2024-11-22 06:49 م

السيناريوهات الفلسطينية بعد عودة العلاقات مع إسرائيل وفوز بايدن …

2020-11-29
بقلم: هاني المصري
مقدمة

إذا وضعنا جانبًا مسألة صحة توقّف التنسيق مع سلطات الاحتلال من عدمه، ومجمل قرار التحلل من الاتفاقيات – مع أنّ هناك من المؤشرات ما يكفي تدلّ على عدم توقفه – فإن اتخاذ الموقف، ولو نظريًا، خطوة في الاتجاه الصحيح، ويساهم في سحب الشرعية عما تبقى من اتفاق أوسلو، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن عودة العلاقات كاملة يدشن مرحلة جديدة يجب التوقف عندها، كونها تهبط بسقف الموقف الفلسطيني ليصل إلى مستوى الرسالة التي أرسلها كميل أبو ركن، منسق عمليات حكومة الاحتلال في الضفة الغربية. كما أنها تعطي شرعية لما قامت وما يمكن أن تقوم به إسرائيل، حين أكدت الرسالة أن ما جاء فيها ينسجم مع ما ذكرته إسرائيل سابقًا، إضافة إلى تثبيت أن مرجعية العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية هي مع منسق الإدارة المدنية، التي مرجعيتها وزارة الحرب الإسرائيلية، والمفترض أنها حُلت وفقًا لاتفاق أوسلو.

قبل الشروع في عرض وتقييم عودة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، من المفيد العودة بالذاكرة إلى الوراء، وتحديدًا إلى المراحل التي مرت بها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن.

المراحل التي مرت بها السلطة الفلسطينية

المرحلة الأولى: 1993-2000 (المرحلة الذهبية)

جرى في هذه المرحلة تأسيس السلطة، وإعادة انتشار قوات الاحتلال في مناطق (أ) و(ب)، ضمن ما عرف بالنبضتين الأولى والثانية، والامتناع عن تنفيذ النبضة الثالثة التي كان من المفترض من خلالها أن تعيد قوات الاحتلال انتشارها في المنطقة (ج)، ليصبح 90% من الأراضي المحتلة تحت سيطرة السلطة، وذلك بعد أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود باراك تنفيذها، متذرعًا بأن الفلسطينيين يأخذون ولا يعطون، وأصرّ على ربط تنفيذ بقية مستحقات والتزامات المرحلة الانتقالية بالاتفاق النهائي، وهذا فتح الطريق لعقد قمة كامب ديفيد في العام 2000، التي أراد منها باراك إثبات عدم وجود شريك فلسطيني، و”إزالة القناع” عن وجه ياسر عرفات.

في هذه المرحلة، وعلى الرغم من القيود والالتزامات الغليظة والمجحفة والخروقات الإسرائيلية للاتفاق الـ (34)، التي طالما تحدث عنها المرحوم صائب عريقات، كان هناك فيها، وتحديدًا في بدايتها، نوع ما من العملية السياسية والالتزامات المتبادلة ضمن إطار سلطة الحكم الذاتي الانتقالي التي كان من المفترض أن تنتهي في أيار/مايو 1999.

المرحلة الثانية: 2000-2004

بدأت هذه المرحلة بعد فشل وانهيار قمة كامب ديفيد، وزيارة أرئيل شارون إلى الحرم الشريف، وشن العدوان العسكري الشامل على الفلسطينيين، وصولًا إلى محاصرة الرئيس ياسر عرفات في مقره والسعي لإخضاعه للشروط الأميركية الإسرائيلية، والامتناع عن المقاومة، والتعايش مع الواقع الذي يقيمه الاحتلال، من خلال إعادة احتلال مباشر لأراضي السلطة، وتدمير وزاراتها وأجهزتها الأمنية وبنيتها التحتية.

وشهدت هذه المرحلة استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني تحت الضغط الخارجي، الذي كان حقًا يراد به باطل؛ لإضعاف قيادة ياسر عرفات، وأخذ الصلاحيات منه، خصوصًا بعد خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في حزيران/يونيو 2002، الذي دعا فيه إلى تغيير قيادة ياسر عرفات، وإيجاد قيادة فلسطينية جديدة تحارب “الإرهاب” تحت شعار “الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل”.

وأُقرّت هذه المرحلة خارطة الطريق في العام 2003، التي مثّلت هبوطًا جديدًا في سقف الموقف الفلسطيني، من خلال جعل الأمن الإسرائيلي المرجعية العليا، والأهم للمفاوضات، وفتحت الطريق للتنازل عن مبدأ التبادلية المتضمن في اتفاق أوسلو الذي يفرض تنفيذًا متبادلًا للالتزامات الفلسطينية والإسرائيلية، إذ وافق الجانب الفلسطيني على تطبيق التزاماته من دون ربطها بتطبيق الالتزامات الإسرائيلية، بحجة أنها تحقق المصلحة الفلسطينية وتُحرج إسرائيل، وتحصل من خلالها القيادة الفلسطينية على الرضا الأميركي والعربي والأوروبي والدولي .

