فرح مرقه
يرصد الأردنيون بكثافة تقاطعات في نتائج الانتخابات البرلمانية النهائية في بلادهم حيث تتزايد أعداد الناجحين من المتقاعدين العسكريين ليصبح أكثر من 20 برلمانيا في مجلس النواب أي بنسبة 15% من عدد المجلس الكلي (130)، وهذه نسبة يضاف اليها ذوي الخلفيات الأمنية المعلنة او غير المعلنة، لتصبح مقاربة لتلك في مجلس الملك (الاعيان) في تشكيلته الأخيرة، حيث وصلت للربع تقريبا.
بهذا المعنى يتصاعد عدد الجنرالات في المجلسين، وبالضرورة معها تتصاعد نسب ما يعرف بـ “الشرق أردنيين” حيث الأجهزة الأمنية والعسكرية ومنذ سنوات لا تحتمل الكثير من ذوي الأصول الفلسطينية او من الشيشان والشركس وغيرهم، وهو مشهد لطالما تحدثت عنه أمام “رأي اليوم” شخصية أردنية وازنة كالمفكر عدنان أبو عودة.
هذا تغيير لا يحصل في دولة كالأردن مصادفة، حيث بالشرق والغرب أيضا تتفوق بمراحل نسب الشرق أردنيين في الحكومة ذات التعداد القياسي (32 وزيرا) التي يقودها الدكتور بشر الخصاونة، وهي أيضا حكومة استقطبت خلفيات عسكرية وامنية، في توقيت يدعو للتساؤل عن الأسباب.
في الحديث عن خلفيات شرق أردنية، يلاحظ مراقب حثيث للانتخابات مع “رأي اليوم” وصول أكثر من 10 نواب من عشائر بني حسن والمعروفة بعشيرة المليون، ما يرى فيه سنداً قوياً لمعركة لاحقة في البرلمان بعنوان الرئاسة لصالح النائب المخضرم ووزير العدل الأسبق عبد الكريم الدغمي.
ولا ينفصل وصول ذوي الخلفيات العسكرية والأمنية لمقاعد البرلمان بشقّيه “المعيّن” والمنتخب، عن اتجاه عام في الدولة يخلط العمل العام بالعسكري ضمن ما يمكن تتبعه من خيارات “التخشين” مع العمل المدني من جهة، وضمن ما يمكن اعتباره محاولة لاسترضاء تيار المتقاعدين العسكريين، خصوصا وقد شكلوا في المملكة ولفترة طويلة “رقابة ظل” للدولة وخياراتها واتجاهاتها.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحقيقة التي تقول ان ذوي الخلفيات العسكرية والأمنية يعتبرون في الغالب الأكثر ثقة لدى الأردنيين من كل الأصول والمنابت، ما يتعارض ونسب المشاركة في التصويت (29%) يوم الاقتراع، ما يظهر على الأرجح أن انعدام الثقة في الأداء البرلماني وقدرة مؤسساته على التغيير تفوق بمراحل الثقة بالشخوص والمؤسسات الأخرى ومخرجاتها.
الاستنتاج المذكور قد يكون أيضا هناك ما يعززه او ينفيه في خلفيات كل شخصية على حدة، ولكن الواقع يقول بالمقابل أن العسكر في الانتخابات لم يستطيعوا زيادة نسب التصويت، وكذلك كل من ترشحوا معهم.
بالمقابل وفي خلفيات الناجحين من أصول فلسطينية تتصاعد النسب لصالح الجناح المقرب للإمارات إذ يمكن قراءة الأسماء في هذا السياق بوضوح وهو ما ينسجم بالضرورة مع هندسة تظهر التيارين متلازمين (أي الجنرالات والإمارات) في مجلس نيابي مقبل على استحقاقات قد تكون كبيرة وواسعة في سياق صفقة القرن والمشاريع الملازمة لها وإدارة العلاقة مع الفلسطينيين بالإضافة لمرحلة معقّدة من العلاقة مع الإخوان المسلمين.
الاخيرون حصدوا 11 مقعدا في البرلمان الـ 19 وهو رقم يعني كتلة قابلة للوم تماما باعتبارها موجودة ولكنها بالضرورة غير قادرة على التأثير خاصة مع غياب القطب البرلماني الدكتور عبد الله العكايلة والنائبتين القويتين الدكتورة ديمة طهبوب والدكتورة هدى العتوم. بالمقابل فإن حضور صالح العرموطي نقيب المحامين الأسبق والمثير للجدل مع شخصية إعلامية منطقية معروفة هي الإعلامي عمر العياصرة قد يعني بالضرورة حضورا منطقيا للكتلة ولو على المستوى الإعلامي.
طبعا بالاضافة لكل ما ورد، فإن توقعات “رأي اليوم” بالنسبة للمرأة بصورة عامة وتمثيلها في البرلمان يبدو أنها كانت في مكانها، إذ تراجع التمثيل النسائي بنسب كبيرة حيث لم تحصد أي سيدة مقعدا تنافسيا، وهو ما ابرز عيوب قانون الانتخاب، الأمر الذي لا ينحصر على التمثيل النيابي فهو كذلك في الحكومة أيضا ومجلس الأعيان.
مع التشكيلة الجديدة للمجلس، والتي يظهر ان فيها نحو 100 عضو يدخل البرلمان للمرة الأولى مقابل 30 قدامى يبدو أن البرلمان الجديد قد يظهر تفاعلات مختلفة مع قضايا جدلية خارجية وداخلية، قد لا يتفاءل كثيرون بها بعد الهندسات الاستباقية له، خصوصا مع غياب معظم الممثلين للدولة المدنية والمنادين فيها، بما فيهم القطب القوي في البرلمان السابق المهندس خالد رمضان.
بكل الأحوال، خسرت النساء بخيانة زملائهن من الرجال، بصورة تبدو محاكية لمظلوميتها التاريخية في العالم وأكثر في العالم العربي، إلا ان ذلك في الأردن يعززه القانون ويدعمه عوضا عن ان يغيّره ويزيد من حظوظ النساء.
بالمقابل، يتماشي تخفيف وجود النساء وحكمهن المجبول بالعقل والعاطفة، مع تشكّل برلمانٍ قد يمتاز بالقسوة والصرامة العسكرية، كما مع احتمالات الراديكاليتين المتصادمتين بين فلسطينيي الإمارات والإخوان المسلمين الأقرب لقطر وتركيا، ما يجعل الأردنيين أمام مشهد غريب بعض الشيء ويستحق المتابعة مع لجم جماح الأمل.
المصدر/ رأي اليوم