2024-11-25 07:44 ص

انتخابات قريبة.. هكذا تساهم الهرولة للتطبيع في تقوية فلسطين

2020-09-26
حمل السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، تصريحًا صاعقًا بالنسبة لقادة المقاطعة في رام الله (المقر الرئيسي للرئاسة الفلسطينية)، حين قال يوم 17 من سبتمبر (أيلول) الحالي إن العاصمة الأمريكية تفكر في تنصيب القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، زعيمًا للفلسطينيين.
كان هذا التصريح غير المسبوق لمسؤول أمريكي رفيع المستوى مثيرًا لغضب المقاطعة أكثر مما سبقه من تحركات في أمر قيادة دحلان للفلسطينيين، وآخرها وصوله على متن طائرة إماراتية تحمل مساعدات طبية للضفة الغربية بصحبة طحنون بن زايد، الشقيق الأصغر لمحمد بن زايد، بغية نقل توصية من شقيقه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بالمساعدة في فتح الباب أمام عودة دحلان، كما ذكرت مصادر لموقع «دار الحياة» الفلسطيني، لذا عجل رجال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالهجوم على فريدمان دون التفات إلى تعديل تصريحاته من قبل صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من بنيامين نتنياهو.
وقد سبق أن خاض الرئيس الفلسطيني صراعًا مع جملة أحداث ليس أقلها فقدانه ثقة بعض العواصم العربية التي هرولت نحو التطبيع مع إسرائيل، وكذلك ما يمارسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ضغوطات متزامنة مع إجراءات إسرائيلية قوضت سلطة عباس ونفوذه، مثل امتناع إسرائيل عن تسليم ضرائب (إيرادات المقاصة) مستحقة للسلطة، ومواصلة إجراءات الخطة الإسرائيلية المدعومة أمريكيًّا لضم نحو ثلث مساحة الضفة الغربية.
ما سبق، دفع عباس نحو اتخاذ قرارات جدية ونوعية، بدأت بعقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ثم بحوار فلسطيني بين حركتي «حماس» و«فتح» في تركيا، والإعلان من إسطنبول عن إجراء الانتخابات التشريعية أولًا، ثم الانتخابات الرئاسية، وبعد ذلك سيُشكل المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يعد بمثابة برلمان لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر، إذ أجريت الانتخابات التشريعية الفلسطينية آخر مرة عام 2006م، في حين أجريت آخر انتخابات رئاسية عام 2005م.

