2024-11-25 12:16 م

بدون مواربة: أخطاء القيادة الفلسطينية في العشرية الأخيرة!!

2020-08-30
القدس/المنـار/كتب المحرر السياسي/ لا احد يستطيع أن ينكر خطورة الخطوة الاماراتية باشهار علاقاتها مع اسرائيل وولوج باب التطبيع العلني باتفاق مهين، ولا يمكن انكار حقيقة أن هذه الخطوة تشييعا لـ "جنازة" مبادرة السلام العربية، غير أن ما أقدمت عليه أبوظبي وما أحدثته من تطور في العلاقات الاسرائيلية العربية لم يأت من فراغ ولم يكن مفاجئا، فهناك الكثير من الدلائل والشواهد "مرئية" كانت من خلال مشاركة الامارات ودول عربية أخرى في "مشاهد" اعلان دونالد ترامب لصفقة القرن بشأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو الدلائل "السمعية" التي تناقلتها العديد من وسائل الاعلام الاقليمية والدولية وتحدثت بصراحة عن "الهرولة الخليجية" باتجاه اسرائيل.
هذه الحقيقة وما يترتب عليها من تداعيات تجعلنا بحاجة الى مراجعة شاملة لما قامت به القيادة الفلسطينية على الاقل خلال العشرية الأخيرة في محاولة لمعرفة "أين أصابت وأين أخطأت" والمشاهد والتطورات تتوالى أمامها في ادارتها للمعارك والأزمات السياسية.
وهنا، يجب أن نعترف بأن اسرائيل من خلال اتفاق التطبيع مع الامارات سجلت نقاطا مهمة في مرمى الطرف الفلسطيني وأدخلته في حالة من الذهول والتخبط ظهرت واضحة جلية من خلال ردود الفعل والبيانات النارية عديمة التأثير والتصريحات المخجلة في محاولة للتشبث بأطراف أقوال ومواقف لهذه الدولة العربية وتلك في ما يمكن وصفه بـ "مواساة النفس" و "استجداء المساندة".

نتنياهو وسياسة "السباحة عكس التيار"
ونعيد الى الاذهان الى أنه منذ صعود بنيامين نتنياهو الى سدة الحكم في اسرائيل العام 2009، بدأ رئيس الوزراء الاسرائيلي سياسة مدروسة بـ "السباحة عكس التيار" في كل ما يتعلق بالسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، رافضا التسليم بالرأي القائل بأن السلام مع العرب لا يمكن تحقيقه دون المرور عبر تحقيق السلام مع الفلسطينيين، ومع مرور الشهور والأعوام على توليه الحكم نجح نتنياهو في تغيير الرأي السائد واستبداله بمفاهيم جديدة تقوم على المصالح المشتركة والعدو المشترك وصولا الى وضع العلاقات بين اسرائيل والعرب على مسار التقدم السريع، وفي ذات الوقت عمل رئيس الوزراء الاسرائيلي وبجهد كبير ومكثف من أجل تهميش جوانب الصراع مع الفلسطينيين، ليس فقط على المستوى الاقليمي والدولي وانما المحلي أيضا، فأحدثت هذه السياسة المدروسة جيدا تبدلات وتحولات في مواقف واراء شرائح المجتمع الاسرائيلي لصالح فكرٍ معادٍ لأية تسويات سياسية مع الجانب الفلسطيني.
هذه التحولات لم تلتفت اليها القيادة الفلسطينية، ولم تدرك خطورتها وأبعادها كما لم تحسن قراءتها بالشكل المطلوب حتى تتمكن من التعاطي معها لمواجهة التداعيات السلبية الناجمة عنها التي تستهدف قضية الشعب الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية رغم كل القرائن والشواهد والدلائل لم تدرك أن هناك عهدا اسرائيليا جديدا قد بدأ، وهو آخذ في التجذر والتعمق، وبأن أدوات اللعبة وقواعدها قد تغيرت، وبالتالي، على الجانب الفلسطيني اعادة تقييم المرحلة ووضع قواعد مناسبة ملائمة واستراتيجية فاعلة تفاديا لأخطار وتحديات  هذا العهد، الا أن القيادة الفلسطينية واصلت الالتصاق بأدوات اللعبة القديمة.
في المقابل واصل نتنياهو الحديث عن المرحلة الجديدة والعهد الجديد في العلاقات الاسرائيلية مع العالم العربي، قاطفا ثمار هذه السياسة، فكان اتفاق التطبيع مع الامارات أحد هذه الثمار، وتم تصنيف الاتفاق المذكور في "مصاف" معاهدات سلام سابقة أبرمتها اسرائيل مع مصر والأردن.
صحيح أن لنتنياهو أسبابه الشخصية والحزبية الضيقة للابحار في "بحر المبالغات" لهذا الانجاز الذي تحقق مع الامارات، لكن، لا يمكن لأي عاقل التقليل من هذه الخطوة، فهي أبقت على أبواب التطبيع مع اسرائيل مفتوحة على "مصاريعها"، وأن خطوات التطبيع العربية والاسلامية ستصبح من الان فصاعدا "منفردة" بعيدا عن أي "اجماع" أو "تراتبية في المراحل" حملتها منذ سنوات مبادرة السلام العربية. خلال كل هذه السنوات، بقيت القيادة الفلسطينية غارقة بأوهام أنها الممسكة بمفاتيح التطبيع بين العرب واسرائيل، وأن أية جهة لن تستطيع تجاوزها متجاهلة حقيقة أن دولا في المنطقة ترى أن حاجتها لاسرائيل في مواجهة ايران تتجاوز وأقوى من رغبتها في رؤية حل عادل للقضية الفلسطينية!!.

