بقلم: فؤاد البطاينة
أمريكا والهدف
إن اتخاذ دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بحجم أمريكا لقرار أرعن يَعتبر إقليم الصحراء الغربية جزءاً من المغرب يجرف بطريقِه من جملة أمور الانسجام الدولي على صعيد الأمم المتحدة في معالجة هذا الملف الدولي، ويتسبب بتداعيات تنخر في الجهود الدولية السياسية والدبلوماسية على مدى عمر الأزمة، وينطوي على محاذير عسكرية وسياسية تضرب في صميم الاستقرار الأفريقي، لكن المهم أن هذا القرار الأمريكي بكل تداعياته، جاء على خلفية أخرى لا علاقة لها بالملف الصحراوي، ولا بالمسألة المعلنة، بل يتراوح القرار بين هدفين هما تسديد دين للنظام المغربي، واستكمال فكي الكماشة الصهيونية على الوطن العربي من جناحيه الصحراويين.
في طبيعة الدور المغربي
فالتبرير الأمريكي المُعزى الى ثمن أسماه ترامب باختراق تاريخي للعلاقات المغربية الإسرائيلية، علاوة على أنه تبرير يقع خارج نطاق سلوك دولة كبرى تحترم نفسها وعضويتها الدائمة بمجلس الأمن، فإنه تبرير محض كذب وخداع. ولا يعدو في أحد هدفيه المشار اليهما أكثر من ثمن فاسد لتاريخ طويل من تعاون النظام المغربي الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني على حساب فلسطين وقضيتها وعلى حساب الأمن القومي العربي.. ويكفي بهذا اعتراف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حين قال معقبا على ما اسموه التطبيع المغربي، بأن “العلاقات المغربية الاسرائيلية هي أصلا طبيعية “.
حيث كان النظام المغربي يشكل اختراقا خفيا كبيرا لمسيرة النضال العربي سياسيا وعسكرياً نحو التحرر ومواجهة الصهيونية. ففي الظرف الذي كانت فيه السعودية مكشوفة التاريخ محجمة السلوك كنظام صهيوني مزروع في الجزيرة، كانت المغرب تلعب الدور الجاسوسي التحتاني المؤثر مستغلة قِناعيها العربي والاسلامي. واليوم جاء القرار الأمريكي استحقاقا لمكافأة نهاية الخدمة له بعد أن وصلت “إسرائيل” لمراكز القرار في الأقطار العربية.
تصريح بومبيو حول الصحراء والقضية الفلسطينية
ومن الضروري هنا لنا كعرب، الإنتباه لخلفية وطبيعة تصريح بمومبيو وزير خارجية ترامب، الذي أدلى به بعد أن حسمت الإدارة الأمريكية على الأرض موقفها الجديد من الصحراء الغربية، ونصه “إن المفاوضات السياسية وحدها التي تقرر الخلافات مع البوليساريو” انتهى، وكذلك بعد أن قدم سفيرهم في الرباط ,ديفيد فيشر, خارطتهم الجديدة للمغرب لملكها بقوله (يسعدني اليوم أن أقدم لكم الخارطة الرسمية الجديدة للملكة التي ستعتمدها أمريكا”. انتهى. وهنا أقول لانتباهنا كعرب، إن هذا الأسلوب المفضوح الذي تأخذ فيه أمريكا قراراتها وتطبقها على الأرض ثم “تستعبط ” على المجتمع الدولي بكذبة المفاوضات، تُطبّقه نفسه في تعاملها مع القضية الفلسطينية ومجمل الصراع العربي الصهيوني. وهي السياسة التي يستخدمها حكام العرب لتمرير قراراتهم .
صعوبة بلع بايدن لقرار الصحراء
ماذا باستطاعة بايدن فعله بإرث ثقيل؟ بالتأكيد سيعمل الكثير وينجح في رأب الصدع مع أوروبا، ولكنه سيواجه دولاً من كبرى أو من ذات وزن بمواقف لها جديدة وصلبة . وإن كان لن يستطيع إلغاء أي قرار باطل اتخذته إدارة ترامب لصالح “اسرائيل” إلا أنه سيكون له موقف أخر من مسألة الصحراء لأسباب مرتبطة بعمل مجلس الأمن والضغوطات الأوروبية كم سيرد في السياق، وسيتحمل النظام المغربي مسئولية ارتكابه هذا الخطأ الجرمي اللاخلاقي المرتبط بمقايضة مهينة لزعيم يدّعي العروبة والإسلام، وأعطاه الفلسطينيون أمانة لجنة القدس . وللحقيقة لو ضُمَّت الصحراء الغربية مثلا للجزائر لما كان للأمر تأثيرا في نفوس الكثيرين من العرب، لأنها حينها ستكون بأياد أمينة وبعيدة عن الوجود والاستخدام الصهيوني .