وحاول ياسر عرفات التمرّد على هذا الوضع الجديد، فتمّ اغتياله، ولا يزال دمه على الأرض رغم مرور 16 عامًا على هذه الجريمة .

المرحلة الثالثة: 2005-2016

يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى من العام 2005 وحتى العام 2010، وجرى خلالها السعي الحثيث للتوصل إلى اتفاق نهائي، خصوصًا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في العام 2008.

أما المرحلة الثانية فاستمرت خلال بقية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما وحتى نهايتها في العام 2016، واستلام دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض مطلع العام 2017، وحاول فيهما الرئيس محمود عباس تحقيق ما لم يستطع سلفه تحقيقه، على أساس تصوّر أن الأداء الفلسطيني، وليس أساسًا عدم استعداد إسرائيل للتوصل إلى تسوية، يتحمل مسؤولية أساسية عن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي يتضمن دولة فلسطينية، وإذا غيّرنا سنحصل على الدولة، وغيرناه ولم نحصد سوى الخيبة والريح.

وشهدت هذه الفترة مزيدًا من المرونة والتنازلات الواسعة المقدّمة، التي وصلت إلى حد اعتبار التنسيق الأمني “مقدّسًا”، وموافقة السلطة على وضع نفسها تحت اختبار الجدارة وبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، وتجاهل التوسع الاستيطاني الرهيب، بحجة أن ما لم نحصل عليه في المرحلة الانتقالية بالمفرق، سنحققه بالجملة في الاتفاق النهائي، إضافة تطبيق الالتزامات الفلسطينية من جانب واحد، والتعايش مع اقتحام قوات الاحتلال لمناطق السلطة المصنفة (أ) أينما ووقتما تشاء، وتوسيع صلاحية وأدوار الإدارة المدنية التي ينص اتفاق أوسلو على حلها، وتمديد عمر المرحلة الانتقالية من دون مفاوضات حقيقية ولا عملية سياسية ولا تحديد سقف نهائي للتوصل إلى الاتفق النهائي، وهذا يجعل سلطة الحكم الذاتي بلا دور سياسي، وحلًا نهائيًا وليس انتقاليًا.

كما شملت التنازلات الفلسطينية تأكيد الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي، و”السخاء” بخصوص النسبة التي يشملها والمناطق التي ستضمها إسرائيل في الاتفاق النهائي، وتتضمن كتلًا استيطانية كبيرة تُكرّس فصل القدس عن محيطها، وتقسّم ما تبقّى من الضفة إلى معازل في الشمال والوسط والجنوب، فضلًا عن الموافقة على “حل عادل متفق عليه” لقضية اللاجئين، وعدم ممارسة المقاومة، حتى الشعبية، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية، واستمرار توسّع الاستعمار الاستيطاني، والتهويد، وهدم المنازل … إلخ.

وطُرح في هذه المرحلة شرطٌ جديدٌ، وهو ضرورة الموافقة على إسرائيل بوصفها دولة للشعب اليهودي كما حدث في “مؤتمر أنابوليس” في العام 2007، كشرط لأي اتفاق، وأحيانًا لبدء المفاوضات.

كما جرى في هذه المرحلة فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة، مع إعادة الانتشار في محيطه ضمن منظومة سيطرة عنوانها استمرار “الاحتلال عن بعد”، وهي الخطة القديمة المتجددة بالفصل بين الضفة والقطاع التي ابتدأت قبل أوسلو، وتواصلت بعده بخطة “غزة أولًا” التي تحوّلت إلى “غزة أريحا أولًا”، والتي نفذها شارون للتخلص من أي قيود للعملية السياسية، وتجاوز ما جاء في خارطة الطريق عن إقامة دولة فلسطينية، ولو اختيارية وانتقالية، والتفرغ للتركيز على الاستيلاء على الضفة، على أساس خطوة إلى الوراء في غزة تضمن التخلص من أعباء الاحتلال المباشر، وخصوصًا من وجود المقاومة ومليوني فلسطيني، من أجل التقدم عشر خطوات في الضفة، التي تعدّ قلب إسرائيل الموعودة، والتمهيد والمساهمة في وقوع الانقسام الذي جاء أولًا كصناعة إسرائيلية، من خلال عدم تنسيق إعادة انتشار القوات الاحتلالية مع السلطة الفلسطينية، ومن ثم السماح بمشاركة حركة حماس في السلطة من بوابة الانتخابات من دون اشتراط قبولها باتفاق أوسلو والتزاماته، أو مضامين شروط الرباعية الدولية التي أعلنت مرة أخرى كشروط على أي حكومة فلسطينية تشكل بعد الانتخابات، ثم التشدد في ضرورة قبول هذه الشروط من “حماس” أو من الحكومة التي تشارك فيها الحركة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في العام 2006.