القضية الفلسطينية وصراعات المحاور العربية

إن ضعف القيادة الفلسطينية وعجزها عن ابقاء القضية الفلسطينية بعيدة عن التجاذبات العربية، شرع أبواب الساحة الفلسطينية أمام صراعات المحاور العربية مما حول القضية الفلسطينية الى ورقة مزايدات بين هذه المحاور، كما فشلت القيادة الفلسطينية في ظل هذه التجاذبات التي يشهدها الاقليم في انتهاج سياسة وسطية معتدلة، غير منحازة تحمي الساحة الفلسطينية التي باتت فريسة المال السياسي الذي يجري ضخه لاستقطاب قيادات أصبحت أسيرة أجندة مموليها وداعميها، بعيدا عن المصلحة الفلسطينية العليا.



سياسة التقليل والتهوين

منذ سنوات طويلة والمنطقة تشهد أحداثا مفصلية، وبقيت القيادة الفلسطينية في حالة تفرج وأسيرة تقديرات خاطئة، وغرقت في سياسة "التهوين" والتقليل رافعة شعار "لا أحد يستطيع تجاوز الفلسطينيين وقضيتهم" وجاءت الخطوة الاماراتية لتؤكد عقم هذه السياسة وانفصال أصحابها والمتمسكين بها عن الواقع الجيوسياسي المتغير وحالة تصارع المحاور الاقليمية والدولية التي يعيشها الشرق الأوسط.
هذه السياسة التي انتهجتها القيادة الفلسطينية ازاء المتغيرات والأحداث طبقتها على العديد من التطورات والمفاصل المهمة طوال العشر سنوات الأخيرة، وشاهدنا ذلك من خلال التحفظ والابتعاد عن ابداء الرأي واعلان المواقف والنأي عن النفس وعدم الجرأة في اتخاذ المواقف الواضحة في أزمات اقليمية من بين أهدافها شطب القضية الفلسطينية عن جدول الاهتمامات العربية، ولاحظنا اتباع القيادة لسياسة التقليل من خطورة "مؤتمر وارسو" الذي عقد في العاصمة البولندية في شباط 2019 تحت عنوان "تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط" بمشاركة دول عربية وغربية الى جانب اسرائيل، بالاضافة الى تشكيك بعض القيادات الفلسطينية بوجود صفقة القرن وغيرها من الاحداث المفصلية، وتمسكت بسياسة التهوين والتبسيط.

