد دحلان (الإصلاحي) ستبقى تُحسب على «فتح» حتى لو رفضتها الأخيرة.
تشير التوقّعات «الفتحاوية» إلى نية البرغوثي ترشيح نفسه للرئاسة، وتشكيل قائمة في انتخابات المجلس التشريعي التي تسبقها، وهو «كابوس» يؤرّق قيادات الصف الأول في «فتح». لكن نجل مروان، قسام البرغوثي، قال إن أباه «ليس لديه حتى الآن موقف رسمي حيال الأمر... غداً الثلاثاء موعد زيارة المحامي للبرغوثي وسينقل عنه موقفه»، مشيراً إلى أن «كلّ ما يشاع في الصحافة ليس رسمياً». مع ذلك، تقول مصادر مطّلعة في الحركة، فضّلت عدم ذكر اسمها، إن الموضوع «حسّاس جداً»، ولذلك سيلتقي خلال أيام أمين سرّ «اللجنة المركزية لفتح»، جبريل الرجوب، البرغوثي في السجن ليثنيه عن الترشّح ضدّ عباس، ولمحاولة إرضائه بوضعه على رأس قائمة «فتح» في المجلس التشريعي. تضيف المصادر: «البرغوثي غاضب جداً من سلوك السلطة حيال قضيته، ويشعر بأنه تُرك وحيداً وخاصةً في إضراب الكرامة الذي أعلنه قبل سنوات»، لكن «يُستبعد أن يخرج عن إطار الحركة لأنه من مؤسِّسيها».
وقبل أيام، توعّد القياديان في «فتح»، عزام الأحمد وجمال نزال، بأن الحركة ستحاسب أيّاً من أعضائها الذين قد يحاربونها بترشّحهم مستقلّين «حساباً عسيراً»، لكن الأحمد زاد على ذلك بالقول إن «البرغوثي منقطع عن السياسة وأمضى عمره في السجون، ولا يستطيع تلبية أمنيات شعبنا»! مع ذلك، يقول عضو «التشريعي» عن «فتح»، حاتم عبد القادر، لـ«الأخبار»، إنه وفقاً لما نُقل عن البرغوثي عبر محاميه، سيُرشّح الرجل نفسه للرئاسة، لكن لا ندري كيف ستؤثّر الضغوط «الفتحاويه» عليه. يُذكر أن البرغوثي دخل عامه الـ 19 في سجون الاحتلال بتهمة قيادة تشكيلات لـ«كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري المحلول لـ«فتح»، فيما تشيع أوساط مقرّبة منه أن لديه هواجس كثيرة حيال مصيره، وما يهمّه حالياً الخروج من السجن، وخاصة إن كان هناك تبادل أسرى على يد المقاومة.
بعيداً من موقف الرجل من الترشّح للرئاسة، ثمّة توجّه «فتحاوي» يدعو، في حال كانت قائمة الحركة الرسمية لا تلبّي الشروط الكفيلة بإنجاحها (كأن تضمّ شخصيات ذات كفاءة ونزاهة وخبرة وسيرة مشرّفة مهنياً ونضالياً)، إلى إنشاء قائمة أخرى تُلبّي الشروط السابقة، كما يقول عبد القادر، علماً بأن عباس هدّد باستخدام «القوة» ضدّ أيّ قائمة أخرى باسم «فتح» منافِسة لتلك الرسمية. وتؤكّد مصادر أخرى حديث عبد القادر، قائلة إن هناك قائمة يقودها الشباب، وسيدعمها البرغوثي، ويُحتمل أن تكون فيها شخصيات من «اللجنة المركزية» وأخرى من السلطة على مستوى الضفة وغزة. وهذه القائمة «ملاذ الساخطين على السلطة، وهم بالمناسبة لن يتحالفوا مع دحلان، لكن ربّما يجري التنسيق معه بعد الانتخابات في حال فوزهم، بهدف إعادة الاعتبار إلى فتح»، تضيف المصادر.
أمّا «الإصلاحي»، فينوي المشاركة بقائمة موازية وتعزيزها بقيادات يعمل دحلان على شراء ولاء بعضهم على مستويَي الضفة وغزة، وهو قد عيّن قبل أيّام متحدّثَين رسميَّين للتيار، هما من أصحاب «الأسماء الصادمة لفتح والسلطة»، كما تقول مصادر مقرّبة من تيّاره. وتضيف: «دحلان رصد لهذه القائمة وإنجاحها مبالغ ضخمة بعشرات الملايين من الدولارات بتمويل إماراتي». وسبق أن قال المتحدّث باسم التيار، عماد محسن، إنه في حال لم تُدخلهم «فتح» في قائمتها، «فسنذهب إلى الانتخابات بقائمة مستقلّة تحتوي على شخصيات فتحاوية اعتبارية وأكاديميين، لأن الفتحاوي الحر لن يساق مثل القطيع بناءً على أهواء شخص واحد»، في إشارة إلى عباس.
تعقيباً على هذه الانقسامات، يقول القيادي في «فتح»، عبد الله عبد الله، لـ«الأخبار»، إن «دحلان لم يعد من فتح، ولذلك نزوله في الانتخابات لا يؤثّر في وحدة الحركة. أمّا البرغوثي، فستتواصل معه اللجنة المركزية»، مؤكّداً أن أطر الحركة (المركزية والمجلس الثوري والمجلس الاستشاري) هي التي تُقرّر مرشح الرئاسة، «وإذا قرّرت اسماً، على الجميع أن يلتزم بذلك... لا أعتقد أن يغرّد البرغوثي خارج فتح». وفي ما يتعلّق بالخريطة الانتخابية والقائمة الرسمية، يقول عبد الله: «بعد لقاء القاهرة، سنُحدّد مَن يكون على رأس القائمة بناءً على الأفكار التي ستُطرح في اللقاء، وسنقرّر هل ستكون الحركة على رأس قائمة وحدها أم مع غيرها من فصائل منظّمة التحرير، ولن نستبق الأحداث».
يدرك تيار دحلان أن حالة الاستقطاب التي تعيشها «مركزية فتح» ستكون عاملاً لمصلحته في الانتخابات، إذ سبق أن ظهر انقسام في تصريحات قادة الحركة حول مرشّحها للرئاسة. مع ذلك، تبقى بيضة القبّان بيد البرغوثي، الذي تُظهر استطلاعات الرأي العام أنه الأكثر شعبية «فتحاوياً» وفلسطينياً ــــ في الضفة على الأقل ــــ، وآخرها استطلاع أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية» قبل أيام، وكانت نتيجته تفوّق البرغوثي بحصوله على 61% من الأصوات في حال وُضع ليس أمام عباس، بل أمام رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية. وبحسب الاستطلاع نفسه، فإنه في حال وُضع هنية أمام عباس، يحصل الأول على 50% مقابل 43% للثاني. كما قَدّر المركز أنه إذا شَكّل البرغوثي قائمة مستقلّة، فسيحصل على 25% من أصوات الجمهور، فيما قال 19% من الجمهور إنهم سيصوّتون في هذه الحالة لقائمة «فتح» الرسمية، وهو ما يؤكّده مصدر في حكومة رام الله قال إن «50% من فتح الرسمية تُفضّل البرغوثي للرئاسة على عباس». أمّا بشأن دحلان، فتَوقّع الاستطلاع أن تحصل قائمة تيّاره على 7% من الجمهور، في حين أن 27