ووصل الرئيس محمود عباس في هذه المرحلة، وتحديدًا في العام 2010 كما تدل شواهد عديدة، إلى أن إمكانية قيام الدولة الفلسطينية عبر المفاوضات صعبة، وبعيدة، وربما مستحيلة .وعلى خلفية هذا الاعتقاد، فكر بالانسحاب من العمل السياسي، خصوصًا بعد ردة الفعل الواسعة والغاضبة على قراره بتأجيل تقرير غولدستون، وقرر بعدها مواصلة العمل، واعتمد منذ ذلك الحين سياسة البقاء والانتظار كإستراتيجية فلسطينية، إذ غدا بقاء الرئيس والسلطة هو الهدف، وليس وسيلة لإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة.

وبدأت بعد ذلك مرحلة العمل من أجل المصالحة الفلسطينية التي شهدت بداية تلويح الرئيس بخيارات أخرى، كما جاء في خطابه في قمة سرت العربية في العام 2010، إذ أشار إلى سبعة خيارات، منها خيار حل السلطة، وتسليم مفاتيحها إلى إسرائيل، لأنها “سلطة بلا سلطة”.

كما شهدت هذه المرحلة توقيع اتفاق القاهرة للمصالحة في العام 2011، لا سيما بعد بدء موجة الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيسين المصري والتونسي، وصعود التيارات الإسلامية في ظل إستراتيجية الإدارة الأميركية القائمة على احتواء التيارات الإسلامية، ثمّ التوجّه إلى المؤسسات الدولية، والحصول على عضوية الدولة الفلسطينية المراقبة، واعتراف الدول على امتداد العالم بالدولة، والانضمام إلى الاتفاقيات والوكالات الدولية، وإلى المحكمة الجنائية الدولية، والاهتمام بالمقاومة الشعبية، وانتهت بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في آذار 2015، حول إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال، والحصول على قرار من مجلس الأمن ضد الاستيطان في العام 2016، في الأيام الأخيرة من عمر إدارة أوباما.

وظهر في هذه المرحلة بوضوح أكبر، خصوصًا بعد تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ العام 2009، بأن إسرائيل تخلت ولن تعود إلى الالتزام بالتزاماتها الواردة في اتفاق أوسلو، ولم تعد مستعدة للتفاوض على مسار سياسي للتوصل إلى تسوية، ولو مختلة لصالحها، بل تسابق الزمن لفرض الحل الإسرائيلي، لذلك رفضت أي محاولة لاستئناف المفاوضات، وأي محاولة لعقد لقاء قمة بين نتنياهو وعباس رغم مبادرة الرئيسين الروسي والفرنسي المنفصلتين لعقدها، في دلالة على أن إسرائيل بدأت تتعامل مع المسألة الفلسطينية كمسألة داخلية تتعلق بالسلطة، التي مرجعيتها الإدارة المدنية التابعة لوزارة الحرب الإسرائيلية (المفترض أنها حلت بعد أوسلو وتم إحياؤها في هذه المرحلة)، إضافة إلى مسألة السلطة في غزة التي تدار من خلال معادلة التهدئة مقابل تخفيف وتحسين شروط الحياة تحت الحصار، بما يضمن استمرار الانقسام وتعميقه.

المرحلة الرابعة: 2017-2021 (مرحلة ترامب)

شهدنا خلال هذه المرحلة، بعد تولي ترامب سدة الحكم في البيت الأبيض، محاولة أميركية إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف مراحلها، عبّرت عن نفسها في الخطوات الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن، ووقف المساعدات للسلطة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وطرح رؤية ترامب التي تمثّل حلًا إسرائيليًا منحازًا لليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي.

وتميّزت هذه المرحلة بإجماع فلسطيني على رفض المؤامرة، وشهدت محاولة للجمع بين إستراتيجية جديدة تمثلت في الرفض، والإستراتيجية القديمة من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي، وكسر الاحتكار الأميركي لرعاية المفاوضات مع التعامل، وانتهت إلى التعامل مع الإستراتيحية الجديدة كتكتيك للضغط من أجل عودة الأمور إلى ما كانت عليه.

