واشنطن – كتب بين فيشمان*: في الرحلة الجوية المباشرة الأولى، التي استقلّها مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر من إسرائيل إلى المغرب احتفاءً بالجهود التي بذلتها إدارة ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، كان من المفترض أن يسافر عائداً إلى الأردن. إلّا أنه تم اعتبار أحد الحلفاء الاستراتيجيين الأكثر موثوقية في المنطقة من المسلّمات. من الضروري أن توجه إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن المزيد من الاهتمام الدبلوماسي والدعم الاقتصادي للأردن.
في 22 كانون الأول/ديسمبر، استقلّ [مستشار الرئيس الأمريكي] جاريد كوشنر الرحلة الجوية المباشرة الأولى من إسرائيل إلى المغرب احتفاءً بالجهود التي بذلتها إدارة ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. وكان من المفترض أن يسافر عائداً إلى الأردن. وقد يبدو غريباً أن يتم إغفال الدولة التي تربطها بإسرائيل معاهدة سلام قائمة منذ ستة وعشرين عاماً وعلاقات غير رسمية تعود إلى عقود ماضية.
غير أن إدارة ترامب اعتبرت أحد أهم حلفاء أمريكا الموثوقين في الشرق الأوسط المضطرب من المسّلمات. وإذا استمرت عملية التطبيع دون أن تشمل مصالح الأردن - خاصة إذا تحقق اتفاق بين السعودية وإسرائيل - فقد يصبح استقرار الأردن مهدداً وستُهدر فرصة لتحسين اقتصاده المتعثر.
وعادة ما يُعتبر الملك عبد الله الثاني من أبرز الوجوه القيادية الخارجية في واشنطن حيث يتمتع بدعم الحزبين في الولايات المتحدة ويزور البيت الأبيض سنوياً (على الرغم من أنه لم يكن في المكتب البيضاوي منذ أكثر من عامين). كما يتلقى الأردن أكثر من 1.275 مليار دولار سنوياً من الولايات المتحدة بموجب مذكرة تفاهم مبرمة عام 2018 - وهي مساعدات ضرورية لدعم اقتصاده وجيشه المزود بالعتاد الأمريكي.
لكن "ميزانية ترامب للسنة المالية 2021" اقترحت خفض المساعدات الاقتصادية للأردن بنسبة 30 في المائة - مما يشكل جزءاً كبيراً من ميزانية الأردن البالغة 11 مليار دولار. ومن حسن حظ الأردن أن الكونغرس الأمريكي أعاد - بل وسّع - تمويل الأردن السابق ضمن مشروع قانون الإنفاق الذي وقعه الرئيس الأمريكي للتو.
وفيما يتخطى المساعدات الخارجية، رفض جاريد كوشنر استشارة الملك عبد الله قبل إصدار المكونات الاقتصادية أو السياسية لخطته المعنونة "الازدهار من أجل السلام"، على الرغم من أن الخطة أثّرت على سكان الأردن وأراضيه وكانت تهدف نظرياً إلى تحقيق الفائدة له. وبالرغم من اعتراض الملك عبد الله على الخطة، إلّا أنه تصرّف بحذر خشية إثارة غضب رئيسٍ قد ينتقم منه ويقطع عن الملك المصدر الأكبر للمساعدات الخارجية.
كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين (بيبي) نتنياهو، وهو أصلاً على خلاف مع الملك، كان من الممكن أن يفجّر العلاقة في الصيف الماضي مع خطته لضم أراضي في الضفة الغربية. وهدد الملك عبد الله باتخاذ "كل الخيارات" الممكنة إذا مضى بيبي قدماً بخطته، مشيراً إلى أنه حتى معاهدة السلام كانت على المحك. ولحسن الحظ تدخلت دولة الإمارات وباشرت عملية التطبيع مع إسرائيل على أساس أن بيبي سيوقف أعمال الضم إلى أجل غير مسمى، بما في ذلك الأراضي المجاورة للأردن.
مع ذلك، لم يكن الصراع مع بيبي وترامب سوى نصف مشاكل الأردن هذا العام. فقد دمر وباء "كوفيد-19" اقتصاده (وأصاب 265000 شخص حتى الآن)، وتحول النمو المقدر لعام 2021 إلى انكماش متوقع بنسبة 5 في المائة. وقد تدهورت القطاعات الاقتصادية الحيوية كالسياحة والصناعة. كما وصلت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية بحيث ارتفعت رسميًا إلى 23 في المائة وسجلت مستويات أعلى بكثير بين النساء والشباب.