ترحيل الأزمات الى عقارب الساعة الانتخابية
وخطأ آخر ارتكبته القيادة الفلسطينية عندما فضلت تبني سياسى الانتظار الدائم وترحيل الأزمات الى عقارب الساعات الانتخابية في الولايات المتحدة واسرائيل مستندة في ذلك على تقديرات خاطئة وضعها أشخاص ليست لهم الدراية والخبرة في الشأن الداخلي لهاتين الساحتين، هذه السياسة المتبناة من جانب القيادة جعلها رهينة للتحولات الداخلية في واشنطن وتل أبيب، دون مواجهة هذه التحولات في المشهد السياسي للبلدين المذكورين بمبادرات فلسطينية مدروسة وواقعية يمكن أن تشكل على الأقل ورقة "مناكفة" واحراج للجانب الاسرائيلي.
ولم يتوقف عجز القيادة الفلسطينية عند هذا الوضع، بل ربطت نفسها بالاجندات الانتخابية في واشنطن، ولم تدرك انه لو غادرت ادارة الرئيس ترامب لصالح ادارة ديمقراطية بطواقم جديدة، فان "قاعدة التعاون الاقليمي" التي نجحت ادارة ترامب في وضعها وتمكين أسسها وقواعدها في الشرق الأوسط ستواصل الاتساع لتضم المزيد من الدول المتعطشة لتكون جزءا من "الحلف الشرق أوسطي الجديد".


تحييد ورقة التحرك الشعبي
وعن الأخطاء التي وقعت فيها القيادة الفلسطينية عجزها عن تعزيز ترسانتها السياسية بأوراق ضغط قادرة من خلالها على مواجهة الجانب الاسرائيلي، وأبلغ دليل على ذلك هو تحييدها لورقة التحرك الشعبي وحصره في مواجهات محدودة، ومساحات محدودة، وبتوقيت محدد ضمن برامج اسبوعية وموسمية مبررة هذا التوجه بالخوف من خروج الامور عن السيطرة والانزلاق نحو المواجهة العسكرية، وهو قلق يمكن تفهمه في اطار عدم تقبل العالم لأشكال النضال المسلح، لكن، القيادة والفصائل جميعها فشلت في وضع استراتيجية آمنة لتحرك شعبي يمكن استثماره لتحقيق مكاسب سياسية، كما فشلت القيادة الفلسطينية في الاستخدام الصحيح المدروس للأوراق التي تمتلكها كورقة التنسيق الأمني الذي هددت بوقفه مرات عديدة خلال العشرية الأخيرة، ثم تراجعت عن تهديداتها وصولا الى القرار الاخير الذي اتخذته بهذا الشأن مع أن هناك ضغوط لالغائه.
ومن يتمعن في هذه الاخطاء وما تسببت به من أضرار كبيرة، يجد أن من أهم عوامل الوقوع فيها وارتكابها الاستبداد في الطرح واحتكار الرأي والقرار، وعدم الاعتماد على الكفاءات وأصحاب الخبرة والاختصاص، والعجز الواضح في تحليل الأحداث والتطورات، وانعدام النقاشات بين المستوى التنفيذي وصناع القرار من جهة وبين أصحاب الكفاءة والخبرة، والاكتفاء بأدوات طالها الصدأ.
ما سبق هو عرض ليس تفصيليا ليس بالقرائن والشواهد، وانما تحديد لبعض الأخطاء نقاطا، أمام دائرة صنع القرار في القيادة الفلسطينية مراجعة لها، والسعي الجدي لاستخلاص العبر، بعد أن وصلنا الى هذا الحال، قبل الانهيار الكامل، والخروج باستراتيجية سليمة، ولكن، بعد دراسة هذه الأخطاء جيدا، وأن لا توكل لمن كانوا سببا في وقوعها مهمة اعداد هذه الاستراتيجية!!!