وعبّرت السياسة الجديدة عن نفسها في المضي بالتدويل أكثر وأكثر، ومن خلال السعي لتحقيق الوحدة، والدعوة لممارسة المقاومة الشعبية.

وعلى الرغم من الأساس السياسي المشترك المستند إلى رفض رؤية ترامب نتنياهو، وخطة الضم، والقرار الفلسطيني بالتحلل من الاتفاقيات؛ لم تنجح محاولات إنهاء الانقسام، ما يعني انهيار هذا الأساس المشترك، والرهان على بايدن، فضلًا عن أن هرولة الدول العربية إلى التطبيع سيجعل نجاح محاولات إنهاء الانقسام أو إجراء الانتخابات أصعب وأصعب.

لقد تمّ تطبيق خطوات على طريق تنفيذ رؤية ترامب، ولكنها لم تستطع أن تستكمل جراء أسباب كثيرة، أهمها الرفض الفلسطيني والعربي والدولي، ومن أوساط إسرائيلية وصهيونية ويهودية واسعة، في معظمها ليست لأسباب تتعلق بالمصلحة أو الحقوق الفلسطينية، أو التوصل إلى سلام أو تسوية عادلة أو متوازنة، بل لأنها تضمنت موافقة على دولة فلسطينية، حتى لو كانت ليست ضمن التصور الفلسطيني، ولأنها تضع حدودًا لإسرائيل قبل توفر شروط إقامتها على حدود “أرض الميعاد” كاملة، أو لتشمل كل فلسطين التاريخية على الأقل، وخشية من أن تؤدي إلى قيام دولة ثنائية القومية تقضي على إسرائيل في النهاية بوصفها دولة يهودية نقية لا يقطنها سوى أقلية من العرب وغير اليهود .

 المرحلة الخامسة: أواخر 2020 وحتى إشعار آخر

للتعرف إلى معالم هذه المرحلة التي بدأت للتو، يجب التوقف أمام التحوّل السريع والخطير في موقف الرئيس والسلطة الفلسطينية الذي حصل فور اتضاح فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، وقبل رؤية انعكاسه على القضية الفلسطينية وإسرائيل، وتحت ضربات التحوّل العربي من التطبيع السري إلى التطبيع العلني والتحالف مع إسرائيل، وعلاقة كل ذلك بما يجري في المنطقة والإقليم والعالم.

لقد فاجأ الرئيس الفلسطيني الغالبية العظمى من أعضاء اللجنتين التنفيذية للمنظمة والمركزية لفتح وجميع الفصائل والوزراء بقرار عودة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية إلى ما قبل 19 أيار/مايو 2020، أي ما قبل إعلانه قرار التحلل من الاتفاقات المبرمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كونه جاء قرارًا فرديًا لم يعرض على أي مؤسسة فتحاوية، ولا في إطار السلطة والمنظمة، ولا على الأمناء العامين، ما يعني أنه لم يدرس بما فيه الكفاية، ولم يعكس الآراء والالتزامات والتوازنات المختلفة، ومعرض للخطأ أكثر، ويظهر أن القرار فرديًا، ما يجعل القيادة الفلسطينية عرضة أكثر للضغوط الخارجية والخضوع لها بشكل كبير.

ومع أن القرار لم يكن مفاجئًا من حيث حدوثه، لأن السلطة ما دامت مقيّدة بالتزامات أوسلو فهي لا تملك إلا العودة إلى حاضنتها الأصلية ، ما يتطلب تغير السلطة، غير أنه أنه مفاجئ من حيث المضمون والإخراج والتوقيت، فهو يشمل عودة كل أنواع العلاقات، والتنسيق الأمني والمدني، بما فيها تحويل أموال المقاصة، حيث كان من الممكن أن ينحصر بالموافقة على تلقي أموال المقاصة، خصوصًا أن هذا الأمر حق فلسطيني خالص، وكان متاحًا كما جاء في نص الرسالة المنسق، المؤرخة في 17/11/2020، التي جاء فيها أن السلطة هي التي امتنعت عن استلام أموال المقاصة، وذلك ردًا على رسالة حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية الفلسطينية، المرسلة بتاريخ 7/10/2020.

وفي هذه الحالة، كان يمكن تفهم القرار من دون ربطه بعودة كل أشكال العلاقات والتنسيق، وبالظروف القاهرة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعيشها السلطة بعد قطع المساعدات الأميركية، وتراجع المساعدات بشكل عام.