فضلاً عن ذلك، أصبح الدَيْن العام حالياً يتجاوز مائة في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي"، لذا فإن الحكومة ليست في وضع يمكّنها من المساعدة على الرغم من أن الميزانية المقترحة الجديدة للحكومة تتوقع عجزاً إضافياً في الإنفاق بقيمة 3 مليارات دولار، مع ما يتضمنه ذلك من إعادة إعطاء الزيادات على رواتب القطاع العام الذي لا يزال متضخماً، بعد أن تم إلغاؤها في العام الماضي. والأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع نسبة الفقر بين الأردنيين إلى 38 في المائة منذ بداية تفشي الوباء العالمي، وفقاً لدراسة جديدة لـ "البنك الدولي".
كما أن الوظائف في دول الخليج، والتي تشكل مصدراً رئيسياً للتحويلات المالية، آخذة في التضاؤل، ويعود ذلك جزئياً إلى التخفيضات التي تقوم بها تلك الدول نفسها، وهو الأمر بالنسبة للوظائف في المملكة العربية السعودية التي تبذل جهوداً متزايدة لتوطين قوتها العاملة. ويأتي ذلك بعد سنوات من المنح الأجنبية المباشرة الضئيلة من السعودية، التي كانت في السابق مانحاً موثوقاً للأردن.
وقد اتخذ الأردن بعض الإجراءات لتحسين وضعه، فحصل في آذار/مارس على قرض من "صندوق النقد الدولي" بقيمة 1.3 مليار دولار، والذي من شأنه أن يساعد في توجيه المرحلة التالية من إصلاحاته الاقتصادية. كما سجّل تقدماً بارزاً في التقرير السنوي لـ "سهولة ممارسة أنشطة الأعمال"، حيث حقق ذلك بشكل أساسي من خلال العمل على توفير القروض بشكلٍ أفضل. ولكن ما زال على الأردن بذل المزيد لتحسين فرص العمل وتطوير القطاع الخاص.
ومن الضروري أن يقترن الوعد بلقاح "كوفيد-19" بخطة لتزويد الأردن بالإغاثة الاقتصادية - ويمكن لإدارة بايدن القادمة أن تلعب دوراً هاماً.
أولاً، يجب أن تتضمن أي محادثات حول اتفاق مستقبلي بين السعودية وإسرائيل حزمة دعم كبيرة للأردن، بما في ذلك مزيج من ضمانات التوظيف، والاستثمارات، وتخفيف عبء الديون، والدعم المباشر للميزانية. ولتخفيف المخاوف السابقة بشأن كيفية استخدام الأردن للمساعدات المخصصة لميزانيته، يمكن إدراج المساهمات السعودية أو الإماراتية ضمن برنامج استثمار أمريكي أو دولي خاضع للمراقبة ويتم تنفيذه بالفعل، على عكس تعهدات الاستثمار الخليجية التي لا تتحقق أبداً. ومن شأن مثل هذا الجهد أن يقرّ أيضاً بالمكانة الفريدة للأردن على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية نظراً لكثرة سكانه من أصل فلسطيني ودوره الإشرافي الخاص في القدس.
ثانياً، يجب على فريق جو بايدن بذل جهد مبكر لتقوية العلاقات الإسرائيلية - الأردنية التي توترت سياسياً - واقتصادياً نتيجةً لذلك. إذ لا يمكن أن تقتصر العلاقة على الروابط الأمنية الوثيقة بل السرية في الغالب. وحتى في موسم آخر من الانتخابات الإسرائيلية، يمكن للولايات المتحدة تحريك المبادرات الاقتصادية المشتركة المتوقفة، مثل مشروع تحلية مياه البحر الأحمر - البحر الميت الخامل منذ فترة طويلة، ومشروع استصلاح المياه. وفي الأردن، لا تزال اتفاقية الغاز مع إسرائيل غير شعبية (على الرغم من أنها تخفّض بشك كبير فاتورة الطاقة في الأردن)، ولكن كان ذلك في سياق الاحتمال المتضائل بقيام دولة فلسطينية مستقلة. لذلك، وكلما لمس الأردن استثمارات أكثر [استدامة]، وكلما أصبحت الشراكات الاقتصادية الفعلية أكثر قوة، كلما تلاشت المعارضة بوجه الاتفاقيات مع إسرائيل لتصبح مجرد تطرّف صاخب بل محدود.
وإذا كانت السعودية تنتظر فعلاً تولّي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه لبدء عملية التطبيع مع إسرائيل في إطار جهودها لتحسين مكانتها المشوّهة في واشنطن، خاصة بين الديمقراطيين، يجب على فريق بايدن والمعنيين في الكونغرس حثّ كل من السعودية وإسرائيل على إدراج الأردن في أي اتفاق محتمل. وخلاف ذلك، يخاطر كلا الطرفين بتجاهل شريك استراتيجي معتلّ تعتبره جميع الأطراف من المسلّمات منذ فترة طويلة.*بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون شمال إفريقيا والأردن في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.