لماذا تحرك الفلسطينيون الآن نحو الوحدة الوطنية؟
كان عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في اليوم الثالث من سبتمبر الحالي بداية حقيقية وضعت فيها النقاط نحو تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة ترتيب البيت الداخلي، إلى جانب التمسك بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
جاء هذا الاجتماع الذي ترأسه الرئيس عباس في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، بالشراكة مع حضور من حركة حماس في العاصمة اللبنانية بيروت عبر «الفيديو كونفرنس»، بعد أن وصل الفلسطينيون لخيار صفر بسبب الانهيارات التي تجري في المنطقة العربية، كما تبعه حوار بين قادة الحركتين في تركيا بغية الاتفاق على برنامج وطني لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.
وجاء في بيان الجوار ختامي أنه: «جرى إنضاج رؤية متفق عليها بين الوفدين على أن تقدم للحوار الوطني الشامل بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية، ويجري الإعلان النهائي والرسمي عن التوافق الوطني في لقاء الأمناء العامين تحت رعاية الرئيس محمود عباس، على ألا يتجاوز الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، بحيث يبدأ المسار العملي والتطبيقي بعد المؤتمر مباشرة».
يقول المحلل الفلسطيني طلال عوكل إن الفلسطينيين أصبحوا أمام حائط مسدود وليس أمامهم سوى خيار العودة إلى الذات لكون التشرذم الفلسطيني كان أحد ذرائع تسلح بها المطبِّعون، ولكونه جعل إسرائيل تتجرأ أكثر في التوغل نحو مصادرة الحقوق الفلسطينية، إذ يعتقد عوكل أن هذا التحرك الفلسطيني يمكن أن يسبب إحراجًا لبعض الدول العربية التي تنتظر دورها في التطبيع، وهو على الأقل محاولة فلسطينية من جديد لتحضير الذات لخوض صراع واسع، فيه قليل من المراهنات على الدعم العربي والدعم الدولي.
وفيما يخص دوافع حركة «حماس» للقبول بالمصالحة الآن، يقول عوكل إن حركة حماس جزء من الوضع الفلسطيني، وهي لن تخسر إذا ما جري التوافق على انتخابات وإعادة بناء الوحدة الفلسطينية، لكونها تطمح بأن تسيطر على القرار الفلسطيني من داخل المؤسسة الفلسطينية، وهو ما كان ممنوعًا؛ لأن الأبواب كانت مغلقة، ويضيف: «ستحصل على شرعية وتصبح جزءًا من النظام السياسي الفلسطيني، وهي لديها القوة الكافية لأن تصبح شريكًا قويًّا وفعالًا في القرار الوطني الفلسطيني، إن لم تصبح لاحقًا هي صاحبة القرار».
فيما يعتقد الباحث في قضايا الحكم والسياسة، جهاد حرب، أن المؤشرات إيجابية حتى الآن للوصول إلى اتفاق فيما يتعلق بإعلان عن إجراء الانتخابات؛ أي إنهاء الانقسام الفلسطيني، وهو وضع قد يتطور حتى الوصول لاستعادة الوحدة والاتفاق على برنامج سياسي واستراتيجية نقابية نضالية.
ويرجع حرب خلال حديثه لـ«ساسة بوست» سبب تحرك الطرفين الآن إلى الظروف المتأزمة لهما، من جهة عدم قدرة حماس على إدارة الحكم في قطاع غزة، ومن جهة الفشل السياسي الموجود في الضفة الغربية، بالإضافة إلى الانهيار الواسع للنظام العربي المهرول نحو التطبيع، ووجود ضغوطات أمريكية هائلة على الفلسطينيين، ويوضح حرب: «هذا أفقد الفلسطينيين السند لهم، وبقوا وحدهم دون دعم خارجي عربي، فالطرفان وجدا أنفسهما في المأزق، والأمر الوحيد الذي يقوي الفلسطينيين هو الوحدة الوطنية».

هل من تهميش للدور المصري؟
في العشرين من سبتمبر الحالي، خرج أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، جبريل الرجوب عبر شاشة تلفزيون فلسطين الرسمي، ليقول إنه: «لأول مرة في تاريخنا قرارنا أصبح في أيدينا وخارج دائرة النفوذ والتأثير والمحاصصة والوصاية، ورعاية أي طرف إقليمي».
أثار تصريح الرجوب، ومن قبله موقف القيادة الفلسطينية، الجدل حول موقع الدبلوماسية المصرية في المرحلة المقبلة في القضية الفلسطينية، وبدت التصريحات تحمل عدة رسائل، أهمها أن هناك استدارة فلسطينية لدور مصر المحوري بالتحديد؛ إذ اختارت حركتا فتح وحماس كما أسلفنا، اللقاء في تركيا بدلًا من لقائهما في القاهرة كالمعتاد.
لكن عضو المجلس الثوري لحركة «فتح»، تيسير نصر الله، الذي تحدث إليه «ساسة بوست» قال إن اختيار تركيا يعود لكون قيادة حماس موجودة هناك ليس أكثر، مضيفًا: «لا شك أن لمصر دورًا لا أحد يستطيع إنكاره، لكن في النهاية نحن أحرص على موضوعنا الداخلي من أي طرف آخر، ما يحدث هو جهد فلسطيني خالص، ينبع من الحرص على المصلحة الوطنية، وهو أيضًا ليس ضد أي أحد، إنما ضد المهرولين للتطبيع، ومع المصلحة الفلسطينية أولًا وأخيرًا».
في حين يشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، حسام الدجني، على أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بدا لديه إصرار كبير واستدارة عن مصر بذهابه إلى إسطنبول من أجل إنجاح المصالحة، وإعطاء رسالة للقاهرة بأنه من الممكن أن يكون هناك تجاوز للدور الإقليمي، ويستدرك الدجني: «الأوجب أن يكون هناك تعاطٍ بتوازٍ مع الإقليم، وألا نكون على حساب المحور الآخر، حتى لو كانت مواقف أي محور لا تتوافق أو تنسجم مع رؤيتنا، يجب ألا تفشل المصالحة».
ويبين الدجني أن قادة السلطة تداركوا الأمر، وتوجه وفد من حركة فتح إلى القاهرة لإطلاعه على المباحثات؛ مما يعني إدراك القيادة الفلسطينية خطورة تجاوز مصر فيما يخص القضية الفلسطينية، ويضيف الدجني لـ«ساسة بوست»: «مصر جغرافيا سياسية لا يمكن تجاهلها، وهي دولة مكلفة بملف المصالحة من جامعة الدول العربية، قد تتجاهل الإمارات أو غيرها، الكل يجب أن يعمل على تصويب مسار تحرك الإمارات والبحرين، ولا نخسر أحدًا».
فيما يرى المحلل السياسي، طلال عوكل، أن ما حصل في تركيا لا يعني أن الأخيرة بديلة عن مصر، لكن الأمور إذا وقفت عند هذا الحد فقد تكون مستفزة لمصر، وحسب عوكل فلا أحد يستطيع أن يعطل الفلسطينيين حين يتفقون، ومصر الممسكة بالملف، والتي استضافت جلسات حوار، لن تكون ضد الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني، لكن قد تنزعج من أن يستبدل بدورها الدور التركي أو القطري، ويوضح لـ«ساسة بوست»: «لا يجوز القفز على الدور المصري في كل الحالات، وقد نكون أمام استكمال للحوار في القاهرة؛ فاجتماع الأمناء العامين ستتوسع دائرته قريبًا».