من اللافت للانتباه أن موعد إرسال الرسالة وبدء المفاوضات سابق لموعد الانتخابات الأميركية، ما يعزز الرأي الذي أكدته مصادر موثوقة بأن الأمر لا يعود إلى الرهان على فوز بايدن وحسب، لأن السلطة قررت إعادة العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة مهما كانت نتائج الانتخابات، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها جراء عدم استلام أموال المقاصة بالترافق مع استمرار وتفشي وباء كورونا، وتداعياته الاقتصادية الوخيمة، الذي ينذر استمرارها بانهيار السلطة، خصوصًا بعد أن استنفدت إمكانية الحصول على قروض داخلية من البنوك الفلسطينية وغيرها، كما فشلت في الحصول على قروض خارجية من قطر والاتحاد الأوروبي وغيرهما بضمان الأموال الموجودة عند إسرائيل، خصوصًا أن الأزمة مرشحة للاستمرار لوقت قد يطول، والاحتجاجات الداخلية بدأت وستتدحرج بشكل سريع .

طبعًا، لا ينفي ما سبق أن فوز بايدن والآمال التي يثيرها عززت من دوافع التعجيل بالتغيّر، وكذلك سير بلدان عربية عدة، واستعداد بلدان عربية وأجنبية أخرى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما يفقد السلطة ما تبقى لها من حاضنتها العربية.

كما يدفع بهذا الاتجاه أن دعوة الرئيس لعقد مؤتمر دولي في بداية العام القادم، لا رصيد يذكر لها من النجاح، قبل نجاح بايدن وبعده، وأن المصالحة لا تملك فرصة كبيرة للنجاح، لأن الأطراف الفلسطينية، خصوصًا السلطة، غير مستعدة لدفع ثمنها، بعد أن ظهرت الخلافات على التزامن بعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية والوطني، وخطوات بناء الثقة، وتحفّظ دول عربية وأجنبية على هذه الجهود، وعلى عقد لقاء إسطنبول .

يدل تاريخ بادين وأركان حملته والتصريحات التي أدلوا بها إلى أن أقصى ما يمكن أن يسعى له إدارة الصراع وليس حله. وفي هذا السياق، حذر أنتوني بلينكن، مستشار بايدن، والمرشح لتولي منصب وزير الخارجية، السلطة بعد القرار الفلسطيني من مغبة التعامل مع “منظمات إرهابية”، وأن هذا الأمر – كما قال – يعيه الرئيس الفلسطيني جيدًا، وأوضح أن السلطة ستتعرض لاختبار حول مدى التزامها بالاتفاقيات قبل إعادة فتح مكتب المنظمة، واستئناف المساعدات الأميركية، فضلًا عن أن القضية الفلسطينية لن تكون من أولويات إدارة بايدن في الفترة الأولى التي يمكن أن تستمر لعام أو اثنين، وربما أكثر، إذ ستكون مشغولة بقضايا داخلية وخارجية أخرى.

إن سقوط ترامب أمر مفرح للفلسطينيين ومعظم العالم، ولكن هذا لا يبرر الرهان على بايدن الصهيوني – كما صرح بنفسه سابقًا- الصديق القديم لإسرائيل، والمقيد بالكونغرس والقوانين التي ستجعل حركته تجاه الفلسطينيين حتى فيما يتعلق بفتح المنظمة واستئناف المساعدات مقيدة بقوانين ثلاثة: الأول يعدّ منظمة التحرير “منظمة إرهابية”، وأن فتح مكتبها بحاجة إلى إذن جديد من الرئيس الأميركي كل ستة أشهر؛ والثاني، قانون “آتكا” الذي يجعل متلقي المساعدات الأميركية تحت الولاية القضائية الأميركية، ما يعني التعرض لملاحقات وقضايا تجعل عدم تلقي المساعدات أرخص وأفضل؛ والثالث، قانون تايلور فورس الخاص برواتب الأسرى وأهالي الشهداء.

إن الفلسطينيين مطالبين بالاستجابة لمساعي الإدارة الجديدة لاستئناف المفاوضات لإدارة الصراع، وما يعنيه ذلك من تصفية للقضية الفلسطينية، بالمفرق والتدريج، لأن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مخططاتها عبر الضم الزاحف، الهادفة إلى تحقيق الضم القانوني في الوقت المناسب.

كما أنهم مطالبون بالاستجابة لشروط هذه القوانين الثلاثة، وهناك بعض الإشارات حول الاستجابة أو التكيّف مع الإدارة الأميركية، مثل تغيير مرجعية الأسرى، ومعايير رواتبهم، وتأجيل طرح مبادرة الرئيس حول عقد المؤتمر الدولي، وكذلك مساعي الانضمام إلى الوكالات والاتفاقيات الدولية.