الدور الجزائري على صعيد المشكلة والتسوية
عودة للسياق، لقد كنت في بدايات عملي في الأمم المتحدة كعضو في وفد بلادي الدائم، أتابع سير مشكلة الصحراء الغربية كبند ساخن على جدول أعمال المجتمع الدولي . وأتابع الجهود الضخمة المهنية والناجحة للوفد الجزائري العتيد حقاً. فما حققته الدبلوماسية الجزائرية على هذا الصعيد عجزت أمريكا والكثير من دول الغرب والعرب عن مجاراته ومداناته أو إفشاله، وفي المحصلة اعتُبرت جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي. وفي حين اعترفت حوالي اربعين دولة بحق البوليساريو وشعب الصحراء في إقليمهم فلم تعترف ولو دولة واحدة بسيادة المغرب عليه، فضُمت البوليساريو في عضوية الاتحاد الأفريقي. وصدرت عشرات القرات لمجلس الأمن والجمعية العامة وكلها كانت تدور حول طبيعة التسوية التي اعتمدها مجلس الأمن في الأساس لمشكلة الصحراء والقائمة على الإعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره في إقليمه من خلال استفتاء تقوم به بعثة الأمم المتحدة للصحراء التي شكلها المجلس .
العبث الامريكي وتغيير طبيعة التسوية
ما أريد الاشارة إليه بهذا الشأن، هو الدور المخرب اللعين للولايات المتحدة بدفع من الصهيونية والذي استمر عقوداً، من أجل افشال عمل بعثة الأمم المتحدة لإجراء الإستفتاء في الصحراء سواء بتلاعب النظام المغربي بجداول المستحقين للمشاركة في التصويت، أو بقيامه بعمليات عسكرية في الصحراء والتسبب بموجات لاجئين. وكله بهدف عرقلة مهمة بعثة الأمم في إجراء الاستفتاء . حيث كان مطلب النظام المغربي هو منح إقليم الصحراء حكماً ذاتيا في إطار سلطة المملكة . وأمام عجز الأمم المتحدة وبعثتها في إجراء الاستفتاء وتعقيد العملية السلمية، فقد تبدلت طبيعة الحل على صعيدها من الإستفتاء إلى حل سياسي قائم على التوافق، والذي لم يتم لغاية اليوم.
تعطيل مجلس الأمن بالموقف الأمريكي الجديد والحل
نعلم بأن القرار الأمريكي الأخير بشأن الصحراء سيكون له انعكاسات تحتاج جداً لعمل مجلس الأمن، منها تجدد القتال في الصحراء وفوضى سياسية على صعيدي منظمة الوحدة الأفريقية ودول افريقيا بشكل عام مما يؤدي لتفاقم أزمة الملف الصحراوي وتعقيده، بينما مجلس الأمن سيكون عاجزاً عن أخذ قرار في يوم من الأيام بشأن ملف الصحراء او اتخاذ حل مع وجود دولة تمتلك حق الفيتو اتخذت موقفاً مغاير تماماً وهي امريكا. بمعنى أن عمل المجلس سيتوقف بهذا الملف. وهو الأمر الذي دفع المانيا للمسارعة إلى طلب عقد جلسة مغلقة للمجلس بعد ابلاغ أمريكا لموقفها الجديد للأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لتدارس الموضوع. إلًا أن هناك حلاً يكون في إحدى حالتين وهما، إما أن تتخذ أمريكا موقفاً حيادياً بالتصويت “بالإمتناع ” او بعدم المشاركة به لدى مناقشة القرارات المتعلقة بالصحراء، وإما أن تقوم إدارة بايدن بعدم الموافقة على قرار ترامب الخاص بالصحراء، وهذا الموقف الثاني مرجحاً سيما وأنه لا يؤثر على “إسرائيل ” حيث أن تطبيع المغرب قائماً منذ قيامها.
الختام والرسالة ً
إن الرسالة الأساسية التي أرغب بإيصالها هنا في سياق المقال، هي في حيوية أن لا نعادل كعرب أو مسلمين بين قيمتي الرأي والحقيقة Opinion and Fact فإن فتح صراع بينهما مهما كانت صيغته سيضَيِّع الأخيرة (أي الحقية) . وهذه هي لعبة العصر من أصحاب الغايات في وسائل التواصل في “النت”. فلسطين هي الحقيقة، فلا الصحراء الغربية ولا الشرقية ولا أي قضية قطرية شائكة، ولا أي استعمار لقطر عربي مسألة تجيء بمعزل عن تداعيات المشروع الصهيوني بعد أن حلَّ بوطننا واستهدف فلسطين ابتداء. فليس من تلك المشاكل وغيرها ما يساوي ولا يجب أن يساوي حرف اهتمامنا عن القضية الأم , القضية الفلسطينية. وكل مصيبة عربية حالية أو قادمة هي من نتاج استهداف فلسطين ضمن المشروع الصهيوني. فقد ولدت هذه القضية عربية لا قطرية وابتدأت بفلسطين وستلاحق كل مسمى عربي أو مسلم وتفتك به ما لم تُخلع ُجذور الصهيونية من فلسطين. آن لنا أن نفهم هذا فقد فتكت قطرنة القضية الفلسطينية بنا بالمفرق والجملة وسيبقى الفتك قائما ويتوسع ويتجذر ما دمنا نتجاهل بأن مشاكلنا ومصائبنا هي من ذك النبع، وليس هناك من مواجهة مجدية إلا مع الحقيقة في فلسطين.
باحث وكاتب عربي
رأي اليوم