الفلسطينيون جادون هذه المرة
يعتقد عضو المجلس الثوري لحركة «فتح»، تيسير نصر الله، أن الحرص المشترك بين الحركتين على ألا يخسران كثيرًا من شعبيتهما وجماهيريتهما إذا ما خرج أحد منهما عن ما جرى الاتفاق عليه، هو ضمانة كبيرة لإنجاح الحوار الوطني هذه المرة، فالحركتان تستشعران الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، وما تقوم به الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع الاحتلال والدول العربية التي هرولت نحو التطبيع.
وتابع تيسير القول لـ«ساسة بوست»: «الضمان فلسطيني فلسطيني، حمساوي فتحاوي مباشرة، الكل سيراقب من سيفشل هذا الاتفاق، وسيدفع ثمن إفشاله»، ويستدل نصر الله على أن الخطوات التي جرت خلال الفترة القصيرة الماضية كلها تشير إلى أن هناك جدية حقيقية لإنجاح هذا الحوار، فإذا ما جرى الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات مجلس وطني لإعادة الشرعية الجماهيرية للنظام السياسي الفلسطيني، سيكون ذلك بمثابة استحقاق على العالم أن يقف بجانبنا للضغط على الإدارة الأمريكية والاحتلال لوقف كل الإجراءات التي تتخذ ضد الفلسطينيين.
فيما يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، حسام الدجني، على أن كل العوامل تدعم أن ينجز الفلسطينيون مصالحة في ظل الواقع الإقليمي الجديد؛ إذ لا يوجد خيارات أمامهم إلا أن يتجهوا نحو ترتيب البيت الفلسطيني، وأولى الخطوات فيه، إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكذلك العمل على تنظيم المؤسسة السياسية وتقويتها لمواجهة التطبيع من خلال دبلوماسية شعبية ورسمية لا تخسر الدول بل تصوب المسار والمسيرة الفلسطينية.
ويوضح حسام: «لا يعقل أن تلوم الدول التي تطبع وأنت تعاني من حالة انقسام، وتراهن على المفاوضات مع إسرائيل التي انقلبت على حل الدولتين، أو على جامعة الدول العربية، التي تخلت عن مبادرة السلام العربية بإفشالها مشروع إدانة التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل»، ويتابع القول: «فشل المصالحة معناه المزيد من سريان قطار التطبيع بشكل أسرع، ودخول دول جديدة في هذا القطار، فقط الذي يوقف قطار التطبيع هو انتخابات تأتي بقيادة جديدة».
وفيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية على التحرك الفلسطيني الداخلي، يرى الباحث في قضايا الحكم والسياسة، جهاد حرب، أن إسرائيل ستحاول أن تعرقل الوحدة الوطنية بالضغط الواسع على الفلسطينيين سواء على حماس في قطاع غزة، أو فتح في الضفة الغربية، ويعقب: «لكن أيضًا الأهم هو أن الفلسطينيين سيكونون موحدين، فإذا ما ذهبوا إلى انتخابات يعني أنهم سيملكون الشرعية؛ مما يساعدهم على تفادي الأزمات والتحديات التي يمكن أن تخلقها إسرائيل والولايات المتحدة».