إن الاستجابة الفلسطينية لهذه القوانين أمر خطير جدًا إن حصلت، كونه يعني تقديم تنازلات مجانية من دون مقابل، فالأمر لا يتعلق بالرواتب فقط، وإنما يمس بالحقوق الفلسطينية المقدسة بالمقاومة والرواية التاريخية، وخصوصًا أن تعديل القوانين الأميركية أو تغييرها غير مرجّح ضمن التركيبة الحالية للكونغرس، لا سيما إذا فاز عضوان من الحزب الجمهوري بعضوية مجلس الشيوخ عند إعلان النتيجة النهائية.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: التعايش مع الواقع والهبوط إلى سقف رسالة المنسق

يقوم هذا السيناريو، وهو الأكثر احتمالًا، على تعايش السلطة مع الواقع القائم، والتعامل معه كونه المتاح، وهذا يفتح الطريق لتنفيذ الحل الإسرائيلي نفسه ولكن بالتدريج خشية من أن عدم قبوله يؤدي إلى ضغوط كبيرة ومساعٍ لإعادة بناء وتركيب السلطة وتغيير قيادتها، لذا كانت السلطة سباقة إلى القيام بما عليها لجهة الالتزام بالاتفاقيات السابقة، وهذا يعني أن السقف الأعلى السياسي هو الوضع الراهن، وهو أقل من سقف اتفاق أوسلو المنخفض أصلًا.

وتتصور القيادة الفلسطينية أنها بتقديم هذه التنازلات مبكرًا تكسب الوقت، وتتأهل لإقامة علاقة جيدة مع إدارة بايدن من اللحظة الأولى من دون إضاعة أي وقت، وأن هذا يقطع الطريق على البدائل الفلسطينية وغير الفلسطينية عنها، لأنها غير مستعدة لاعتماد خيارات أخرى ثبت، مرارًا وتكرارًا، أنها غير مستعدة لدفع ثمنها، سواء فيما يتعلق باعتماد إستراتيجية جديدة بعيدة ومختلفة جذريًا عن أوسلو ووهم المفاوضات والتسوية، وما يقتضيه ذلك من التقدم على طريق المصالحة، التي ستتراجع إمكانية تحقيقها كثيرًا بعد عودة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية حتى إشعار آخر، إلّا إذا أبدت “حماس” “مرونة” واسعة تجعل المصالحة والانتخابات ممكنتين، وذلك من خلال التكيف مع شروط الرباعية، وهذا الأمر غير ممكن على المدى المباشر على الأقل، خصوصًا أن المطروح على الفلسطينيين حصولهم على ما في أيديهم حاليًا، وليس أكثر، وترويضهم لقبوله مع إضافات وتحسينات طفيفة كحل نهائي، إضافة إلى أن “حماس” عشية انتخابات داخلية عادة ما تنتعش فيها الآراء المتشددة.

والجدير بالذكر أن “حماس” لن تنشغل كثيرًا بتراجع إمكانية تحقيق المصالحة على الأغلب كونها يمكن أن تستفيد من غرق منافستها “فتح” في أوحال أوسلو والتسوية مجددًا، وتعتقد أن الأولوية لديها الاحتفاظ بسيطرتها على القطاع، وهذا الأمر مستمر بالمصالحة ومن دونها، إضافة إلى أن إمكانية أن تحصل على أكثر من ذلك مستحيل في هذه الظروف إلا إذا غيّرت جلدها، وهذا أيضًا مستحيل على الأقل حاليًا .

ولكن “حماس” ستكون مطالبةً بالاستمرار في معادلة “التهدئة مقابل تخفيف الحصار”، والعمل لكي تصبح تهدئة طويلة الأمد، وإطلاق سراح الأسرى، وضمان استمرار حكم “حماس”، والسعي لاحتوائه بالتدريج.

وسنشهد ضمن هذا السيناريو نوعًا من إدارة الانقسام، بما في ذلك توظيف الحوار الثنائي، وربما الشامل، كوسيلة لخدمة هذه الغاية، مترافقة مع إدارة الصراع مع إسرائيل، وليس حله إلى حين توفر طرف فلسطيني يرضا بالحل الإسرائيلي، لكن مع مواصلة إسرائيل، كما فعلت دائمًا، سياسة خلق الحقائق الاحتلالية على الأرض، وخصوصًا استكمال تهويد القدس وأسرلتها، وتكثيف الاستعمار الاستيطاني بمعدلات أكبر، ومواصلة حصار القطاع وإخضاعه عبر سياسة العصا والجزرة، وتهميش القضية، والمضي في التطبيع والحل الإقليمي .

وضمن هذا السيناريو لن تكون هناك مبادرات كبيرة من الإدارة الأميركية لإحياء المفاوضات، دون استبعاد الإيحاء بإحياء العملية السياسية، وعقد الجولات المكوكية واللقاءات لاستكشاف المواقف أو تقديم بوادر “حسن نية” من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، كونها ستكون مشغولة بملفات أخرى داخلية وخارجية، لأنها تخشى من الفشل، كون إسرائيل تحت حكومة متطرفة لا ترضى بالتسوية، بل تطرح حلًا استسلاميًا على الفلسطينيين، ولن تقوم إدارة بايدن بالضغط عليها وفق ما أعلن عدد من أركانها المحتملين، كما بينت الخبرة السابقة، فضلًا عن أنه لن يجرؤ أحد من الفلسطينيين مهما كان معتدلًا، من الذين لهم وزن حقيقي، على التوقيع عليه ولن تصل على الأغلب إلى حل نهائي، وإنما في أحسن الأحوال مفاوضات من أجل المفاوضات تسعى لضمان عدم انهيار الوضع وبقائه تحت السيطرة، مقابل بعض العطايا الاقتصادية الرامية إلى تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال .

ويمكن ضمن هذا السيناريو طرح إجراء انتخابات لتجديد شرعية السلطة، ولكنها يمكن أن تكون على الأرجح لمنح الشرعية مجددًا لسلطة الحكم الذاتي، وتوفير غطاء للمسيرة السياسية الجديدة، التي لا تملك أية آفاق للتوصل إلى حل يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

السيناريو الثاني: الوصول إلى اتفاق ممكن

يقوم هذا السيناريو على إقدام الرئيس الفلسطيني في حال وجود ضغط وتشجيع أميركي، وضغط شديد من المطبعين العرب، على تقديم تنازلات جوهرية جديدة تجعل الاتفاق ممكنًا، حتى لو اعتبر اتفاقًا انتقاليًا جديدًا، مهما يكن مجحفًا، خشية من ضياع ما تبقى، وحتى يسجل التاريخ بأنه حقق تجسيد قيام دولة فلسطينية، وإن كانت ليست دولة، بل حكمًا ذاتيًا يسمى دولة، وسنشهد ضمن هذا السيناريو ومختلف السيناريوهات تواصل التطبيع العربي مع إسرائيل.

ولا تقع الدولة الفلسطينية التي ستقام في هذا السيناريو ضمن التصور السياسي الفلسطيني للدولة، فهي ستكون منزوعة السلاح وبلا سيادة ومن دون معظم القدس، وعلى حساب حق العودة والرواية التاريخية الفلسطينية للصراع، فضلًا عن أنها ستشرعن الاستعمار الاستيطاني، ونظام الفصل العنصري الذي رسخه قانون القومية .

ويؤثر جدًا على إمكانية تحقيق هذا السيناريو نجاح التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، يشمل هذه المرة دورها في المنطقة، كما يؤثر عليه استمرار وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية، والنجاح في ترميم النظام العالمي الجديد من عدمه، وضبط التنافس الأميركي الصيني والأميركي الروسي وعدم وصوله إلى نوع من عدم السيطرة .

لا بد من الإشارة إلى أن مثل هذا السيناريو مستبعد جدًا، لأن الرئيس كما ظهر، وخصوصًا بموقفه من رؤية ترامب، بأنه لن ينهي حياته بالتوقيع على حل استسلامي، كما أن الردود الفلسطينية على مثل هذه الخطوة ستكون قوية تنزع عنه أو عن أي مسؤول يوافق عليها أي شرعية فلسطينية .

وضمن هذا السيناريو ستزيد احتمالات شن عدوان عسكري على قطاع غزة، حتى لا تشكّل قوى المقاومة هناك عقبة كبيرة.

 السيناريو الثالث: التمرد الفلسطيني على المؤامرة

يقوم هذا السيناريو على قيام تمرد فلسطيني واسع على مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية بالتدريج، حتى لو جاءت من خلال الوهم بانطلاق مسيرة سياسية جديدة في عهد بايدن، مع أنها على الأرجح تبدو متعذرة، لأن العوامل التي يمكن أن تحققها غير متوفرة، أو كردة فعل على اندفاع إسرائيل نحو خطوات لتنفيذ الضم قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض وتمسكها بها باعتبار ذلك أمرًا واقعًا يشكل مرجعية لأي مفاوضات جديدة، أو فشلًا ذريعًا آخر بعد تجريب المجرب، أي كنتيجة للانخراط في جهود جديدة لإطلاق عملية سياسية سرعان ما تخفق على غرار فشل مقاربة المفاوضات التي رعتها إدارة أوباما حتى العام 2014.

وضمن هذا السيناريو، تتزايد فرص إنهاء الانقسام واحتمالات المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية في الضفة والقطاع.

ويعزز من احتمالات حدوث هذا السيناريو فشل محاولات الاتفاق مع إيران، وتزايد المنافسة الأميركية الصينية، واتجاه الصين للعب دور أكبر في الأزمات الإقليمية والنظام العالمي القديم، أو رسم نظام عالمي جديد .

إن متطلبات حدوث مثل هذا التمرد هي بلورة جبهة وطنية فلسطينية شاملة إن أمكن – وهذا بات الآن بعد عودة العلاقات مع إسرائيل والأوهام حول بايدن والتسوية أكثر صعوبة – تضم الجميع، وتنبثق عنها قيادة وطنية موحدة تسعى لتصعيد المقاومة والمقاطعة، وصولًا إلى اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، أو قيام جبهة وطنية واسعة تضم مجموعات وقوى جديدة وكل القوى والمؤسسات والأفراد، بما فيها داخل حركة فتح، التي ترى ضرورة اعتماد إستراتيجيات جديدة بديلة، تركز على الكفاح لتغيير موازين القوى، وعلى إنهاء الاحتلال، ووقف وإزالة الاستعمار الاستيطاني، وتجسيد الحرية والاستقلال، وتقطع الصلة بالإستراتيجيات المعتمدة سابقًا، خصوصًا إستراتيجية أوسلو، واللهاث وراء إحياء تسوية تفاوضية فشلت منذ زمن بعيد.

ومن الحنكة، حتى في إطار الالتزام باتفاق أوسلو، جمع أوراق القوة والضغط، وعدم الهرولة وتقديم تنازلات جديدة، حتى قبل استلام بايدن، لاستخدامها عند الجلوس على طاولة الاجتماعات الفلسطينية الأميركية. فإذا تصرفنا على أساس أن سلتنا فارغة، وأن التنازل يكسب تأييد الإدارة الأميركية، سنفاجأ بأن ما سيحدث على العكس من ذلك تمامًا، فالخبرة الماضية منذ ما قبل وبعد اتفاق أوسلو أثبتت أن طريق التنازلات لا تفتح الطريق لتراجع أميركي أو إسرائيلي، بل تفتح شهيتهما نحو المزيد من التنازلات الفلسطينية.

خاتمة

إذا كانت صفقة “ترامب نتنياهو” استنادًا إلى أطراف عربية وعلى الضعف والانقسام الفلسطيني حاولت تصفية القضية بالجملة، وحققت بعض النجاح ولم تستكمله بسبب عوامل كثيرة، أهمها الصمود الفلسطيني، فإن بايدن ونتنياهو أو من سيحل مكانه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية سيحاولان تصفية القضية الفلسطينية بالمفرق وبالتدريج، من خلال إدارة الصراع، ومنع ممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وممارسة الضغط لاستمرار التزام الجانب الفلسطيني باتفاق أوسلو والتزاماته، واستنادًا إلى أطراف عربية، وإلى الوضع العربي الممزق، وإلى مزيد من الضعف والانقسام الفلسطيني.

ويمكن أن يحققا مزيدًا من النجاح، ولكنهما لن ينجحا، لأن القضية الفلسطينية عادلة، ووراؤها شعب متمسك بها نصفه على أرض وطنه، ومستعد لمواصلة النضال لحمايتها وتجسيدها، وسيأتي الوقت عاجلًا أم آجلا الذي سنشهد فيه اندلاع موجة مقاومة فلسطينية كبيرة تستند إلى رؤية شاملة جديدة تنبثق عنها إستراتيجيات متعددة وبرامج تستجيب لحاجات الشعب بشكل عام، وأولويات تجمعاته المختلفة، بحيث تتحلى القيادة بالإرادة اللازمة والقادرة على مواصلة الكفاح حتى تحقيق الانتصار.

لا بد من توفير مقومات الصمود والمقاومة والمقاطعة، بالموازاة والتزامن مع مواصلة الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولكن بطرق جديدة لا يكون الاعتماد فيها على الحوار الرسمي والاتفاقيات الفوقية بمعزل عن الشعب، ولا عبر مناشدة ومطالبة القيادة والقوى أن تفعل كذا وكذا، وإنما من خلال العمل أساسًا من تحت لفوق لتقديم مبادرات ونماذج مختلفة وحدوية، وفي نفس الوقت العمل على أساس بلورة تيار سياسي جماهيري وطني، يقوم بالضغط المتراكم لتحقيق الوحدة على أسس وطنية وشراكة حقيقية وديمقراطية توافقية، من خلال حل الرزمة الشاملة المنسجمة مع طبيعة المرحلة والظروف الخاصة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية وموازين القوى القائمة في الساحة الفلسطينية.
(فلسطين اليوم)